Wednesday, July 25, 2007

تلخيص كتاب مصر الحديثة والمعاصرة ، للدكتور إسماعيل زين الدين

سليم الأول
سنضع أولا بإذن الله تعالى نقاط وخطوط عريضة لتوضيح أهم التطورات فى تاريخ " مصر " الحديث والمعاصر ،

كما أن تلخيص الكتاب سيكون عبارة كذلك عن خطوط عريضة دون تفصيلات كثيرة كذلك :

أولا : قضية التحديد لتاريخ مصر الحديث والمعاصر " ثلاث نظريات ".

ثانيا : مصر والحكم العثمانى (1517 - 1798 ) .

ثالثا : الاحتلال الفرنسى لمصر (1798 - 1801 ).

رابعا : مصر فى الفترة من (1801 - 1805 ).

خامسا : فترة حكم محمد على لمصر ( 1805 -1849 ).

سادسا : فترات حكم عباس حلمى الأول ، ومحمد سعيد باشا ، ثم الخديوى إسماعيل.

سابعا : التغلغل الأجنبى فى مصر فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر .

ثامنا : الأزمة المالية وبداية التدخل الأجنبى فى مصر.

تاسعا: الامتيازات الأجنبية فى مصر.

عاشرا : المحاكم المختلطة فى مصر .

الحادى عشر : الثورة العرابية سبتمبر (1881 ) .

الثانى عشر : فشل الثورة العرابية ، والاحتلال البريطانى لمصر ( 1882 - 1954 ).

الثالث عشر : التجربة الحزبية فى مصر الحديثة (1907 - 1914 ) .

الرابع عشر : عباس حلمى الثانى والحركة الوطنية فى مواجهة الاحتلال البريطانى فى مصر .

الخامس عشر : ثورة 1919 .

السادس عشر : ثورة 23 يوليو 1952 .

أولا :

قضية التحديد الزمنى لتاريخ مصر الحديث والمعاصر

هناك ثلاث مدارس تعرضت لتحديد بدايات تاريخ مصر الحديث ، المدرسة الأولى ترى أن بداية تاريخ مصر

الحديث تبدأ منذ الفتح العثمانى لمصر (1517) ، قياسا على بدايات التاريخ الأوروبى الحديث الذى يبدأ مع هذه

الفترة . ولكن هل أحدث العثمانيون تطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية يمكن على أساسها اعتبار هذه الفترة

تمثل البداية الحقيقية لتاريخ مصر الحديث . الإجابة على ذلك تشير بالنفى . لأن الغزاة العثمانيين لم يحدثوا تغيرات

جوهرية لواقع المجتمع المصرى الذى ظل مجتمعا تقليديا فلم نر تغيرات تذكر سوى فى نظام الحكم القائم واستبداله

ببعض الأتراك . أما المدرسة الثانية فترى أن الحملة الفرنسية على مصر (1798 - 1801 ) ، تمثل

البداية الحقيقية لتاريخ مصر الحديث ، ويستندون فى هذا الرأى على ما أحدثته الحملة من بعض التغيرات

السياسية والفكرية والاقتصادية على الواقع المصرى القائم بما يبرّر اعتبارها البداية لتاريخ مصر الحديث .

ولكن الرد على هؤلاء يتمثل فى القول بأن الفترة التى قضتها الحملة الفرنسية على مصر وهى ثلاثة سنوات

وثلاثة شهور ، وهى مدة قصيرة لا يمكن خلالها وبأى حال من الأحوال إحداث مثل هذا التطور والتغير ، كما

أن الحملة قضت أغلب فتراب وجودها فى صراعات ومعارك عسكرية ضد العناصر المناوئة لها سواء من المماليك

أو الأتراك أو الإنجليز أو الحركة الطنية بمختلف شرائحها الرافضة لوجود الاحتلال الفرنسى للبلاد . كما

أن المؤثرات التى أوجدتها الحملة ، وفقا لما ذكره الجبرتى ، لم تضرب بجذورها فى واقع المجتمع المصرى

الذى ظل بعيدا عن هذه المؤثرات ، غير أن ذلك لا ينفى أن الحملة الفرنسية أحدثت نوعا من الصدمة لهذا

المجتمع الذى كان بعيد تماما عن ذلك التطور الذى حدث فى الغرب . أما المدرسة الثالثة والأخيرة ، فهى مدرسة

التحديث ، التى ترى أن التغير الكبير الذى حدث فى مصر قد جاء فى عصر محمد على ، والذى قام بهدم دعائم

النظام التقليدى القائم ، وأقام على أنقاضه نظاما جديدا يختلف اختلافا كليا عن النظام السابق بكل مكوناته السياسية

والاقتصادية والاجتماعية . وأخيرا ، ينبغى الإشارة إلى أن نقطة التحول فى أى مجتمع من المجتمعات ، وما يحدث

من تغير فى شكل علاقات الإنتاج القائمة ، هى التى تحدد أو يمكن اعتبارها بداية ونهاية فترة أو عصر من العصور

التاريخية . كذلك فإن نقطة التحول ، وما يطرأ على حركة المجتمع من تغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية

هى التى تحدد انتقال هذا المجتمع من عصر إلى آخر ، وبالتالى يمكن اعتبارها نهاية لعصر وبداية لعصر جديد .

أما فيما يتعلق ببدايات تاريخ مصر المعاصر ، فالبعض يرى أن الاحتلال البريطانى لمصر يمثل البداية لما

أحدث من تطورات فى الحكم والإدارة وعلاقات الإنتاج القائمة . والبعض الآخر يرى أن تاريخ مصر المعاصر

يبدأ منذ ثورة 1919 ، لأن هذ الثورة عادت بالاستقلال ، كما أوجدت الحياة الدستورية بإنشاء دستور 1923 .

وعملت أيضا على تغيير حياة المجتمع المصرى ، وبالتالى فهى تمثل نقطة البداية لتاريخ مصر المعاصر .

وهناك رأى أخير يرى أن تاريخ مصر المعاصر يبدأ منذ قيام الثورة العرابية لأنها نادت بالاستقلال وحاولت

أن تجد حلولا لكل التناقضات التى كان عليها المجتمع المصرى والمشكلات التى يتعرض لها وفى طليعتها

الغزو الأجنبى بمختلف صوره وأشكاله الذى انتهى بالاحتلال البريطانى للبلاد عام 1882 ، وبالتالى فيجب

أن تُتخذ الثورة العرابية (1881 ) نقطة انطلاق وبداية لتاريخ مصر المعاصر . أما نهايات تاريخ مصر

المعاصر ، فمما لا شك فيه أن ثورة يوليو 1952 ، وما أحدثته من تغيرات جوهرية لواقع الحياة الاجتماعية

والاقتصادية والسياسية ، وتغيير شكل ونظام الحكم ، وعلاقات الإنتاج التى كانت قائمة قبل الثورة ، وما أعقب

ذلك من صدور قانون الإصلاح الزراعى الأول (سبتمبر 1952 ) ، والإصلاح الزراعى الثانى ، ثم قوانين يوليو

الاشتراكية عام 1961 ، يمثل النهاية العملية لتاريخ مصر المعاصر . ولكى يكون القارئ على دراية ومعرفة

بأوضاع المجتمع المصرى قبل مرحلة التحديث ، رأينا أن نبدأ الدراسة بتسليط الأضواء على تلك الأوضاع

التى كان عليها المجتمع إبان الحكم العثمانى للبلاد ، حتى يكون هناك مجال للمقارنة بين ذلك العصر وما حدث

فيما بعد من متغيرات اقتصادية واجتماعية وساسية شهدتها مصر فى عصر محمد على (1805 - 1849 ) ،

والذى كان يمثل بداية مرحلة التحديث .

ثانيا :

مصر والحكم العثمانى (1517 - 1798 ):

أولا : توجّه الدولة العثمانية نحو المشرق :

بعد أن بلغت الدولة العثمانية أقصى اتساع لها فى أوروبا عندما وصلت حدودها إلى فيينا عاصمة النمسا ، أصبحت

عاصمتها القسطنطينية ، بعد سقوطها عام 1453 على يد محمد الفاتح ، بدأت تنظر بعين من القلق لذلك التطور

الذى حدث فى أوروبا نتيجة لظهور الطبقة البورجوازية التجارية ، وواتجاهها للبحث عن طريق تجارى آخر

غير الطريق القديم عبر البحر الأحمر ، وقد أسفر ذلك عن قيام "فاسكوداجاما" باكتشاف هذا الطريق (1498) .

بعد محاولات عديدة ، انتهت بهزيمة المماليك فى موقعة ديو البحرية (1509 ) فكان ذلك أثره ، بالإضافة لعوامل

عديدة أخرى يتسع المجال هنا لذكرها فى تخوّف العثمانيين من سيطرة أوروبا على مقدرات العالم الإسلامى

وتطويقه من الشرق والغرب ،ومن ثم كان توجّه الدولة العثمانية نحو المشرق العربى . وكان المشرق العربى

وقتئذ يتكون من قوتين ، القوة الأولى وتتمثل فى الدولة الصفوية ، وهى دولة شيعية المذهب ، بينما الدولة

العثمانية سنية المذهب ، وقد انتهى الصدام بينهما بهزيمة الصفويين فى موقعة "جالديران " الشهيرة (أغسطس 1514 ) .

ودخول العثمانيين عاصمتهم تبريز، كما ضموا الأناضول الشرقية نهائيا ، واحتلوا شمال العراق عام 1515 ،

وكان لهذا نتائجه الاقتصادية والاستراتيجية على المنطقة . أما القوة الثانية فكانت تتمثل فى دولة المماليك

وكان مركز سلطانها "مصر " ، ويمتد إلى الشام واليمن وأطراف الجزيرة العربية وأراضى العراق الغربية .

وكان هؤلاء "سنّة" ، يخشون العثمانيين فى الشمال ، و" الشيعة " فى الشرق . غير أن الشيعة كانوا أقل خطرا

من العثمانيين . وبعد إلحاق الهزيمة بالصفويين ، اتجهت الدولة العثمانية نحو سوريا ، وهناك عن " مرج دابق"

دارت الدائرة على سلطان دولة المماليك ، السلطان " الغورى " ومماليكه ، وانتهت المعركة بهزيمة المماليك

عام 1516 ، وبعد ذلك تقدمت قوات سليم الأول - بعد مقتل الغورى - ودخلت دمشق ، ومنها انتقل مع جنده

عبر الطريق الساحلى إلى يافا والقدس ثم وصل إلى غزة ، فكان ذلك إيذانا بفتح مصر وسقوط دولة المماليك

بعد هزيمة " طومان باى " فى موقعة " الريدانية " قرب القاهرة ، فى يناير عام 1517 ، وبهذا ضمت الدولة

العثمانية مصر إلى حوزتها .

ثانيا : العثمانيون فى مصر

بدخول السلطان سليم الأول وجيشه القاهرة عقب هزيمة "طومان باى " فى يناير 1517 ، بدأت تبعية مصر

للدولة العثمانية بعد أن تم القضاء على دولة المماليك التى حكمت مصر والشام وأجزاء من الجزيرة العربية أكثر

من ثلاثمائة قرون . وقد تمتعت مصر بأهمية خاصة بين ولايات الدولة العثمانية حيث كانت تُعتبر ثانى ولاية

فى الأهمية بعد ولاية المجر . وقد قامت الخلافة العثمانية داخل إطار السنّة ، وفقا للمذهب الحنفى لأن المذاهب

الثلاثة الأخرى كانت تحصر الخلافة على المسلمين فى بنى قريش من العرب ، أما مذهب أبى حنيفة النعمان

فيُطلق الخلافة بين جميع المسلمين كما أنه أقرب المذاهب الأربعة إلى فكرة الحكم المطلق ، ولهذا كان مذهب

الإمام أبى حنيفة أوفق المذاهب لسلاطين الدولة العثمانية . وكانت فكرة الدولة عند العثمانيين وهى التى طبقتها

على البلاد العربية ومنها مصر ، تتلخص فى أن للدولة وظائف محدّده لا تتعداها ، وهى :

الدفاع عن البلاد ضد الغزو الخارجى و حفظ الأمن الداخلى ، وهذه مهمة الجيش .

ثم تحصيل الضرائب وتوزيعها فى بنودها المختلفة ، وهذه مهمة الإدارة المالية .

أخيرا ، الفصل فى الخصومات بين الرعية ، وهذا يتطلب إنشاء نظام قضائى إسلامى - ملّلى . أما فيما عدا

هذه الوظائف الثلاث من مسائل عامة ، فكانت تُترك للرعية يدبرون شئونهم بأنفسهم ، وفقا للأعراف والتقاليد

التى كانت سائدة وقتئذ ، فالدولة العثمانية واحدة من الدول القبلية التى نزحت من آسيا الصغرى ومن القوقاز

لم تعرف من التنظيم لحياتها غير ما وهبته الطبيعة لها فى بيئتها الرعوية ، ومن هنا كان التنظيم الدقيق

للدولة العثمانية والولاء للرعى أو السلطان . وقد مرت الإدارة العثمانية بمصر بثلاث مراحل : المرحلة الأولى :

واستغرقت الستين عاما التى تلت تنظيم الإدارة بإعلان قانون " نامة مصر " عام 1525 ، واستمرت حتى آواخر

القرن السادس عشر حيث بلغ النظام الإدارى قمة تكامله ، وتميزت هذه المرحلة بسيطرة ممثلى السلطنة العثمانية

سيطرة تامة وعثمنة معظم الوظائف الإدارية ، كما تمتع الباشا بسيطرة كاملة فى شئون الحكم والإدارة . أما المرحلة

الثانية : فقد بدأت أواخر القرن السادس عشر حتى نهايات القرن السابع عشر ، وقد شهدت هذه المرحلة

بداية اختلال نظام الإدارة العثمانى فى مصر وعودة النفوذ إلى القوى المحلية الممثلة فى أمراء المماليك

وأتباعهم . أما المرحلة الثالثة والأخيرة ، فقد امتدت طوال القرن الثامن عشر ، وفيها تحولت السيطرة على الإدارة

من جانب العثمانيين إلى المماليك تماما ، وسيطروا على أهم المقاطعات الزراعية والجمركية بالإضافة إلى المناصب

الإدارية ، وقد وصل الأمر فى تلك المرحلة إلى محاولة على بك الكبير ( 1760 - 1773 ) الانفراد بشئون

الحكم والإدارة فى مصر وإقصاء كل نفوذ للعثمانيين فيها . وطوال الحكم العثمانى لمصر ، عانت البلاد كثيرا

من التخلف والضعف ، نتيجة لفلسفة العثمانيين فى الحكم حتى نهاية القرن الثامن عشر ، فقد قامت تلك الفلسفة

على أساس أن تتخفّف الدولة بقدر ما تستطيع من أعباء الإدارة المباشرة ، فتترك الرعية يدبّرون شئونهم

بأنفسهم ، فإذا احتاجوا مثلا إلى شئ من تعليم ، التمسوه عند بعض من يحسنونه ، وإذا استبدّ بهم داء ، التمسوا

له الدواء عند بعض العارفين ، وأمور الزراعية يدبرها أهل الفلاحة مع ملتزميهم ، وأمور الصناعة تجرى على

ما يرسم أهل الحرف فى طوائفهم ، والتعليم فى الأ.هر والمساجد يسير لما اعتاده العلماء والمجاورون من

الطلاب ، يجرى كل هذا دون أن تتدخل سلطنة الإدارة لترسم سياسة معينة لشئون الزراعة أو الصناعة أو التعليم

أو الصحة أو غير ذلك مما تنهض به الإدارة الحديثة ، فالإدارة العثمانية فى مصر كانت إدارة تقليدية تسعى

نحو تحصيل الضرائب ، والمحافظة على الأمن الداخلى . ومع نهايات القرن الثامن عشر ، وقبل مجيئ الحملة

الفرنسية كان المجتمع المصرى مجتمع صغير لا يتجاوز عدد سكانه أربعة ملايين نسمة وهو مجتمع زراعى يسوده

النظام الزراعى الإقطاعى وإن كان شكل هذا النظام يختلف عن النظم الإقطاعية التى عرفتها المجتمعات الأوروبية

فى العصور الوسطى ، وكانت الأراضى الزراعية مثقلة بالعديد من الضرائب والإتاوات . ولقد استمرت هذه

الأوضاع حتى جاءت الحملة الفرنسية على مصر ، فكانت بمثابة الصدمة التى أصابت المجمع المصرى ، وأظهرت

حقيقة تخلفه ، فكان عليه أن يواجه هذه الصدمة ، وتلك المؤثرات الغربية الحديثة بعيدا عن إطار هذه المؤسسات

والأبنية التقليدية فى مصر ، وهو ما فعله محمد على ، عندما قُدّر له بناء الدولة الحديثة ، اعتمادا على قدرات

مصر الذاتية .

ثالثا :

الاحتلال الفرنسى لمصر (1798 - 1801 )

كانت الحملة الفرنسية على مصر تمثل حلقة من حلقات الصراع والتنافس الاستعمارى بين إنجلترا وفرنسا للاستحواذ

على أكبر قدر من المستعمرات الخارجية ، والربط بين مصر والهند فى سياسة كل من إنجلترا وفرنسا ، فوفقا

للتقرير الذى قدمه "تاليران" وزير خارجية فرنسا وقتئذ ، إلى حكومة الإدارة " حكومة الثورة " فى السابع والعشرين

من يناير 1798 ، يتبين منه الجمع بين فكرتين ، فكرة غزو مصر ، وفكرة التدخل من هناك فى الهند ، وطرد

الإنجليز منها والقضاء على تجارتهم فى الشرق . ولم تكن فكرة إرسال حملة عسكرية إلى مصر وليدة الساعة ،

أو لظروف طارئة كانت تتعرض لها حكومة الثورة ، بل إن الفكرة كانت تعود إلى الوارء بعيدا ، وتحديدا فى

القرن الثالث عشر فى عهد لويس التاسع عندما بدأ التفكير فى غزو مصر فيما عُرف تاريخيا باسم الحملة الصليبية

السابعة فى عام 1249 ،والتى انتهت بهزيمة الجيش الفرنسى وأسر لويس التاسع ملك فرنسا فى دار ابن لقمان

بالمنصورة . وقد تجددت الفكرة مرة ثانية فى القرن السابع عشر ، حين أشار الفيلسوف الألمانى " ليبتنز"

(1646 - 1716 ) على الملك لويس الرابع عشر بغزو مصر فى عام 1672 ، للقضاء على مستعمرات

هولندا فى الشرق وإحكام قبضة فرنسا على حركة التجارة الهندية بدلا من هولندا ، إلا أنه عدل عن هذه الفكرة

إبقاءا على صداقة تركيا . وفى خلال القرن الثامن عشر عادت فكرة غزو مصر تدور بأذهان بعض رجال

الدولة فى فرنسا ، خاصة حين بدأ الضعف يدب فى جسم الدولة العثمنية وبرزت على السطح مشروعات لتقسيم

ممتلكاتها بين روسيا والنمسا ، مما ترتب عليه سعىّ فرنسا إلى الاشتراك فى الغنيمة على أن تكون مصر من بينها .

لتعويض فرنسا ما فقدته من مستعمرات خارجية فى كندا وأمريكا الشكالية وبالإضافة إلى فقدان ممتلكاتها فى الهند

الغربية وبعض المراكز التجارية على سواحل الملبار وبعض الجزر فى المحيط الهندى وكان أهمها بوربون وموريشيس.

وقد عادت الفكرة بعد الثورة الفرنسية عندما نجح نابليون فى إقناع حكومة الإدارة بغزو مصر ، باعتبارها

مفتاح الشرق للوصول إلى الهند ، وتعوض بالتالى ما فقدته فرنسا من مستعمرات فى أمريكا وغيرها . وقد وُجد

فى مذكراته التى كتبها وهو - نابليون - فى المنفى بجزيرة سانت هيلانة :" أنه كان يقصد من الحملة على

مصر إنشاء دولة شرقية كبيرة ، ثم يغزو بعد ذلك الهند .". غير أن الحملة الفرنسية التى استمرت لثلاث سنوات

وثلاثة شهور لم تنجح فى تحقيق أهدافها المعلنة ، إلا أنها تركت آثارا بعيداة المدى عميقة الأثر على المجتمع المصرى ،

لعل أهمها :

أولا : تحطيم نفوذ وقوة المماليك من خلال الضربات المتلاحقة التى وُجهت إليهم ، وبالتالى أظهرت عجزهم

وضعفهم أمام المصريين .

ثانيا : كذلك أدت الحملة إلى زيادة قوة ونفوذ المشايخ والعلماء ورجال الدين ، نتيجة مشاركتهم

فى المجالس

والدواوين التى أقامها الفرنسيون فى مصر ، مما ترتب عليه تغير نظرتهم للسلطة ولحقوق الحاكم

والمحكومين

كما كان لقيادتهم لثورتى القاهرة الأولى والثانية والتصدى للغزو الأجنبى وطره من البلاد ، باعتباره

أولا

وأخيرا جيش احتلال ، كان لذلك أكبر الأثر فى بروز ونموّ الوعى القومى ، وظهور الزعامة الشعبية ، والتى

سوف تلعب دورا هاما فى تولية محمد على حكم مصر بموافقتها وشروطها .

ثالثا :

كذلك لفتت الحملة الفرنسية أنظار

بريطانيا

وأوروبا الغربية إلى أهمية موقع مصر استراتيجيا واقتصاديا وتجاريا .

رابعا : مصر فى الفترة من ( 1801 - 1805 ).

حيث شهدت هذه الفترة تطورات داخلية وخارجية على جانب كبير من الأهمية ، حيث عُرفت هذه الفترة تاريخيا

بفترة " الفوضى السياسية " وامتدت منذ رحيل الحملة الفرنسية وحتى تولية محمد على الحكم وفقا للإدارة الشعبية

وبشروطها . وبرحيل الحملة الفرنسية عادت القوى المتصارعة إلى الظهور على مسرح الأحداث السياسية ، وكانت

تتمثل فى العثمانيين والمماليك والإنجليز ، وقد دار الصراع بين هذه القوى سواء بالتحالف مع قوى أخرى ، أو بمفردها

فى تحقيق أهدافها فى مصر والانفراد بمقدراتها مرة أخرى .بعد رحيل الحملة الفرنسية تطلّع الإنجليز إلى تثبيت

أقدامهم فى مصر بعدما تبين لهم أهمية موقعها للمصالح البريطانية فى الشرق ، وبالتالى سعت إنجلترا لتثبيت

اقدامها فى بعض الأماكن الاستراتيجية المهمة على شواطئ البحر المتوسط ، وقد تمثل ذلك فى حملة " فريزر " فى مارس 1807

، بالإضافة إلى البحر الأحمر للسيطرة على طريق التجارة القديم وعلى منطقة الخليج لاستكمال سيادتهم على

البحار وتأمين طرقهم التجارية المؤدية إلى الهند حفاظا على مصالحهم الاقتصادية هناك . وإلى جانب هذه

القوى الثلاث والتى لم يستطع إحداها الانفراد بالحكم ، كانت هناك قوة جديدة بدأت تشق طريقها نحو الظهور

بقيادة الزعامة الشعبية إلا وهى قوة الشعب المصرى ، والتى عبرت عن نفسها من خلال التصدى للاحتلال الفرنسى

والقيام بثورتى القاهرة الأولى والثانية ، هذا بالإضافة إلى الانتصار على الإنجليز فى حملة " فريزر" بالقرب من

رشيد . وقد لعبت الزعامة الشعبية ممثّلة فى المشايخ والعلماء دورا مهما فى توجيه وقيادة الحركة الوطنية

وإثارة الشعب والتأثير عليه وبث الروح الوطنية فى مواجهة الغزو الأجنبى وطرده من البلاد ، وقد ارتبطت

الحركة الوطنية ارتباطا وثيقا بالإسلام ، واستندت عليه كدعامة أساسية لمصريتها وعروبتها . واستطاعت

الزعامة الشعبية الضغط على الدولة العثمانية وحملها على الرضوخ بالموافقة على تولية محمد على حكم

مصر بشروطها .


خامسا : فترة حكم محمد على ( 1805 - 1849 )

وُلد محمد على فى بلدة قولة ، أحد الثغور الواقعة على بحر إيجة التابعة لليونان ، من أسرة ألبانية فى عام 1769 ،

وامتهن حرفة التجارة ، كما تعلم فنون الفروسية واستعمال السلاح ، وقد جاء محمد على إلى مصر على راس

فرقة ألبانية أرسلها السلطان العثمانى فى عام 1799 للمساعدة فى إخراج الفرنسيين من مصر ، وكان وقتئذ

شابا فى الثلاثين من عمره ، ولم تكن مواهبه الفذة قد تكشفت بعد ، وبالرغم من هزيمة الفرنسيين للألبان دون مشقة

تذكر ، إلا أنها أتاحت لمحمد على الفرصة لتسلم قيادة الفرقة ، وبعد فترة وجيزة من جلاء الحملة ، وجد محمد

على نفسه على رأس جيش صغير ، وفى منصب يتيح له الحكم والنفوذ ، فانتهز الفرصة واستغلها لفائدته للانفراد

بحكم مصر متحيّنا الفرصة التى واتته فى مايو 1805 عندما ساقته الأقدار ليكون حاكما على مصر بموافقة وتأييد

من الزعامة الشعبية . ولكن ، كيف تمكن محمد على من الانفراد تماما بحكم مصر دون منافس . لقد استغل

محمد على حالة الضعف والانهيار التى أصابت المماليك كنتيجة للضربات المتلاحقة التى تعرضوا لها من قبل

الفرنسيين ، بالإضافة إلى التفكك والتشتت الذى أصابهم نتيجة لعودة الصراع والتنافس بين البيوت المملوكية .

كذلك استثمر محمد على عودة الصراع بين الجند الاناؤود والانكشارية والدلاة حول الاستئثار بمزيد من المغنم

والمكاسب المادية ، ولم يحاول محمد على أن يرتبط بأى من القوى المتنازعة ، إلا أنه اتجه مؤقتا إلى التقرب

من الزعامة الوطنية ممثلة فى المشايخ والعلماء ، حتى إذا واتته الفرصة تخلّص من هؤلاء جميعا . وقد بدأت

سياسة محمد على لتصفية المعارضة بمحاولة تطويع العناصر المناوئة له من الجند والقضاء على ما يثيرونه

من فتن واضطرابات داخلية ، وقيامهم بعمليات السلب والنهب بدعوى عدم حصولهم على رواتبهم متأخرة ، وقد

تم القضاء على هذه العناصر باستمالة قادتهم وبعض صغار الضباط والجند بدفع مرتباتهم المتأخرة ، ثم واتته

الفرصة للتخلص منهم نهائيا عن طريق إرسالهم إلى ميادين القتال الخارجية فى الحجاز والجزيرة العربية عندما

طلب السلطان منه إعداد حملة عسكرية للقضاء على الدعوة الوهابية واستخلاص الحرمين الشريفين منهم بعد

أن فشل ولاة الشام وبغداد فى ذلك ، وقد استغرقت حروب محمد على ضد الوهابيين سبع سنوات ، انتهت بهزيمتهم

ودخول جيوش إبراهيم باشا - ابن محمد على - الدرعية والقبض على ابن سعود حيث أرسل إلى الآستانة ، وتم

إعدامه هناك . بعد ذلك اتجه محمد على للقضاء على الزعامة الشعبية ممثلة فى المشايخ والعلماء ، حيث كانت

هناك عوامل سهلت على محمد على مهمة القضاء على الزعامة الشعبية ، وبالتالى تصفية المعارضة الوطنية

والانفراد بالحكم دون تدخل من جانبهم ، لعلّ اهمها انتصاره على الإنجليز فى حملة " فريزر" ، وقضائه على

فتن الجند ، ورضاء الباب العالى عليه بعد طرده الإنجليز وإضعاف نفوذ المماليك ، كل هذه العوامل جعلت الشعب

المصرى يشعر بأن لمصر سيد واحد هو محمد على ، ولم يعد يدور بخلد أحدهم الثورة ضده . أما الزعامة الشعبية

ممثّلة فى المشايخ والعلماء ، فقد كانت تحمل بين طياتها عوامل تفككها وضعفها ، نتيجة للصراع والتنافس

بينهم ، ودبت بذور الشقاق حول الاستئثار بالنفوذ والسعى نحو تنمية وزيادة مواردهم واكتناز الثروات والتنعم

فى حياتهم الخاصة ، وبالتالى انشغالهم فى أمور الدنيا وانصرافهم عن شئون الدين ومصالح المجتمع ، وبدأ

الشعب ينفض من حولهم ، نظرا لانعدام المساواة بينه وبين المشايخ ورجال الدين ، فليس من العدل أن يتحمّل

المجتمع المصرى الأعباء المالية الثقيلة التى فٌرضت عليه من أجل مصلحة النظام الجديد ، بينما يستكثر

المشايخ من شراء الأراضى والعقارات وما إلى ذلك . وقد استغل محمد على الانقسامات التى حدثت بين المشايخ

والعلماء حول الاستئثار بالنفوذ والمغانم ومنها نقابة الأشراف ، خاصة بعد نفىّ السيد عمر مكرم خارج القاهرة ،

استغل محمد على هذه الانقسامات والصراع فيما بينهم لمصلحته الخاصة حتى تمكّن من القضاء نهائيا على الزعامة

الشعبية بنفىّ عمر مكرم للمرة الثانية خارج البلاد . وأخيرا ، تمكّن محمد على من القضاء على المماليك تماما

بتلك التصفية الجسدية التى حدثت فى مذبحة القلعة الشهيرة (مارس 1811 ) ، ومما لا شك فيه أن مذبحة

القلعة كانت تمثل وصمة عار على جبين النظام القائم ،لأنها قضت - من الناحية الأخلاقية - على أية نزعة

ديموقراطية أو إمكانية الوقوف ضد الحاكم ، بعد أن فقد الشعب مكونات الشجاعة الأدبية والروح الديموقراطية

والتى تمثل ركنا مهما لمكونات الشخصية الوطنية ، ودعامة أساسية لتقدم الأمة وازدهارها .

إذ هى

العناصر الثلاثة ( الجند - المماليك - الزعامة الشعبية ) ، وقد عمل محمد على ، على تصفيتها جميعا .

على أية حال ، فإنه بالقضاء على تلك العناصر المناوئة وتصفية المعارضة الوطنية ، أصبح محمد على مطلق

التصرف فى إدارة شئون البلاد التى أرادها ببعد نظره ، وطموحه فى مستوى الأهداف التى كان يسعى لتحقيقها .

ليضع أسس نظام حكم جديد ، حيث شملت نهضة بحق على أرض مصر فى كل الميادين ، فكانت هناك إصلاحات

داخلية تتناول الاقتصاد الريفى التقليدى عن طريق تحسين التربة الزراعية ، والعمل على إنتاج محاصيل جديدة

تعطى لمصر وضعا مميزا بين الأسواق العالمية ، إلى جانب إدخال الصناعة الحديثة والاهتمام بالتجارة الداخلية والخارجية

هذا بالإضافة إلى تحقيق الأمن الداخلى من خلال لوائح وقوانين عادلة ، وجهاز شرطة يقظ وشديد القسوة أحيانا .

ويمكن أن نُجمل العناصر أو المجالات التى طالها مشروع محمد على فى :

أولا : الإصلاح الاقتصادى .

ثانيا : نظام الحكم والإدارة .

ثالثا : الجيش المصرى .

رابعا : التعليم والنهضة الثقافية .

خامسا : السياسة الخارجية والداخلية .

ويمكن لمن يريد قراءة المزيد عن هذه الإصلاحات الرجوع إلى الكتاب ، ولكننا سنقفز سريعا إلى التقاط سمات

هذه السياسة الداخلية والخارجية نتيجة انعدام الديموقراطية إلى : ليس فحسب تسهيل التدخل الأجنبى فى شئون مصر

ولكن أيضا إلى انهيار المشروع النهضوى العظيم الذى اشاعه محمد على ، والذى كان يمكن أن يستمر لو كانت

هناك ديموقراطية حقيقية ، ومعارضة وطنية مخلصة . ويمكننا أن نلمح منذ الآن ورجاء التركيز على تشابه

الأهداف العليا لمشروع محمد على النهضوى ، والأهداف العليا لثورة 23 يوليو 1952 من حيث العدالة الاجتماعية

بناء جيش وطنى مخلص الخ ، حيث انهار المشروعان لنفس السبب ، الديكاتورية ، والاعتقاد فى مفهوم " المستبد العادل "

حيث إنه بمزيد من تقدمنا فى التاريخ ، وخاصة فى الحديث عن محمد على ، أن الديكتاتورية هى السبب المباشر

فى انهيار النظم النهضوية والتقدمية والتنموية فى مصر ، فلنتابع إذا.

أدى ظهور محمد على ، على المسرح السياسى فى مصر إلى نشوء نوع من التحالف بين القوة المصرية

الجديدة ممثلة فى المشايخ والعلماء ، وبين محمد على ، هو أشبه ما يكون بالتحالف الذى نشأ فى فرنسا

فى القرن السابع عشر بين لويس الرابع عشر والطبقة الوسطى الفرنسية ، وقد استطاع محمد على هدم دعائم

نظام الحكم الإقطاعى القديم الذى كان قائما فى مصر وقتئذ بكل مكوناته السياسية والاقتصادية ، وأقام بدلا

منه حكومة مركزية قوية مسيطرة اختصمت بشئون الحكم والإدارة والاقتصاد والتعليم والجيش والتجارة

الأمر الذى ترتب عليه وضع اللبنات الأولى والدعائم الأساسية لتكوين الدولة الحديثة . وبالرغم من تلك الإيجابيات

التى شهدتها المرحلة ، إلا أن حكم محمد على قام على أساس الاستبداد المطلق ، لأن السلطة والكلمة الأخيرة كانت له .

كما كان الباشا يختار أعضاء حكومته ومجالسه بنفسه ، دون النظر بعين الاعتبار إلى آراء الزعامة الشعبية التى كان

لها الفضل الأكبر فى وصوله إلى الحكم . غير أن طموح محمد على السياسى وطابعه الأوتوقراطى ، بالإضافة

إلى أن الحكم الاستبدادى المطلق كان من سمات وطابع العصر فى المشرق العربى ، مما ترتب عليه غلبة الحكم

الاستبدادى المطلق . وكان قضاء محمد على على الطبقة الوسطى المصرية الناشئة ، والتى كانت من الممكن

أن تحتل مكانها السياسى والاقتصادى وتواجه فى ذات الوقت التسلل والتغلغل الأوروبى فى المنطقة منذ بدايات

القرن التاسع عشر . لذلك لم يكن غريبا ، والحال كذلك ، أن يجد محمد على نفسه وحيدا أمام القوى الاستعمارية

الأوروبية عندما فرضت عليه التسوية الدولية فى لندن . لم يجد محمد على تلك القوة والزعامة الشعبية

التى كانت بإمكانها مقاومة الغزو الاستعمارى الأوروبى كما حدث إبان الغزو الفرنسى لمصر ، وكذلك الغزو

الإنجليزى لمصر " حملة فريزر مارس 1807 " ، وبهذا يتحمل محمد على - مع عدم إغفالنا لعوامل

دولية

أخرى - مع مجموعة الأتراك والشراكسة والألبان مسئولية الإجهاز والقضاء على تلك القوة الشعبية الوليدة

والتى كان بإمكانها التصدى للاستعمار الأوروبى الذى بدأ يغزو مصر عقب توقيع معاهدة لندن الدولية بين

محمد على وأوروبا ( 1840 - 1841 ). وقد اتخذ التغلغل الأوروبى لمصر أشكالا وصورا عديدة بعد أن

تم القضاء على الطبقة الوسطى فى مصر ، منها المشروعات الاستراتيجية ( قناة السويس ، والسكك الحديدية ) ،

ومنها الاستثمارات الأجنبية والقروض وما إلى ذلك . فلو أبقى محمد على سياسيا واقتصاديا على الطبقة

الوسطى الوليدة والتى ساعدته على الوصول إلى الحكم ، وساهمت معه فى ضرب إقطاع القرن الثامن عشر

، لاستطاع حكام مصر منذ حكم محمد على إلى توفيق الاعتماد على هذه القوة الشعبية بدلا من الولاء للدول

الأجنبية والارتماء فى أحضانها ، مما ترتب عليه فى نهاية الأمر وقوع مصر بين براثن الاحتلال البريطانى

الإنجليزى عام 1882 . ومحمد على فى بنائه لدولته الحديثة كانت تحرّكه النوازع الإمبريالية ، فكان كل إصلاح

يقوم به سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية ، يخدم مشروع الدولة الحديثة من ناحية ، وبناء

إمبراطورية فى المشرق العربى وإفريقيا من ناحية أخرى ، ودليلنا على ذلك أنه عندما تصدت الدول الأوروبية

الكبرى له ، تلاشت هذه الإصلاحات وعادت مصر مرة أخرى إلى الوراء بعد تدهور جيشها واقتصادها ، لأن

كل هذه الإصلاحات كانت مرتبطة بمشروعه السياسى وبحملاته العسكرية التوسعية ، بالإضافة إلى أنها قامت

على استعباد الشعب واستغلاله . أما فيما يتعلق بمشروعات التنمية ، فقد تغيّرت الأحوال عقب معاهدة لندن (1840 - 1841 ) ،

والتى كان من أهم نتائجها : انهيار نظام الاحتكار الذى أقامه محمد على ، وفتح الباب على مصراعية أمام

الاستثمارات الأجنبية التى تدفقت على مصر ، وتخفيض أعداد الجيش ( 18 ألف جندى ) ، وهكذا بات واضحا

انهيار تجربة التنمية الذاتية فى عهد محمد على ، مما أدى إلى إغلاق العديد من المصانع ، وإعادة تنظيم المدارس

وفقا للظروف الراهنة بعدما غاب دور الدولة كموجّه للنشاط الاقتصادى .

سادسا : فترات حكم عباس حلمى الأول ، محمد سعيد باشا ، الخديوى إسماعيل : رجاء الرجوع لمطالعتها بالكتاب .

سابعا : التغلغل الأجنبى فى مصر

فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر

حيث شهد النصف الثانى من القرن التاسع عشر سعيا حثيثا من قبل الدول الأوروبية الاستعمارية لنصب شباكها

حول مصر ، وقد ظهر ذلك بوضوح عقب إبرام معاهدة لندن 1840 - 1841 ، والتى بموجبها فرضت الظروف

الموضوعية لانهيار خطط التنمية الاقتصادية ، حيث حُدد حجم الجيش المصرى ب18 ألف جندى ، وألزمت

مصر باتفاقية مالطة - ليمان ، التى عقدت بين إنجلترا والدولة العثمانية ، عام 1838 ، والتى كانت تقضى بإلغاء

نظام الاحتكار الذى كان يتيح للدولة السيطرة على الاقتصاد والإمساك بزمام قيادته ، مما ترتب عليه فتح الباب

على مصراعيه أمام السلع والمنتجات الأوروبية كى تتدفق إلى الأسواق المصرية .

ثامنا : الأزمة المالية ، وبداية التدخل الأجنبى فى مصر

فى الوقت الذى كان إسماعيل يبذل قصارى جهده من أجل التخلص من النفوذ والسيادة التركية ، نجده على الجانب

الآخر يعجز عن مواجهة التدخل الأجنبى المالى والسياسى ، بل يفتح الباب أمام هذا التدخل ، مما ترتب عليه

تصدع بناء الاستقلال الاقتصادى والسياسى الذى أحرزته مصر فى عصر محمد على ، واستفحلت ديون مصر

الخارجية . كما كان الخديوى يتصرف فى شئون البلاد كما يريد . ويجرنا هذا إلى الحديث عن الدين ، وكيف

ينشأ ، حيث تنشأ الديون عادة وقت الحاجة إلى الحصول على مبالغ مالية كبيرة من النقود ، ويحدث هذا

إذا ما زادت المصروفات أو قلّت الإيرادات عما كانت عليه فى السابق ، وقد تضطر الحكومة للاستدانة نظرا

لنشوء ظروف طارئه كالاستعداد لحرب وشيكة الوقوع من أجل الدفاع عن أمن وسلامة واستقلال البلاد ، كما

تقوم الحكومة كذلك بعقد القروض لاستكمال الخدمات العامة كالصحة والتعليم والرى ، وغيره من الخدمات .

تاسعا : الامتيازات الأجنبية فى مصر

وهى تسهيلات منحتها الدولة العثمانية لرعايا الدول الأجنبية لتشجيعهم على الإقامة واستثمار أموالهم فى ولايات

الدولة ، كإعفائهم من الرسوم الجمركية ، ومنحهم حق الرجوع فى منازعاتهم إلى قناصلهم . ولما كانت مصر

تابعة للدولة العثمانية حتى ذلك الوقت ، فقد طبقت عليها نظام الامتيازات الأجنبية . وقد تزايد نزوج الأجانب

إلى مصر ، فأصبحت هذه الامتيازات حقوقا مكتسبة للأجانب ، وازداد نفوذهم ، وأصبحت محاكمهم تتدخل

بشكل سافر فى شئون مصر ، وتطبيق القوانين الأجنبية على المصريين وحتى على الخديوى نفسه .

عاشرا : المحاكم المختلطة فى مصر

افتتحت المحاكم المختلطة فى فبراير 1876 ، وعلى الرغم من جهودها فى سبيل تحقيق الإصلاح القضائى المنشود

فقد كانت تفتقر إلى حد كبير إلى نظام الإصلاح الشامل الذى كان " نوبار " باشا قد رسم خطوطه العامة سنة 1867

فقد ظلت الحكومة المصرية لا تملك السلطة القضائية على الأجانب فى المسائل الجنائية ، كما استمرت أيضا

أحوال الفوضى التى نشأت نتيجة وجودة عدة سلطات قضائية متنازعة بين الأجانب مختلفى الجنسيات . وبلغ

التدخل الأجنبى ذروته فى نهايات عصر الخديوى إسماعيل ، حيث تغلغل فى شئون البلاد الداخلية ، ومرافقها

الحيوية ، وحرمان المواطنين من العمل فى الوظائف الهامة ، وإسنادها للأجانب ، بالإضافة إلى ازدهار الحركة

الفكرية ، وظهور مفكرى الإصلاح بزعامة " جمال الدين الأفغانى " الذى يرجع إليه الفضل هو وتلاميذه

فى توجيه العناصر الثورية إلى العمل بالصحافة واتخاذها منبرا لنشر الأفكار الثورية الوطنية ، وصولا للتأثير

على السياسة العامة فى مصر - وبالمناسبة فإن جمال الدين الأفغانى هو صاحب العبارة الشهيرة " مصر للمصريين " " صاحبة المدونة _

وتنديدها بالتغلغل الأجنبى ، هذا إلى جانب سوء نظام الحكم القائم على الاستبداد والتفرقة بين الأجانب والمتمصرين " الأتراك " ،

وبين المصريين ، فكان ذلك يمثل المقدمات التى أدت إلى اندلاع الثورة العرابية ( سبتمبر 1881).


الثورة العرابية

الحادى عشر : الثورة العرابية سبتمبر 1881

وثمة أسباب أخرى اقتصادية وسياسية أدت بدورها إلى اندلاع الثورة ، فكان لاستفحال مشكلة الديون التى اقترضها

الخديوى إسماعيل ، وتخصيص نصف موارد الدولة من الميزانية لسدادها بفوائدها المرتفعة ، أثرها فى تذمر

فئات عديدة داخل المجتمع الذى وقع عليه عبء سداد تلك القروض ، هذا بالإضافة إلى زيادة الضرائب ، واضطهاد

رياض باشا الذى تولى رئاسة الوزارة خلفا لمحمد شريف باشا ، للعناصر الوطنية ، وحكم البلاد خلالها حكما

مطلقا استبداديا ، علا فيه مد النفوذ والتسلط الأجنبى بشكل واضح ، إلى جانب وجود الرقابة الثنائية الأجنبية

( إنجليزى - فرنسى ) للإيرادات والمصروفات وإلغاء نظام العمل بالمقابلة ، فكان ذلك أثره فى التلاحم بين

الجناح المدنى ممثلا فى كبار الملاك والأعيان والفلاحين ، وبين الجناح العسكرى بزعامة أحمد عرابى ، ورفقائه

بعد أن قاموا بتأليف الحزب الوطنى القديم ونشروا برنامجهم فى 4 نوفمبر 1879 ، وكان مركزه مدينة حلوان

لذا أطلق عليه البعض " جميعة حلوان ". وكان من الطبيعى أن تتحد كل من إنجلترا وفرنسا لتصفية الثورة

العرابية ، فأرسلت المذكرة المشتركة الأولى فى 7 يناير 1882 وفيها تعهدت الدولتان بتأييد الخديوى توفيق

على موقفه المعارض للحركة الوطنية ، كما تضمنت المذكرة دعوة صريحة لحل مجلس النواب . وإزاء ذلك

أسرع العسكريون إلى تولى زمام الموقف ، فتولى محمود سامى البارودى رئاسة الوزارة ، وعيّن عرابى

وزيرا للحربية ، وأصدرت الوزارة الجديدة اللائجة الأساسية متضمنة المسئولية الوزارية أمام مجلس النواب .

على كل حال ، انتهت الثورة العرابية بتصفيتها والقضاء عليها سريعا ، ويرجع ذلك لأسباب عديدة لعل أهمها :

أولا : عدم تماسك الجبهة الداخلية وعدم استطاعة " عرابى " تعبئة القوى الشعبية وتسليحها وجعلها قوة

ضاربة فى مواجهة الإنجليز.

ثانيا : الخلاف الذى وقع بين العسكريين والمدنيين ، فلم يكن من الممكن لهؤلاء المدنيين وهم يمثلون " كبار الملاك "

وأعيان الريف المصرى ، لم يكن لهؤلاء القدرة على الاستمرار فى تأييد الحركة العرابية فى صدامها مع

الإنجليز ، وخاصة أن هؤلاء - الأعيان - كانوا يمثلون المصالح الزراعية الواسعة ، وبالتالى لم يكن لديهم

الاستعداد على الاستمرار فى مسايرة مطالب الجيش الذى كان يقوم على الفلاحين ، وكان قادتهم - الفلاحين - وكلهم من أصل متواضع ،

أكثر تطرفا مما كان يتوقعه الأعيان ، ومن ثم فقد انزعج هؤلاء الأعيان من العسكريين الذين كانوا يتمتعون

بتأييد الفلاحين ، لذا ، فقد آثر هؤلاء الأعيان الانضمام إلى معسكر الخديوى والإنجليز . وقد تمت تصفية الثورة

العرابية بعد القبض على زعمائها والزج بالعناصر الوطنية فى السجون والمعتقلات ، ودخلت مصر مرحلة جديدة

وهى مرحلة الاحتلال البريطانى الذى استمر لأكثر من نصف قرن ( 1882 - 1954 ) .



الزعيم مصطفى كامل

الثانى عشر : الاحتلال البريطانى لمصر ( 1882 - 1954 )

بعد أن تم لإنجلترا الانفراد بمصر عقب معركة التل الكبير 14 سبتمبر 1882 ، حماية لمصالحها الاستراتيجية

والاقتصادية فى الشرق ، بدأ الاحتلال البريطانى لمصر والذى استمر أكثر من سبعين عاما ، على الرغم من

الوعود والتصريحات المتكرّرة من جانب المسئولين البريطانيين بالجلاء عن مصر بمجرد استتباب الأوضاع

الداخلية فى البلاد ، وتدعيم سلطة الخديوى ، والاطمئنان إلى مصالح الدول الأوروربية بعد أن تم القضاء على

الثورة الوطنية التى كانت موجّهة ضد التدخل والسيطرة والاستغلال الأجنبى . على أن فشل المفاوضات التى دارت

بين إنجلترا والدولة العثمانية صاحبة السيادة الشرعية ، بشأن جلاء القوات البريطانية عن مصر يوليو 1887

جعل انجلترا تخطط للبقاء بمصر فى وقت اشتد فيه التنافس والصراع بين الدول الأوروبية فى إفريقيا وحتى

تضمن انجلترا سلامة مواصلاتها إلى الهند.


الثالث عشر : التجربة الحزبية فى مصر الحديثة :

مصطفى كامل - محمد فريد - أحمد لطفى السيد - الشيخ على يوسف

محمد فريد

تتحدد مفاهيم وخصائص الأحزاب السياسية كما هو معروف من منطلقات مختلفة ، منها الأسس النظرية أو المبادئ

والأيديولوجيات العامة التى تميز هذا الحزب أو ذاك ، و منها قدرتها على التنظيم وبنيتها الخاصة ، ومنها كذلك

البنية الاجتماعية أو الطبقات الاجتماعية أو حتى قطاعات منها باعتبار الأحزاب تعبيرا سياسيا عنها . وقد شهدت

مصر قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى تجربة حزبية على جانب كبير من الأهمية ، ففيما بين عامة 1907 ، 1914

قامت بمصر العديد من الأحزاب السياسية المتنوعة ، ولكن أهم هذه الأحزاب كانت ثلاثة ، وفقا لمدى جماهيرية

تلك الأحزاب وتكوينها الاجتماعى والاقتصادى .

أولا : الحزب الوطنى "مصطفى كامل ، محمد فريد "

وكان يتكون من الطبقة الوسطى والمثقفين وأصحاب المهن الحرة . وقد كانت مبادئ وأفكار الحزب الوطنى

تقوم على قاعدة بسيطة للغاية وهو أن لمصر عدو واحد يتمثل فى الاحتلال البريطانى وبالتالى فإن الهدف الأساسى

لمصر هو التخلص نهائيا من ذلك الاحتلال الجاثم على صدرها ، أما ما عدا ذلك من قضايا هامة كقضية التعليم

والتنمية والحياة النيابية وغيرها فيجئ فى المرتبة الثانية بعد أن تتمكن الحركة الوطنية المصرية من التخلص

من الاحتلال البريطانى للبلاد . وكان على الحزب الوطنى أن يستند إلى بعض القوى الخارجية ، وعلى المعاهدات

الدولية لتحقيق هدفه الرئيسى ، فقد كانت مصر لا تزال تابعة للدولة العثمانية من الناحية الدولية والشرعية

وفقا لمعاهدة لندن 1841 ، وبالتالى فقد وُجد فى مصر نوعان من المنطق السياسى ،احتلال فعلى من قبل

السلطات البريطانية ، وتبعية شرعية دولية للدولة العثمانية ، مما أحدث خلافا بين السلطتين ، الأمر الذى

جعل مصطفى كامل وتيار الحزب الوطنى يركزان على هذا الخلاف ، مما جعل خصوم الحزب الوطنى يوجهون

إليه الاتهامات ويصفونه بالعمالة للدولة العثمانية . وقد كان للحزب صحيفة تعبر عن اتجاهاته وآرائه ، عُرفت

بصحيفة " اللواء" وكانت تصدر بالعربية والإنجليزية . كذلك اعتمد مصطفى كامل والحزب الوطنى على قوة
دولية أخرى لمناوئة قوات الاحتلال البريطانى ، وهى فرنسا ، فبعد تحقيق الوحدة الألمانية ، رأى بسمارك مستشار

الرايخ الألمانى أن مصلحة ألمانيا أن توجّه فرنسا وتدفعها غلى المجال الاستعمارى الخارجى حتى لا تناوئ الوحدة

الألمانية وتطلعاتها داخل أوروبا . ومن ثم فقد أيدت ألمانيا السياسة التوسعية الاستعمارية الفرنسية الخارجية .

وقد عارضت فرنسا الاحتلال البريطانى لمصر ، مما أدى إلى انتهاز مصطفى كامل والحزب الوطنى هذا الصراع

القائم بينهما لمصلحة الحركة الوطنية المصرية ولتحقيق الهدف المنشود وهو جلاء الاحتلال البريطانى ، ولكن

سياسة هذه السياسة ذهبت أدراج الرياح حين تم إبرام الوفاق الودى عام 1904 بين إنجلترا وفرنسا ، والذى نص

على عدم معارضة فرنسا الاحتلال البريطانى فى مصر مقابل عدم معارضة إنجلترا لسياسة فرنسا الرامية إلى

احتلال المغرب . وقد كان على مصطفى كامل والحزب أو يعتمد على الجهود الذاتية لطرد الاحتلال البريطانى

بعد أن فشلت سياسة الاعتماد على القوى الخارجية أو المتناقضات الدولية ، فقام الحزب بتجنيد الطلبة لخدمة

مبادئ الحزب والقيام بسلسلة من الإضرابات بالإضافة إلى إنشاء المدارس الليلية لتعليم العمال ، على أن

تكون مرتبطة أيضا بمبادئ الحزب ، كذلك بدأ الحزب الوطنى يدخل فى معركة المطالبة بالدستور والحياة

النيابية ، وقد ترتب على ذلك اصطدام الحزب بالسلطة الحاكمة فى مصر ممثلة فى سلطات الاحتلال ، والخديوى

عباس حلمى الثانى ، وقد استمر نشاط الحزب بين الجماهير حتى قيام سلطات الاحتلال بإعلان الحماية على

مصر 1914 ، عقب دخول تركيا الحرب العالمية الأولى بجانب ألمانيا ضد إنجلترا وحلفائها ، مما أدى إلى

تجميد الأوضاع الداخلية فى مصر ، ومطاردة قادة الحركة الوطنية .

ثانيا : حزب الأمة وفيلسوفه أحمد لطفى السيد :

وكان تركيبه الاجتماعى يتكون من كبار ملاك الأراضى الزراعية ، ويرتبط هذا الحزب باسم فيلسوفه أحمد لطفى السيد

ذلك المثقف المصرى الليبرالى النزعة المأخوذة من أوروبا فى القرن التاسع عشر . ورأى لطفى السيد أن تقوم

الشركة التى تصدرصحيفة " الجريدة " الخاصة بالحزب برأسمال يُكتتب فيه فقط أعيان البلاد وأصحاب المصالح

الحقيقية ، أولئك الذين وصفهم " كرومر " فى تصريحاته العديدة بأنهم مستسلمون للاحتلال البريطانى ، وأنهم

راضون به ". وقد كان الغرض من تسميته بحزب الأمة إيذانا باستقلال هذا الحزب عن كل جهة فى آرائه وأفكاره

ويعلن أن الهدف من تأسيسه هو تكوين شخصية للأمة تستعين بها من أجل الوصول إلى مطالبها من الرقى فى سبيل

المدنية والاستقلال . وكان لطفى السيد يقول دائما فى " الجريدة " لسان حال حزب الأمة أن فى مصر سلطتان

سلطة شرعية هى سلطة الخديو ، وسلطة فعلية ممثلة فى الإنجليز ، ثم ينادى بإيجاد سلطة ثالثة هى سلطة الأمة ،

لكى توازن بين السلطة الفعلية والسلطة الشرعية ، ولكن ما هى السلطة الثالثة التى أرادها أحمد لطفى السيد فى

العديد من المقالات التى نشرها ب" الجريدة " ، لكى يضع تعريفا لمفهوم الأمة ، حتى اهتدى تفكيره فى أن يصل

إلى تعريف كان سائدا فى أوروبا خلال القرن التاسع عشر حول مفهوم الأمة ، وهو أن الأمة يجب أن تمثل بأولئك

الذين يملكون ويدفعون الضرائب ، أى الذين يقدمون من أموالهم ميزانية الدولة ، هؤلاء هم الممثلون الحقيقيون

للأمة .ولما كانت مصر دولة زراعية ، لذلك ، فقد رأى لطفى السيد أن الأرستقراطية الزراعية وكبار ملاك

الأراضى الزراعية فى مصر ، هم الممثلون الطبيعيون للأمة المصرية ، وبالتالى يجب أن يتكون من هؤلاء

السلطة الثالثة الموازية للسلطتين السابق الإشارة إليهما " سلطة الخديوى ، سلطة الاحتلال" . وقد انفرد

هذا الحزب بالدعوة ضد التبعية للدولة العثمانية بالرغم مما قيل بأن هذه الدعوة كانت تخدم فى الأساس السياسة

البريطانية ، فلم يؤمن حزب الأمة بالجامعة العثمانية أو الجامعة الإسلامية ، بل كان يريد الجامعة المصرية .

وقد اتجه حزب الأمة نحو مهادنة الاحتلال البريطانى فى مصر أو التسليم بسياسة الأمر الواقع ومحاولة تكوين

الأمة المصرية تكوينا جديدا يسمح لها بمقاطعة الاحتلال أى أن ما كان يضعه حزب الأمة كهدف بعيد فى استراتيجيته

هوالتخلص من الاحتلال وكان يضع الحزب الوطنى هذا الهدف بشكل مباشر ، فقد رأى لطفى السيد أنه يجب

الاهتمام أولا بانتشار التعليم فى مصر حتى تتسع دائرة المثقفين المصريين ، كما يجب الاهتمام بتحرير المرأة

لكى تتسع دائرة اشتراكها فى الحياة العامة ، وبالتالى تتسع الحلقة المصرية الوطنية ، وأخيرا ، فقد رأى ضرورة

إيجاد الدستور والحياة النيابية لكى يمارس الشعب المصرى حقوقه الديموقراطية فى التعبير عن آرائه ، ويرى

لطفى السيد أن كل ذلك لابد أن يحدث قبل رفع الشعار الذى كان ينادى به الحزب الوطنى ، وهو التخلص من

الاحتلال البريطانى . وبهذا الأسلوب الذى انتهجه حزب الأمة ، يبدو واضحا أن ثمة اختلافا جذريا بينه وبين

مبادئ الحزب الوطنى .

ثالثا : حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية " الشيخ على يوسف " .

وقد جاء تكوين حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية متفقا تماما مع طبيعته ، فقد تألّف من أعيان البلاد وكبرائها

والمعروفين أنهم كانوا من رجال الخديوى أو من " ثراة البلاد " ، ومن مفكريها ، كما ذكروا ذلك فى برنامجهم

الذى نُشر فى جريدتهم " المؤيد " فى ديسمبر 1907 . وقد أشار برنامج الحزب أن الغرض من تأسيسه هو

تكوين رأى عام بين المصريين مبنى على المبادئ التى تدعو إلى تأييد سلطة الخديوى فيما منحتها الفرمانات

السلطانية من قبل الدولة العثمانية لاستقلال مصر الإدارى ، والاعتماد على الوعود والتصريحات التى أعلنتها

بريطانيا عند احتلالها مصر ومطالبتها بتحقيقها والوفاء بها ، بالإضافة إلى المطالبة بإنشاء مجلس نيابى

مصرى يتمتع بصلاحيات تامة ، وأن يكون التعليم الابتدائى عاما ومجانا ، وأن تكون اللغة العربية هى لغة

التعليم فى جميع المدارس المصرية ، وأن تُعطى الوظائف فى المصالح المصرية للوطنيين وفقا للكفاءة ،

مع التقليل من عدد الأجانب بقدر الإمكان حتى يتأتى للمصريين أن يحكموا أنفسهم . كذلك أشار برنامج الحزب

إلى عدم خلط الدين بالسياسة من أجل الترويج لها ، على أن يكون له الحق فى إبداء رأيه فى أعمال المصالح الدينية

ونقد ما يؤدى إلى إصلاح إدارتها كعمل ضرورى للبيئة الاجتماعية ، فكان هذا بمثابة غمز واضح للحزب الوطنى

المنافس له ، والذى كان صاحب رسالة " وطنية إسلامية " حتى أن صحيفته " اللواء " وُجهت لها الاتهامات

بالتعصب الدينى .

ومما هو جدير بالملاحظة أن حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية قد انفرد عن غيره من الأحزاب السابقة

الأخرى فى أن تأسيسه جاء بإيعاز من الخديوى عباس حملى الثانى وبدعمه المادى والمعنوى ، بهدف مناوئة

الحزب الوطنى ، وقد كان الدور الأساسى لهذا الحزب هو الدفاع عن وجهة نظر الخديوى ومواقفه مهما تناقضت

هذه المواقف أو تبدلت ، لذا فقد اتهم هذا الحزب من جانب خصومه بأنه كان عميلا للخديوية ، أى أنه كان

ينطق باسم الخديوى فى اتجاهاتها ومواقفها سواء من الاحتلال الإنجليزى أو من جانب الحركة الوطنية المصرية

ممثلة فى الحزب الوطنى .

الرابع عشر : الحركة الوطنية فى مواجهة الاحتلال

رجاء مراجعتها فى الكتاب .

سعد زغلول يخطب فى جماهير ثورة 1919
موسوعة الهلال الاشتراكية


الخامس عشر : ثورة 1919


عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى 1914 ، انضمت الدولة العثمانية إلى جانب دول الوسط " ألمانيا وحلفائها "


وبالتالى أصبحت الدولة العثمانية وسائر الولايات التابعة لها فى حالة حرب ضد إنجلترا ، مما أدى إلى تحرّج


موقف سلطات الاحتلال فى مصر نظرا لأن مصر كانت ما تزال تابعة من الناحية الشرعية والدولية للدولة العثمانية


، أى أنها - مصر - أصبحت هكذا فى حالة حرب مع إنجلترا ،لذا فقد كان على سلطات الاحتلال أن تتخذ قرارا


كانت تتجنّبه منذ احتلالها لمصر 1882 ، وهو إعلان الحماية عليها ، وقطع صلاتها بالدولة العثمانية 18 ديسمبر 1914 ،


وفى ذات الوقت الذى أعلنت فيه بريطانيا حمايتها على مصر ، تمكّنت من الحصول على اعتراف دولى بهذه


الحماية عن طريق إقناع عدد من الدول الحليفة بذلك ، كما اتخذت بعض الإجراءات فى مصر للقضاء على الحركة


الوطنية مثل إغلاق الجمعية التشريعية والتى لم يكن قد مر على إنشائها وممارسة نشاطها سوى عام واحد فقط .


كذلك أصدرت سلطات الاحتلال مرسوما بعزل الخديوى عباس حلمى الثانى من العرش ، وعيّنت بدلا منه


السلطان حسين كامل سلطانا وليس خديويا لأول مرة منذ تثبيت دعائم الحكم المصرى فى عهد محمد على ،


وقد عُرف عن هذا الرجل - السلطان حسين كامل - ضعفه الشديد واستسلامه لسلطات الاحتلال . وخلال


الفترة التى شهدت اندلاع الحرب العالمية الأولى وحتى نهايتها ( 1914 - 1918 ) تمكّنت السلطات البريطانية


من تجميد الأوضاع السياسية والاقتصادية فى مصر طوال تلك الفترة ، كما استنزفت موارد وطاقات مصر البشرية


والمادية لخدمة المجهود الحربى ، فتم تجنيد الآلاف من العمال المصريين للعمل سخرة فى المعسكرات البريطانية


أثناء الحرب . وقد تعرّض العمال والفلاحون لمزيد من عمليات الإفقار والسخرة الجماعية منذ الاحتلال وحتى


الحرب العالمية الأولى ، كما ارتفعت الأسعار بصورة كبيرة ، وتفشت البطالة ، وتكونت العديد من اللجان لتقديم


المعونة للعمال العاطلين ، خصوصا عقب انتهاء الحرب ، ثم جاءت السخرة ، وقامت سلطات الاحتلال البريطانى


بجمع العمال والفلاحين المتطوعين دون أن تقوم بدفع أجور لهم حيث تم نقلهم إلى مناطق العمليات العسكرية .


وتشير وثائق تلك الفترة إلى أنه تم تجنيد نحو مليون رجل من فلاحى وعمال مصر للعمل فى فيلق العمال المصرى


بالإضافة إلى حفر الخنادق والقيام بأشق الأعمال خدمة لمجهود الحلفاء الحربى . وقد أشارت العديد من


المصادر المعاصرة لتلك الفترة إلى الظروف الصعبة التى أحاطت بهؤلاء وإلى استخدام السلطات البريطانية


أبشع صور الضغط والقسوة فى الريف المصرى لتجنيد المصريين رغما عن إرادتهم ، بالإضافة إلى استيلائهم


على حيواناتهم ومحصولاتهم وأدواتهم الزراعية ، بل وأموالهم أحيانا ، وقد أشار البعض إلى أنهم كانوا


يموتون كالذباب فى الصحراء .


لذلك لم يكن غريبا أن يلعب العمال والفلاحون دورا هاما فى ثورة 1919 ، نتيجة لما تعرّضوا له من استنزاف


مادى وبشرىمنذ بداية القرن التاسع عشر ، مرورا بفترة السيطرة البريطانية ، وحتى نهاية الحرب العالمية


الأولى ، وكان الخط الرئيسى لنشاط العمال والفلاحين أثناء الثورة يتمثل فى القيام بسلسلة من الإضرابات


وقطع خطوط المواصلات والسكك الحديدية لشل دولاب العمل داخل الدولة ، وإعاقة وصول الإمدادات العسكرية


البريطانية إلى أماكن الثورة . وعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى رأت بعض القيادات المصرية والتى بقيت


على الساحة السياسية سواء من أعضاء حزب الأمة أو الجمعية التشريعية بعد أن تم تصفية العناصر الوطنية


ممثلة فى أعضاء الحزب الوطنى والذين ينتمون إلى مبادئه وأهدافه ، نقول رأت هذه القيادات ، وهم من المعتدلين


فى السياسة المصرية ، أنه يجب إلغاء الحماية البريطانية على مصر ، لأنها ارتبطت كما جاء فى منشور الإعلان


بظروف الحرب وبالتالى فهى مؤقتة ، ومن ثم ، فقد رأى أعضاء من حزب الأمة والجمعية التشريعية التى تم


إلغاؤها على يد سلطات الاحتلال أنه يجب إلغاء الحماية ، وكان هذا الرأى من بنات أفكار " سعد زغلول " و " على شعراوى " و


" عبد العزيز فهمى " ومعهم ثلاثة آخرون من أعضاء الجمعية التشريعية ، وقد بدأ هؤلاء فى الاتصال بالسلطات


البريطانية المحتلة للتباحث معها حول هذا الموضوع فتم مقابلة المندوب السامى البريطانى بالقاهرة ، وعرضوا


عليه فكرة ذهاب وفد مصرى إلى إنجلترا للتحدث مع المسئولين هناك حول موضوع إلغاء الحماية البريطانية


على مصر . وكان المعتمد البريطانى أو المندوب السامى بمصر آنذاك هوالسير" ريجنالد ونجت " ، وخلال


المناقشة التى دارت بين الطرفين وجّه " ونجت " سؤالا إلى سعد زغلول ورفقائه الآخرين ، فكان هذا السؤال


بداية حركة جماهيرية واسعة شملت مختلف أنحاء البلاد ، فقد سألهم " ونجت " : منْ تمثلون أنتم حتى


تتقدمون لنا بهذه المطالب .أما والأمر كذلك ، فكان لابد لهؤلاء الثلاثة أن يؤكدوا للمندوب السامى البريطانى


أنهم يمثلون الشعب المصرى بمختلف فئاته وطوائفه ،ومن هنا بدأت فكرة " التوكيلات المعروفة " ، والتى كانت


تمثل البداية الحقيقية لاندلاع ثورة 1919 ، فقد انتشر بين الجماهير المصرية فى كافة القرى والمدن حركة عُرفت


باسم التوكيلات بمعنى أن يقوم عدد من أفراد المجتمع المصرى بكتابة ورقة يوكلون فيها هؤلاء الثلاثة للسعىّ


إلى استقلال مصر استقلالا تاما ،الأمر الذى أدى إلى إعادة تنظيم الحركة الوطنية المصرية ، وبعْث الروح فيها .


وهنا أدركت السلطات البريطانية مدى خطورة تلك الأوضاع الجديدة على وجودها بمصر ، وبعض المستعمرات


الأخرى ، فاتخذت قرارا يقضى بالقبض على سعد زغلول - محمد محمود - إسماعيل صدقى - حمد الباسل


وتم ترحيلهم إلى بورسعيد ثم نفيهم إلى جزيرة مالطة فى اليوم الثامن من مارس 1919 ، فكان ذلك إيذانا


باندلاع ثورة عارمة فى اليوم التالى مباشرة شملت كافة المدن والأقاليم ، واشترك فيها كافة فئات وعناصر


الشعب المصرى من مسلمين ومسيحيين ليؤكدوا للسلطات البريطانية مدى ترابط عنصرى الأمة ، كما اشتركت


فيها ولأول مرة ، المرأة المصرية ،تلك الثورة التى عُرفت باسم " ثورة 1919 ". وقد انتشرت الثورة سريعا


فى كافة المدن والأقاليم ، ففى المدن ، عبّرت الثورة عن نفسها من خلال المظاهرات التى قام بها الطلبة ضد


سلطات الاحتلال . كذلك قام العمال بحركة إضراب عن العمل فى المصانع لتعطيل الإنتاج الذى كان موجها


فى الأساس لخدمة المصالح البريطانية ، كذلك أضرب موظفو الدولة عن العمل ، ولكن كان ذلك فى حالات قليلة .


كذلك حدثت أيضا داخل المدن المصرية حركة اغتيالات ضد القوات البريطانية المتواجدة بمصر ، كان يقوم


بها شباب الحزب الوطنى الذى انضم بدوره إلى حركة الوفد عقب قيامها ، وكان يتزعم هذه الحركة عبد الرحمن فهمى ،


وأحمد ماهر ن والنقراشى . وفيما يتعلّق بالدور الذى لعبته المرأة المصرية فى ثورة 1919 ، فكان يتمثل


فى تلك المظاهرة الكبرى التى نظمتها النساء يوم الأحد 16 مارس ، وكان الغرض منها الإعراب عن شعورهن


والاحتجاج على ما أصاب الأبرياء من القتل والتنكيل فى المظاهرات التى اشتعلت فى مصر حينما تطاير


نبأ اعتقال سعد زغلول إلى أسماع المصريين ،وقد وصف الرافعى تلك المظاهرة وصفا دقيقا يقول : " خرجت


المتظاهرات فى حشمة ووقار ، وعددهن يربو على الثلاثمائة من كرام العائلات وأعددن احتجاجا مكتوبا


ليقدمنه إلى معتمد الدول ، هذا تعريبه :" يرفع لجنابكم السيدات المصريات أمهات وأخوات وزوجات من


ذهبوا ضحية المطامع الأجنبية والبريطانية يحتججن على الأعمال الوحشية التى قوبلت بها الأمة المصرية


الهادئة ، لا لذنب ارتكبته سوى المطالبة بحرية البلاد واستقلالها تطبيقا للمبادئ التى جاء بها الدكتور ويلسون


الرئيس الأمريكى صاحب المبادئ الأربعة عشرة المعروفة ، وقبلتها جميع الدول محاربة كانت أو محايدة ".


ومرت المتظاهرات بدور القنصليات ومعتمدى الدول الأجنبية لتقديم الاحتجاج المكتوب ، فتصدى لهن قوات الاحتلال


البريطانى إلا أن ذلك لم يمنعهن من تكرار التحدى والقيام بمظاهرة أخرى بعد ثلاثة أيام فقط من المظاهرة الأولى .


وقد ذكر " تشيرول" الذى كان مراسلا لصحيفة التايمز فى القاهرة فى ذلك الوقت أن المرأة المصرية اشتركت


مع الرجل فى إقامة المتاريس فى الشوارع ، وعندما قام الموظفون بالإضراب عن العمل ، عمدت جماعات من


النساء إلى المراقبة على أبواب الوزارات حتى يمنعن من تسوّل له نفسه الضعف من الموظفين من العودة إلى عمله .


وبعد أن فشل الوفد المصرى برئاسة سعد زغلول فى عرْض القضية المصرية على مؤتمر الصلح فى فرساى


بدأت حركة الانشقاقات تحدث داخل الوفد نفسه ، فكان الانشقاق الأول عقب خروج إسماعيل صدقى ومحمود أبو النصر


كرد فعل لفشل الوفد فى عرض القضية حيث رأت ضرورة رجوع الوفد إلى مصر بعد هذا الفشل . غير أن الغالبية


من أعضاء الوفد رأت القاء لمفاوضات السلطات البريطانية فى لندن ، فكان ذلك بداية مفاوضات سعد - ملنر .


وزير المستعمرات البريطانى ، تلك المفاوضات التى أدت إلى حدوث الانشقاق الثانى فى الوفد المصرى عقب


فشل المفاوضات ، ورفض مشروع " ملنر" المعدل . حيث رأت الأغلبية من أعضاء الوفد المصرى أن مشروع


ملنر المعدل كان من الممكن قبوله ، وأن سعد زغلول كان السبب المباشر فى فشل هذه المفاوضات مما ترتب


عليه خروج عدد كبير من أعضاء الوفد المصرى ليكوّنوا - فيما بعد - حزب الأحرار الدستوريين ، ثم حدث


انشقاق آخر أكثر خطورة عقب وفاة سعد زغلول ، وتمخّض عن إنشاء الحزب السعدى ، وأخيرا ، قام مكرم عبيد


سكرتير الوفد والذراع اليمنى لمصطفى النحاس خليفة سعد زغلول فى زعامة الوفد ، بالخروج عن الوفد ليشكّل


بدوره حزبا عُرف بالكتلة الوفدية ، فكان هذا إضعاف للوفد وعلى كيانه وتنظيمه الداخلى .


تصريح 28 فبراير 1922


بعد فشل المفاوضات بين سعد زغلول وملنر ، أصدرت إنجلترا من جانبها تصريح 28 فبراير 1922 ، بتحفظاته الأربعة :


أولا : تأمين المواصلات البريطانية فى مصر.


ثانيا : الدفاع عن مصر ضد كل اعتداء أو تدخل أجنبى مباشر أو غير مباشر .


ثالثا : حماية المصالح الأجنبية فى مصر وحماية الأقليات .


رابعا : السودان .


ووفقا لهذا التصريح ، اعترفت بريطانيا بمصر دولة مستقلة ذات سيادة ، وأنهت حمايتها على مصر ، وعلّقت


إلغاء الأحكام العرفية على إصدار الحكومة المصرية لقانون تضمينات يسرى على جميع سكان مصر ، لكنها


احتفظت لنفسها بالتحفظات الأربعة السابق الإشارة إليها . وإذا كان تصريح 28 فبراير 1922 ، قد أدى إلى


إنهاء الحماية على مصر وبالتالى استقلالها ، إلا أن هذا الاستقلال كان استقلالا اسميا فقط . وكان من النتائج


التى أسفرت عنها ثورة 1919 فيما يتعلّق بتطور العلاقات المصرية - البريطانية ، هو القبول بسياسة


المفاوضات من أجل الحصول على الاستقلال ، وتمخّضت عن :


أولا : تصريح 28 فبراير 1922 .


ثانيا: توقيع معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا فى عهد حكومة الوفد برئاسة النحاس باشا .


اللواء : محمد نجيب


قائد ثورة 23 يوليو 1952 " الثورة البيضاء "


وأول رئيس لجمهورية مصر العربية

عقب توقيع معاهدة 1936 ، التى صوّرت على أنها معاهدة " الشرف والاستقلال " ، بدأت التناقضات الطبقية


والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية تطفو على مسرح الأحداث السياسية ، بعد أن عجز الوفد عن طرح برنامج


اجتماعى تقدمى يواجه به هذه المشكلات التى طفت على السطح أو يقدم حلولا مقبولة لها .
" انتهى تلخيص كتاب مصر الحديثة والمعاصرة للدكتور


إسماعيل زين الدين ، وسوف نتناول الحديث عن ثورة يوليو 1952 بإذن الله تعالى


من خلال مصادر متعددة أبرزها برنامج " شارع الكلام " على القناة الثقافية ".
أبرز إرهاصات قيام ثورة 23 يوليو 1952


كان مصطفى النحاس باشا قد قام بإدخال أبناء الطبقة الوسطى للكلية الحربية بعد استشعاره سيطرة الشيوعيين


على الجيش ، ومن هؤلاء الضباط تكونت جماعة الضباط الأحرار أو الحركة المباركة كما كانوا يطلقون عليها


فى بادئ الأمر ثم بعد ذلك كتب المفكرون وعلى رأسهم " طه حسين " بضرورة تسميه ما حدث ثورة وليس حركة .


الإرهاصات :


أولا : ساد المجتمع المصرى حالة فقر شديد لدرجة أن ظهر مشروع " مقاومة الحفاة ".


ثانيا : تم إحراق القاهرة فى يناير 1952 .


ثالثا : هزيمة حرب فلسطين 1948 ، وضياع هيبة الجيش المصرى بسبب الأسلحة الفاسدة وتواطؤ السراى


ممثلة فى الملك فاروق مع الإنجليز .


رابعا : التنافر الحاد الذى ساد بين الأحزاب المصرية ، وضاعت من خلالها القضايا الوطنية والاجتماعية .


خامسا : نزوات الملك فاروق وبعض أفراد أسرته فى الداخل والخارج مما سوّء سمعة مصر .


نبذة مختصرة عن اللواء محمد نجيب :


وُلد محمد نجيب عام 1896 بالسودان ، حيث كان والده ضابطا بالجيش المصرى . وفى ثورة 1919 رجع


لمصر للمشاركة فى الثورة . وقد كان لمحمد نجيب بطولات على المستويين العسكرى والسياسى ، فعلى المستوى


الأول كان يتقدم صفوف قواته المحاربة ، كما قام بوضع تكنيك " حرب العصابات " ونال أكثر من وسام على


شجاعته العسكرية ، وعلى المستوى السياسى ، خاض انتخابات نادى الضباط واستطاع أن يكسبها بتفوق ، كما


كان له حضور جماهيرى من الشعب المصرى ، وتميز بالبساطة والتواضع وحفظ الأمانة . وكان الضباط الذين


شكّلوا حركة الضباط الأحرار صغيرى السن ، وكانوا يريدون واجهة كبيرة تتصدّر حركتهم لكى تلقى صدى


وقبول لدى الشعب المصرى لتأييدها ، فوقع اختيارهم على اللواء محمد نجيب لقيادتهم ، وقامت الثورة ونجحت


وتم تولية " محمد نجيب " رئاسة الدولة ، كأول رئيس للجمهورية التى أعلنت فى مصر فى 18 يوليو 1953 .


ولكن سرعان ما انقلب الضباط الأحرار على قائدهم الشريف ، وقاد هذا الانقلاب " جمال عبد الناصر " ، فتم


تنحية اللواء " محمد نجيب " عن حكم مصر رغم الشعبية الجارفة التى قٌوبل بها ، وذلك فى 14 نوفمبر


1954 ، وتمت معاملته بأسلوب مهين حيث تم اختطافه وسجنه فى المرج ، وبقى كذلك حتى مماته فى ظروف


اجتماعية واقتصادية متردّية .


لماذا تمت تنحية اللواء محمد نجيب :


حيث ثار خلاف بينه وبين " جمال عبد الناصر " فى عدة نقاط :


أولا : نادى اللواء " محمد نجيب " بالديموقراطية وأهميتها للشعب المصرى فاصطدم بذلك مع رأى " جمال عبد الناصر ".


ثانيا : توافقه مع الإخوان المسلمين .


ثالثا : ضُبطت مكالمات له مع كبار الإقطاعيين وملاك الأراضى الزراعية ، فكان التخوّف من عدم القدرة على


القيام بالإصلاح الزراعى المنشود من قبل الثورة .


لماذا كان من السهل الإطاحة باللواء "محمد نجيب " :


بسبب أن اللواء محمد نجيب لم يقم بخلق تيار من الضباط يدينون له بالولاء ، وقريبين منه فى السن داخل تنظيم


الضباط الأحرار والذين كانوا صغار السن ، وكان هو لواء ، وبالتالى ففارق السن جعله فى ناحية ، وباقى الضباط


الصغار فى ناحية أخرى ، وكانت قيادة الجيش آنذاك بعد الثورة قد تم إسنادها ل " عبد الحكيم عامر " وكان


صديق ل" جمال عبد الناصر " وبالتالى لم يكن الأمر صعبا فى الانقلاب على شرعية اللواء محمد نجيب أول


رئيس لجمهورية مصر العربية .


المبادئ الستة لثورة يوليو المصرية المجيدة :


أولا : القضاء على الإقطاع .


ثانيا : القضاء على الاستعمار .


ثالثا : القضاء على سيطرة رأس المال .


رابعا : إنشاء جيش وطنى .


خامسا : إراساء مفهوم العدالة الاجتماعية .


سادسا : إقامة حياة ديموقراطية سليمة .


وهى ثورة " بيضاء " لأنها لم يراق فيها قطرة دماء واحدة ، حيث تم ترحيل الملك فاروق عن مصر


فى 26 يوليو 1952 .



موسوعة الهلال الاشتراكية
إيجابيات وسلبيات " جمال عبد الناصر "

وما تحقّق من مبادئ ثورة يوليو المجيدة

أولا : الإيجابيات :

بالنسبة للقضاء على الإقطاع :

حيث تم إصدار قانونى الإصلاح الزراعى الأول والثانى ، حيث حُدّدت الملكية بمئتى فدان كحد

أقصى

للفرد الواحد ، ثم بعد ذلك عُدّلت لتصبح خمسين فدانا للفرد الواحد .

بالنسبة للقضاء على الاستعمار :

حيث تم توقيع اتفاقية الجلاء مع السلطات البريطانية أكتوبر 1954 .

بالنسبة للقضاء على سيطرة رأس المال :

حيث تم التحوّل من النظام الليبرالى فى مصر إلى النظام الاشتراكى ، وتم إنشاء آلاف المصانع .

وبالنسبة لإنشاء جيش وطنى :

حيث تحقّق ذلك ، لكن شخصنته فى شخص " عبد الحكيم عامر " أدت إلى نكسة 1967 .

وبالنسبة لإرساء مفهوم العدالة الاجتماعية :

حيث انسحب تطبيق هذا المفهوم على ثلاثة اتجاهات :

الأول : إبراز الطبقة الوسطى واعتلائها المناصب العليا فى البلاد وإيجاد دور لها .

الثانى : مجانية التعليم .

الثالث : العدالة الثقافية حيث أنشئت أكاديمية الفنون وازدهر المسرح فى الستينيات ، وراجت حركة الكتب والمجلات

الثقافية ذات السعر الزهيد " والتى منها الطليعة والفكر المعاصر " ، كذلك مشروع ترجمة الألف كتاب .

بالإضافة إلى أعمال أخرى هى :

أولا : تأميم شركة قناة السويس 1956 ، والتى بسببها كان العدوان الثلاثى على مصر .

ثانيا : إنشاء السد العالى .

ثالثا : السياسة الخارجية التى قامت على دعامتين هما :

أولا : سياسة عدم الانحياز ، حتى لا تكون مصر تابعة لأى قوة من القوى الكبرى آنذاك .

ثانيا : تشجيع حركات التحرر والثورة للشعوب المستعمرة خاصة فى آسيا وإفريقيا .

رابعا : تعميق الشعور بالوطنية ، وتقديم فكرة " القومية العربية ".
ثانيا : السلبيات :

الخطيئة الأولى : الانقلاب على قائد ثورة يوليو 1952 ، اللواء " محمد نجيب " ، وعزله من رئاسه

الدولة

وإهانته المعاناة التى عاش فيها حتى مات .

الخطيئة الثانية : ذبح الحريات العامة حيث تمثّل ذلك فى :

أولا : البقاء فى السلطة حتى موته ، مما رسّخ معه مفهوم عدم التداول السملى للسلطة فى مصر .

ثانيا : إلغاء كل الأحزاب المصرية والتعددية السياسية وإبقاء حزب واحد فقط ، وبالتالى عدم وجود المعارضة

السياسية الشرعية الضرورية فى كل بلد ز

ثالثا : تأميم الصحافة .

رابعا : مذبحة القضاة الشهيرة بسبب نزاهة القضاة ، لدرجة أن قاضى اضطر للعمل سائق تاكسى بعد

إقصاءه

من منصبه كقاضى .

خامسا : زوّار الفجر ، وإثارة الهلع فى الشعب المصرى ، وفتح المعتقلات ، وتعذيب المصريين لتكميم

الأفواه

المطالبة بالحرية والديموقراطية .

الخطيئة الثالثة : شخصنة الجيش المصرى الوطنى فى هيئة " عبد الحكيم عامر " ، مما أدى

لنكسة 1967 ، للقوات المصرية على أيدى القوات الإسرائيلية .

نكتة سياسية بعد النكسة "صاحبة المدونة " :

حيث يروى أن " موشى ديان " جاء يبحث عن " مسمط " ليأكل فيه ، وكان الشيف وقتئذ هو

" عبد الحكيم عامر "

فسأله " موشى ديان " : عندكم مخ.

فأجابه " عبد الحكيم عامر " باعتباره شيفا للمسمط : لأ ، عندنا لسان .

ماذا تبقى من ثورة يوليو المصرية المجيدة
وفى مقارنة للدكتور " فاروق أبو زيد " عميد كلية الإعلام الأسبق فى نفس البرنامج المشار إليه ، تناول مقارنة

لبعض العناصر ( البنوك - النظام الاقتصادى - الطبقة الوسطى - الاستعمار )

أولا : البنوك

قبل الثورة : كان هناك بنكان وطنيان فقط هما الأهلى - مصر .

بعد الثورة : تم مصرنة " من مصر " كل البنوك .

الآن : بنكان وطنيان فقط هما الأهلى - مصر .

ثانيا : النظام الاقتصادى

قبل الثورة : النظام الليبرالى .

بعد الثورة : الاشتراكى .

الآن : النظام الليبرالى مرة أخرى .

ثالثا : الطبقة الوسطى

قبل الثورة : لم تكن موجودة أو مهمشة .

بعد الثورة : ظهر لها دور مؤثر ، واعتلت المناصب العليا فى مصر .

الآن : جزء منها قليل اتجه للطبقة العليا ، فى حين هبط أكثرها للطبقة الدنيا .

رابعا : الاستعمار

قبل الثورة : الإنجليز .

بعد الثورة : جلاء الإنجليز عن مصر .

الآن : استعمار مقنّع جديد متمثل فى الاستثمارات الأجنبية .
"انتهى الاقتباس من برنامج شارع الكلام ، قناة النيل الثقافية ".

ولكن تتبقى لنا بعض الملاحظات ، وسوف أورد خواطرى فى ثلاث نقاط هم:

أولا : ما العمل .

ثانيا : الدروس المستفادة من كل ما سبق وعرضناه من تاريخ مصر الحديث والمعاصر .

ثالثا : نظرة على الثورات ( المصرية - الكوبية - الفرنسية ).

أولا : ما العمل

دعوة لإحياء مبادئ ثورة يوليو المصرية المجيدة بمشاركة كل الأحزاب دون استثناء .

ثانيا : الدروس المستفادة من تاريخنا المصرى الحديث والمعاصر :

( الطبقة الوسطى - القطاع العام - الديموقراطية )

فكما سبقت الإشارة إلى مدى التشابه بين المشروعين النهضويين لكل من " محمد على باشا " و " جمال عبد

الناصر " ، فى الأهداف وفى الطريقة وفى النهاية كذلك ، فالأهداف نبيلة يتمناها كل مجتمع يحلم بالعدالة والأمن

والسلام والقوة والتشاور الخ ، والطريقة استبدادية مطلقة وسلطوية من أعلى إلى أسفل ، والنهاية واحدة وهى

انهيار المشروع التنموى بموت صاحبه ، فبعد موت " محمد على " انهارت الزراعة وعاد الإقطاع ، وانهارت

الصناعة وعاد الاستغلال الأجنبى وتدفق السلع الأجنبية على مصر ، وتفرق شمل الجيش الوطنى وضعف ، ثم

كان الاحتلال البريطانى لمصر لما يقرب من 74 عاما الخ . كذلك بعد موت " جمال عبد الناصر " تحولت

مصر

إلى الانفتاح الاقتصادى ، وعاد الإقطاع وسيطرة رأس المال وضعف التعليم ، ولكن نحمد الله تعالى على جيشنا

المصرى الوطنى .

والقاسم المشترك للقضاء على المشروعين النهضويين هما : القضاء على الطبقة الوسطى ، الديكاتورية .

أولا : الطبقة الوسطى ، وتدعيم الأمن فى الداخل والخارج :

فى الداخل : منْع الصراع والحقد الطبقى وتوفير قدر كبير من استقرار البلاد ومنع الإضرابات والاعتصامات

ومحاولات الانقلاب على السلطة .

فى الخارج : ورقة ضغط أمام الحاكم لمنع تخليه عن الأهداف والطموحات والآمال الكبرى للشعوب ، ومنع التنازل

أمام الآوامر الخارجية ، وتقديم الدعم ومساندة الحاكم وقت اللزوم للوقوف أمام الأطماع الاستعمارية الأجنبية .

ثانيا : القطاع العام وقوة دور الدولة وهيبتها فى الداخل والخارج :

فقد فشلت الثورة العرابية بسبب أن طبقة الإقطاعيين كانت تحرص على صيانة مكتسباتها

ولذا

تعاونت مع الخديو والإنجليز ، ولعلنا استعرضنا تصريحات " اللورد كرومر " بشأنها .

فوجود قطاع عام يعنى :

قدرة الدولة على بناء جيش وطنى قوى وتزويده بكل ما يحتاج إليه .

تحجيم نفوذ الطبقة الإقطاعية والرأسمالية فى إضعاف أوإفشال الأهداف الوطنية ، ولعل أهداف ثورة

يوليو

المصرية المجيدة تمثل طموح جاد يسعى إليه كل شعب .

هيبة الحاكم وقدرته على مواجهة الفساد والرشاوى ، وارتفاع صوته بقوة القطاع العام والتفاف الشعب

حوله فى الحديث مع القوى الأجنبية .
ثالثا : الديموقراطية :

والتى تسمح بتداول سلمى للسلطة ، تحديد صلاحيات الرئيس ، مساءلة الرئيس ، تكوين صفوف أولى وثانية

وثالثة وعاشرة فى المجتمع بحيث إن سقط واحد نهض الملايين ، وإن وقع صف سانده الصف الذى يليه ، وبناء

الدولة على أساس مؤسسى قوى .

نظرة على الثورات ( المصرية - الكوبية - الفرنسية )

رغم وصول القيادات إلى سدّة الحكم عن طريق الانقلابات ، ورفع شعارات الحرية والديموقراطية

إلاّ أنه

من الملاحظ أنه بوصول الشخص إلى الحكم لا يتركه ، هكذا فعل " جمال عبد الناصر " و " نابليون بونابرت "

والرئيس الكوبى " فيديل كاسترو" الآن ، ومن ثم فإنه نداء أوجّهه إلى الرئيس الكوبى القدير " كاسترو" أن يحوّل

المجتمع الكوبى كله إلى صفوف ، وأن يترك بصمته ليتحول من العظماء بالسماح بتداول السلطة سلميا فى بلاده .

وكل عام وأنتم بخير بمناسبة الذكرى الـ55 لثورة يوليو المصرية المجيدة .