Saturday, September 22, 2007


محمد أنور السادات ، قائد العبور العظيم ، بدر- 1973

Saturday, September 15, 2007

إبراهام لينكولن ومواجهة استراتيجية استعباد الشعوب فى الفكر الأمريكى المعاصر

إبراهام لينكولن 1861- 1865
الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية
عرْض شخصية " إبراهام لينكولن " ، من كتاب " رجال عظام ، ونساء عظيمات " للكاتبة ليفلى ليزيت


من مكتبة الأسرة ، أعمال مترجمة .


فى أحد الأيام المبكرة الأولى من الحياة فى أمريكا ، كان هناك رجل يعمل فى حقل مجاور للكوخ الذى شيّده


من جذوع الأشجار ، وكان لهذا الرجل ثلاثة من الأبناء . وفجأة ظهر الخطر ، نعم كان هناك الكثير من الأخطار


فى تلك الأيام ، فالمنطقة كانت محاطة بغابات كثيفة ، وفى تلك الغابات ، كان يعيش الهنود الحمر بعضهم


أصدقاء ، وأكثرهم أعداء .


الهنود الحمر


انطلقت رصاصة ، وسقط الأب ميتا وصاح أحد الأبناء : الهنود ، الهنود الحمر.


واندفع


يجرى بأقصى سرعة لاستدعاء المساعدة من أقرب حامية ، أما الابن الثانى ، فقد اندفع بدوره إلى داخل الكوخ


لإحضار البندقية ، ولكنه ما أن استدار ليواجه المهاجمين ، حتى رأى أحد الهنود الحمر ينقضّ على أخيه الصغير


الذى لا يتجاوز عمره ست سنوات وحمله بين ذراعية وشرع فى الهروب به إلى داخل الغابة . وبسرعة ، صوّب


الابن الثانى بندقيته تجاه الهندى وأطلق النار ، فسقط الهندى على الأرض وانفلت الغلام الصغير هاربا تجاه الكوخ


وانضم إلى أخيه فى مقاومة الهجوم حتى وصلت المساعدة من الحامية القريبة . أما الصبىّ الصغير ، فقد كان


اسمه " توماس" ، وهو الذى أصبح فيما بعد أبّا لـ"لإبراهام لينكولن".


الحياة الأمريكية فى الماضى


وتبدأ قصتنا هذه فى ولاية "كنتكى" بعد سنوات قليلة من بداية اتحاد الولايات الأمريكية مع بعضها لتكوين دولة


جديدة هى الولايات المتحدة الأمريكية . وكان المهاجرون الوافدون من أوروبا يستقرون فى البداية فى الجانب


الشرقى لأمريكا المطلّ على المحيط الأطلنطى ، أما الشجعان منهم فقد كانوا يتجهون صوب الغرب ، حيث الحيوانات


المفترسة والهنود الحمر والجبال والوديان الخصيبة والغابات الكثيفة والسهول الواسعة . وكانت بعض جماعات


الهنود الحمر ترحّب بهولاء الوافدين الأوروبيين ويقدمون لهم المساعدة والعون . بينما كانت هناك جماعات


أخرى من الهنود الحمر تهاجم هؤلاء الوافدين لمنعهم من الإقامة فى تلك الأراضى . ولكن أغلب هؤلاء الوافدين


الشجعان تمسّكوا بالأرض ، وكانوا يشيّدون بيوتهم وأكواخهم من جذوع الأشجار ، ويبدأون فى زراعة الأرض


بمختلف أنواع المحاصيل . وبمرور الوقت ، تدفق وافدون جدد ، وتعاون الجميع فى إنشاء الطرق ، ثم فى إنشاء


القرى والمدن الصغيرة ، وكلما وفد مهاجرون جدد ، كلما اتسع نطاق التقدم نحو الغرب بحثا عن الأراضى الجديدة


الصالحة للزراعة ، وهكذا رويدا رويدا ، عُمّرت البلاد حتى شواطئ المحيط الهادى فى أقصى غرب أمريكا .


ولم يذهب "توماس لينكولن " إلى مدرسة ، وإلى أن تزوج ، كان لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، ولكن زوجته


التى كانت على معرفة قليلة بمبادئ القراءة والكتابة استطاعت أن تعلّمه كيف يكتب اسمه . وكان الزوجان يعيشان


فى كوخ بسيط مشيّد بجذوع الأشجار ، فى قرية صغيرة بولاية "كنتكى" وفى هذا الكوخ وُلد لهما طفلان ، الأول


كانت بنتا سمياها "سارة " ، أما الثانى فكان ولدا سمياه " إبراهام ".


البيت والمدرسة


وكان الطفل "إبراهام " لا يجد شيئا يعمله سوى اللعب مع أخته "سارة " بجوار الكوخ أو فى الحقل أو عند أطراف


الغابة ، وكان هذا الكوخ يتكوّن من غرفة واحدة تعيش فيها الأسرة كلها ، ولم يكن هناك سوى باب واحد ونافذة


واحدة . وعندما وصل "إبراهام " إلى سن السابعة ، كان عليه أن يسير على قدميه نحو أربعة أميال (6437 مترا).


كل يوم ليذهب إلى أقرب مدرسة للبيت . كانت مدرسة مشيّدة هى الأخرى بجذوع الأشجار وتتكون من غرفة


واحدة لها باب واحد وبدون نوافذ ، وأرضيتها مغطاة بالقذارة ، وكانت تضج بأصوات الأولاد والبنات الذين


يحفظون دروسهم قبل أن يسمّعوها للمدرّس . وكانت أصواب كل هؤلاء الأطفال تختلط مع بعضها . وكان


توماس لينكولن ، غير قانع بالحياة فى ولاية "كنتكى" فقد كانت الأرض التى يزرعها ذات مساحة محدودة وتربتها


فقيرة ، وكان يأمل فى أن يجد ارضا أوسع مساحة وأكثر خصوبة لذا رحل بأسرته نحو الغرب حيث توجد مساحات


هائلة تصلح للزراعة . وعاون " إبراهام " أباه فى إعداد قارب مسطح صنعاه من جذوع الأشجار ، ووضعا


عليه كل ما كانت تملكه الأسرة من أثاث الذى لم يكن يتعدى بعض المقاعد ومنضدة وبعض المعدات البسيطة


الأخرى ، وقام الأب بالسباحة بهذا القارب المسطّح عبر النهر ، أما الأم والطفلان فقد امتطوا ظهر حصانين


اقترضتهما الأسرة من بعض الجيران . وعندما وصلت الأسرة إلى أرض جديدة تصلح للزراعة ، حطت رحالها


وتعاونوا جميعا فى تجهيز المقر الجديد ، كانوا لا يملكون حصانا ولا بقرة ، وكان عليهم أن يسرعوا فورا فى


تشييد مأوى يحميهم من عواصف الشتاء الى أوشكت أن تهب ، وهكذا بدأوا فى تقطيع الأشجار واستخدام جذوعها


وفروعها فى إقامة جوانب الكوخ وسقفه بعد تغطيتها بالطين إلى أن شيّدوا فى النهاية كوخا بدائيا مفتوحا من أحد


جوانبه . واستقرت الأسرة فى هذا الكوخ حتى تسنح الفرصة لبناء كوخ أكبر حجما وأحسن تشييدا .


البيت الجديد


وبالرغم أن "إبراهام " لم يكن يتعدى سبع سنوات عمرا ، إلا أنه كان يبدو أكبر من سنه ، وأقوى من أمثاله من الأولاد .


كان يساعد أباه فى أصعب الأعمال ، وفى تقطيع الأشجار وتجهيز جذوعها لبناء الكوخ الجديد ، وكان يساعد


أيضا فى إعداد الأرض الجديدة للزراعة ، وفى ظرف سنة استطاع هو وأبوه أن يشيّدا كوخا جديدا لإيواء الأسرة


وكان يتكون من حجرة واحدة ذات سقف وجدران أربعة ، له باب منخفض وبدون نوافذ . وكانوا يشعلون فرعا


من فروع الشجر لتوفير الإضاءة والدفء ، وفى أحد جدران الكوخ كان هناك بضع درجات مصنوعة هى الأخرى


من جذوع الأشجار على شكل سلم يؤدى إلى مكان تحت السقف ، وفى هذا المكان الصغير كان "إبراهام لينكولن"


ينام على كومة صغيرة من أوراق الشجر . أما طعام الأسرة فقد كان أغلبه من لحم الحيوانات البرية التى يتمكن


الأب من اصطيادها وكانوا يصنعون ملابسهم من جلود هذه الحيوانات ، ونادرا ما كانوا يلبسون أحذية مصنوعة


أيضا من جلود هذه الحيوانات . وقد استطاع "إبراهام" أن يمسك بالبندقية فى مرة ، وصوّبها نحو طائر كبير


فأرداه قتيلا ، وعندما ذهب ليحضر الطائر ، صعب عليه أن يكون هو السبب فى مقتل هذا الطائر ، ومنذ هذا


اليوم امتنع "إبراهام " عن قتل أى حيوان حتى ولو كان من الحيوانات المتوحشة .


المرض والموت


ولسوء الحظ ، تسلّل المرض إلى هذه الأسرة عند حلول فصل الخريف ، وسقطت الأم مريضة منهوكة القوى .


وهناك مثل ساد بين هؤلاء المستوطنين الآوائل فى أمريكا الذين زحفوا إلى الغرب واستوطنوا فى الأراضى


الجديدة


كان المثل يقول :" الجبناء لا يبدأون أبدا ، والضعفاء يموتون فى الطريق ". وكان أقرب طبيب إلى المكان الذى


تعيش فيه الأسرة ، يبعد نحو ثلاثين ميلا ( نحو 48.3 كيلو مترا). ولكن وطأة المرض كانت شديدة ، وماتت


الأم فى وقت قصير ، وكان موتها ضربة قاسية شديدة للأب وإبراهام وأخته سارة ، خصوصا وأن عمر "سارة "


آنذاك نحو احدى عشرة سنة . وبالتالى فقد كانت لا تستطيع أن تقوم وحدها بكل حاجات البيت ، وفى العام


التالى ، تغيّب مستر "لينكولن" عن البيت عدّة أيام ، عاد بعدها ومعه أم جديدة ، كان الأب يعرفها منذ مدة


طويلة ، وكان زوجها قد مات وترك لها ثلاثة أطفال ، ولدين وبنتا . كانت امرأة طيّبة ، سرعان ما أصبحت


أمّا لكل من سارة وأخيها إبراهام . وكانت لا تفرّق فى المعاملة بينهما وبين أولادها كانت تحب الجميع وترعاهم


بكل طاقاتها .


المدرسة والكتب


كبر "إبراهام" وأصبح فتى يافعا ، قوى الجسم ، طويل القامة ، وكان يعمل طوال الوقت فى مختلف الأشغال


لأن الأسرة كانت فقيرة وفى حاجة دائمة لمعاونته . فما أن ينتهى من العمل مع أبيه ، حتى يُسرع إلى العمل مع بعض


الجيران نظير بعض النقود التى كان يعاون بها الأسرة . وبالرغم من هذا العمل الشاق المتواصل ، إلاّ أنه كان


منصرفا بعقله وقلبه عن كل هذه الأعمال ، كان يتطلع دائما إلى العلم والمعرفة . وقد التحق "إبراهام " بالمدارس


فى ثلاث مراحل مختلفة من حياته ، المرة الأولى ، حين كان فى السابعة من عمره ، والمرة الثانية ، حين كان


فى الرابعة عشرة ، والثالثة ، حين بلغ السادسة عشرة ، وكان يقضى فى المدرسة فى كل مرة فترة قصيرة لا تتعدّى


أشهرا قليلة ، وكان مجموع ما قضاه فى فصول تلك المدارس لا يزيد عن اثنى عشر شهرا . ولكنه كان شغوفا


بمعرفة المعلومات عن كل الأشياء ، فكان دائم السؤال ، يفكّر كثيرا ويقرأ عديدا من الكتب ، وعندما كان


يتوصّل إلى معلومة جديدة ، كان يكتبها عدّة مرات حتى يحفظها عن ظهر قلب ، وكان يقضى الأمسيات جالسا


جوار النار ليستضئ بنورها الضئيل فى مواصلة القراءة والكتابة . وبطبيعة الحال ، فلم يكن لديه أوراق تصلح


للكتابة ، لذلك كان يكتب على قطعة من الخشب ، هيّأ سطحها للكتابة ، وكان يكتب بطرف عود محترق ، وعندما


كان يمتلئ سطح قطعة الخشب بالكتابة ، كان يقشّرها بسكينة ليزيل الكتابة القديمة وليجعلها صالحة للكتابة من جديد.


واقترض " إبراهام" من أحد الجيران كتابا بعنوان " حياة جورج واشنطن" الذى كان أول رئيس للولايات المتحدة


الأمريكية ، وقد أعجب بالكتاب إلى حد كبير لدرجة أنه كان يصطحبه معه إلى السرير ويزج به بين أحد شقوق


الكوخ المشيّد من جذوع الأشجار ليواصل قراءته عند ظهور أول ضوء للنهار . ولكن السماء أمطرت بغزارة


فى الليلة التالية ، وتخلّلت مياه المطر بين صفحات الكتاب فأفسدتها ولم يعد صالحا للقراءة ، واضطر إبراهام


لأن يعمل فى حقل الذرة الخاص بصاحب الكتاب لمدة ثلاثة أيام حتى يعوّضه عن ثمنه ، ومع ذلك فلم يتوقف


عن اقتراض الكتب من الجيران ، ولم يمض وقت طويل حتى استطاع أن يقرأ جميع الكتب الموجودة لدى


جميع الجيران ولو كانوا على بعد خمسين ميلا من كوخه . وكان يقرأ بنهم شديد ، وكان لا يشبع عن التهام


كنوز المعرفة المخبّأة بين أغلفة الكتب ، وكان يقول دائما :" إن كل ما أريد معرفته موجود فى الكتب ، وخير


صديق لى هو من يُقرضنى كتابا أقرأة ". وبالإضافة إلى ذلك فقد كان طيّب القلب محبوبا من كل الناس وكانت


زوجة أبيه تقول دائما :" كان مطيعا وعلى خلق رفيع ، كان لا يعصى لى أمرا ، كان أفضل غلام رأيته فى


حياتى ، بل ولن أرى مثله ابدا بين الفتيان ". كما كان يتمتع بقوة خارقة ، يستطيع أن يجرى بأقصى سرعة


دون أن يحس بالتعب ، ويستطيع أن يكسب أية مباراة فى المصارعة بمنتهى السهولة ، بل وكان يستطيع أن يرفع


حملا ثقله ستمائة رطل ( نحو 272 كجم). دون أن يستعين بأحد . وحين أصبح فى سن الثامنة عشرة ، كان


يستطيع أن يمسك بيده أثقل الفئوس ، ويفرد ذراعه بمستوى كتفه دون أن تهتز الفأس ولو هزة بسيطة . وفى


أحد الأيام اضطر لأن يسير على قدميه مسافة قدرها أربعة وثلاثين ميلا ( 54.767 كم) ذهابا وعودة حتى يستمع


إلى خطبة كان يلقيها أحد الخطباء وقد استمتع "إبراهام " بكل من الخطبة والمشوار.


مغادرة البيت


وفى سن الحادية والعشرين ، شعر أبواه بأن المكان الذى تعيش فيه الأسرة أصبح مزدحما بالجيران ، وقرّر


الأب


أن ترحل الأسرة مرة أخرى إلى أرض جديدة . ورحلت الأسرة فعلا إلى ولاية "اللينوى" واستمر "إبراهام"


يعيش مع الأسرة لفترة قصيرة حتى عاونها فى إقامة المأوى الجديد ، وعندئذ قرّر "إبراهام " أن ينفصل عن


الأسرة ليبدأ حياته الخاصة ، وهكذا حمل فأسه على كتفه وبدأ خطواته الجديدة فى هذه الحياة . وكان أول الأعمال


التى كُلّف بها عملا شاقا مضنيا ولكنه فتح أمامه آفاقا جديدة ، لقد كُلّف بالاشتراك فى نقل حمولة مركب إلى مدينة


نيو أورليانز ، وكان عليه أولا أن يشترك فى تشييد طوف كبير على شكل مركب مسطح مصنوع من جذوع


الأشجار


المشدودة إلى بعضها بالحبال . وفى النهاية وصل الطوف بحمولته من البضائع إلى تلك المدينة الكبيرة ، ورأى


إبراهام مدينة نيوأورليانز ، لأول مرة .


العبيد فى نيوأورليانز


وفى خلال الشهر الأول من إقامته فى تلك المدينة ، رأى "إبراهام " عملية تجارة العبيد فى أسوأ صورها ، ومن المحتمل


أن ما رآه من سوء حالة العبيد قد أثر فى فكره ومشاعره الإنسانية تأثيرا شديدا ظل يلازمه طوال حياته .


منذ سنوات


طويلة ، كان التجار ، يجلبون عشرات ومئات الآلاف من زنوج إفريقيا فى حقول القطن فى الولايات الجنوبية


وفى جرائد المدينة ، كان "إبراهام لينكولن " يقرأ إعلانات مثل : للبيع : مجموعة من البنات أعمارهن من


(10) إلى (18) سنة . وامرأة عمرها (24) سنة ، وامرأة أخرى عمرها (25 ) سنة معها ثلاثة أطفال


أذكياء .


للشراء : أريد أن أشترى (25 ) زنجيا من الرجال والنساء ، تتراوح أعمارهم ما بين (18) و (25) سنة


وعلى استعداد أن أدفع أعلى سعر .


وكان "لينكولن" يتجوّل كثيرا فى سوق العبيد بنيو أورليانز ، وكان يستمع إلى المفاوضات التى تتم بين


البائعين والمشترين وكأنهم كانوا يتفاوضون فى بيع حصان أو أى حيوان آخر ، وكان "لينكولن" يشمئز


من سماع تلك المفاوضات والمجادلات حول بيْع وشراء الإنسان ، وقد كتب - فيما بعد - يصف إحساسه


نحو هذه العملية الشنيعة :" لو كان فى مقدورى أن أوقف كل ذلك ، لأوقفته فورا وبمنتهى العنف". وعندما


عاد مرة أخرى إلى الولايات الشمالية ، وجد عملا كبائع فى مخزن صغير للحاجيات فى احدى المدن الصغيرة


وهناك عرفه الناس على حقيقته ، وكانوا يحترمونه ويقدرونه حق قدره ، وكان هو ما جانبه على استعداد لمعاونة


كل الناس ، فإذا كانت هناك امرأة فقيرة تريد بعض الأخشاب للمدفأة ، كان يقوم بقطع بعض الفروع الجافة من الأشجار


ويعطيها للمرأة . وإذا غرزت عجلات احدى العربات فى الطين ، وأصبحت غير قادرة على الحركة ، كان


هو أول المتقدمين لمعاونة السائق حتى يخرج العربة من مأزقها ، وإذا أخطأ فى مرة وأعطى أحد المشترين أقل


مما يستحقه فإنه لا ينام الليل قبل أن يصحّح خطأة ويعطى للمشترى حقه ولو سار من أجل ذلك أميالا طويلة .


لقد اشتهر بين جميع الناس فى تلك المدينة الصغيرة بقوته وأمانته وقلبه الطيب الرحيم وأطلق عليه الناس اسم "الأمين ".


العراك


وفى تلك المدينة الصغيرة ، كانت مجموعة من الشبان ذوى الطباع الخشنة ، يرأسهم رجل قوى اسمه "جاك أرمسترونج"


وأعلن هؤلاء الشبان أن رئيسهم يستطيع أن يهزم "لينكولن "فى المصارعة بسهولة فائقة ، ولكن أحد التجار تحدّى


هؤلاء الشبان وقال إن "لينكولن" أقوى من "أرمسترونج" ، ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت المدينة الصغيرة


كلها تتجادل فى هذا الموضوع .


وبذل "لينكولن" كل ما فى وسعه حتى لا يُستدرج إلى هذا العراك ، ولكنه وافق فى النهاية حتى لا يفقد احترام


الناس ويظنوا أنه جبن وخاف . وفى اليوم المحدّد للعراك ، توجّه كل الناس إلى ميدان المعركة ، وكلهم كانوا


شغوفين بمعرفة النتيجة وأى الرجلين سيهزم الآخر . وكان وزن "لينكولن " فى ذلك الوقت (180 رطلا ) ، نحو (81.646 كجم).


وكان يتميز بذراعين طويلتين وقويتين . وما أن بدأت المباراة حتى تبيّن لجماعة "أرمسترونج" أن "لينكولن"


لا يقل عن رئيسهم قوة ولا ذكاء ، لذلك ، فقد حاولوا التدخل فى العراك لصالح رئيسهم ، فغضب " لينكولن " أشد


الغضب ، فهجم على غريمه ورفعه بذراعيه القويتين فى الهواء وأطاح به على الأرض غير قادر على الحركة ،


وبعد أن انتهى "لينكولن" من أمر "أرمسترونج" دعا كل أفراد الجماعة للعراك معه ، وقال إنه سوف يهزمهم


جميعا . وعندئذ تحرّك "أرمسترونج" وقام من رقدته وأمسك بيد "لينكولن" ورفعها قائلا : " إن المعركة كانت


عادلة ، وأن لينكولن هو المنتصر ، وأن لينكولن هو أقوى الرجال فى تلك المدينة ". وهكذا حلّت الصداقة محل


العداوة ، وأصبح "لينكولن " ضيفا كريما فى أى بيت من بيوت أفراد تلك الجماعة ورئيسها ، وسنرى فيما بعد


أن "لينكولن " قد أنقذ حياة أحد أبناء " جاك أرمسترونج".


محاربة الهنود الحمر


ولم يمر سوى أقل من عام حتى أغلق صاحب المتجر الذى كان يعمل فيه "لينكولن" حانوته ، وأصبح لينكولن


بالتالى بلا عمل ، وأصبح يقضى وقته فى القراءة والتحدث مع أحد المدرسين . ثم انضم بعد ذلك إلى جماعة


من الرجال أراد حاكم ولاية "اللينوى" استخدامهم للدفاع ضد هجوم متوقع من جانب الهنود الحمر الذين كانوا


يريدون استرداد الأرض التى باعوها من قبل . وعندما اجتمع هؤلاء الرجال فى ساحة المدينة ، الصغيرة ، اختاروا


على الفور "لينكولن" رئيسا لهم ، وقد فوجئ هو بهذا الاختيار واعتبره تشريفا وتكريما له ، بل اعتبره أفضل


من أى تشريف أو تكريم قُدّم له خلال حياته التالية ، ولحسن الحظ ، لم يحدث أى هجوم من جانب الهنود الحمر .


وبعد ثلاثة شهور عاد الرجال إلى بيوتهم دون أن يدخلوا مع الهنود الحمر فى أية معركة ، بل ولم ير "لينكولن "


من الهنود الحمر سوى هندى واحد من الهنود المسالمين ، كان بعض الجنود قد اعتقلوه وقرّروا إعدامه ، لولا أن


تدخّل "لينكولن" وأنقذ حياته .


لينكولن صاحب متجر


ولكن يبدو أن عمل "لينكولن" كبائع فى متجر ، كانت تجربة لم تخرج بعد من حياته ، فقد اشترك مع شخص


آخر يُدعى "بيرى" ، فى شراء متجر لبيع الحاجيات ، ولكن لا هو ولا بيرى كانا يملكان كثيرا من النقود ، لذلك


فقد اقترضا بعض الأموال حتى يتمكّنا من شراء المتجر. ولكن هذه التجربة لم تحقق أى نجاح ، وذلك لعدة أسباب


منها ، كثرة وجود المتاجر المماثلة فى تلك المدينة الصغيرة ، ومنها سبب رئيسى يرجع إلى " لينكولن" نفسه ،


فقد كان لا يُقبل على عمله كبائع فى هذا المتجر بالحماس الواجب ، كان منصرفا إلى قراءة الكتب أثناء عمله


بالمتجر ، بل وحين كان يحضر بعض الزبائن للشراء ، كانوا يجدونه جالسا فى ظل شجرة خلف المتجر مستغرقا


فى القراءة ، وأحيانا كثيرة كان يقوم بوزن السكر أو الدقيق لأحد الزبائن بيد واحدة ، أما يده الأخرى فتظل ممسكة


بكتاب لا يرفع عينه عن صفحاته .


فى قاع البرميل


وكان عدد الزبائن الذين يترددون على المتجر يتناقص كل يوم ، لذلك ، فقد كان "لينكولن" يجد فرصة أكبر


لمواصلة


القراءة دون الاضطرار لقطعها حتى يلبى طلب أحد هؤلاء الزبائن . وفى يوم ما ، جاءه زبون ، كان شخصا


مهاجرا إلى الغرب ومعه برميل قديم يريد أن يبيعه حتى يواصل طريق هجرته ، وكان "لينكولن " لا يريد شراء


البرميل ، ولكنه مع ذلك اشتراه من الرجل وأعطاه نصف دولار ثمنا لهذا البرميل القديم . وحين أراد "لينكولن "


تنظيف البرميل وإلقاء ما به من أوراق قديمة ، دهش كثيرا عندما عثر على كتاب قديم بقاع البرميل ، وكان كتابا


فى القانون ، كان كتابا لا يستغنى عنه المحامون ، وكان يبدو كما لو كان يقول لـ"لينكولن" :" هأنذا ، خذنى وأقرأنى


لقد وُلدت لتكون محاميا ". وقرأ "لينكولن" هذا الكتاب بكل الشغف وكل التركيز ، وفى أحد الأيام ، علم لينكولن


أن شريكه "بيرى" قد فرّ هاربا من المدينة إلى مكان مجهول حتى يتنصّل من الوفاء بما عليه من ديون ، وكان


فى وسع "لينكولن" أن يفرّ هو أيضا ، أو يفعل مثلما يفعل الكثيرون من غير الأمناء ، ولكنه طلب من الدائنين


أن يمهلوه إلى حين ميسرة ووعدهم بأنه سيرد إليهم أموالهم مهما اقتضى الأمر . وهكذا ، استطاع لينكولن أن يدّخر


بعضا من النقود ، كان يدفعها كلها وفاء لهذا الدين . ومن الغريب ، أنه ظل يدفع أقساط هذا الدين لسبع عشرة


سنة متوالية ، حتى انتهى أخيرا من دفع جميع ما كان عليه من ديون .


لينكولن صانع القانون


وكانت السنوات التالية من حياة "لينكولن" ، سنوات صعبة حافلة بالجهد والعمل ، فقد اكتسب محبة الناس واحترامهم


وربما كان نجاحه فى الانتخابات واحتلاله مركزا مرموقا فى حكومة الولاية ، يرجع أساسا إلى اقتناع الفلاحين


والناس البسطاء به وتأييدهم له ، باعتباره شخصا بسيطا مثلهم يمكنه أن يتفهم مطالبهم وآمالهم ويستطيع أن يرفع


صوتهم إلى حكومة الولاية ، لقد أحبه هؤلاء الناس وساعدوه مثلما كان يساعدهم . وعندما نجح فى الانتخابات


لأول مرة ، ذهب إلى أحد أصدقائه من الزارعين وسأله :" هل اخترتنى فى الانتخابات "، فلما أجاب الصديق


بالإيجاب ، قال له لينكولن :" حسن ، أنا أريد الآن أن أشترى بعض الملابس اللائقة بدلا من ملابسى القديمة


وأريد أن أقترض مائتى دولار ". ولأنه كان مازال قليل الخبرة بأعمال الحكومة ، فلم يحاول أن يتقدم أو يتولّى


المناصب الرئيسية القيادية ، بل عمل فى صمت فى خدمة الناس ، واكتسب أيضا محبة واحترام زملائه فى الحكومة .


وكان انتخابه لأول مرة فى سنة 1834 يعتبر فاصلا بين مرحلتين فى حياته ، فقد كان نهاية للمرحلة الفقيرة


القلقة التى عاشها بين فقراء المزارعين الذين يرحلون من مكان إلى آخر سعيا وراء الرزق أو ما يسد رمقهم ، كما كان


بداية لمرحلة أخرى من الحياة يحتك فيها بكثير من المتعلمين والمتنورين وأصحاب الأفكار الجيدة . وخلال السنوات


الثمانى التى قضاها "لينكولن" كعضو منتخب فى حكومة الولاية ، كان يدرس القانون ليل نهار ، وبعد انقضاء


هذه السنوات ، رحل إلى مدينة سيرنج فيلد ، بولاية "اللينوى" ، وهناك التحق بمكتب محام كبير وبدأ


فى


ممارسة مهنة المحاماة ، وكان عمره أيامئذ نحو تسع وعشرين عاما ، ولم يكن فى جيبه أكثر من سبعة


دولارات لا تكفى حتى لتأجير غرفة مناسبة يعيش فيها ، ولكنه مع ذلك بدأ هذه المرحلة من حياته بروح


متفائلة مستبشرة .


لينكولن المحامى


وظل "لينكولن" يعمل بالمحاماة على مدى خمس وعشرين سنة متواصلة ، عُرف خلالها بأنه المحامى الأمين


الذى لا يتكلم إلا بالحق والذى لا يصنع إلا ما يظن أنه الصواب والعدل ، وكان يساعد الناس فى حلّ مشاكلهم


فعندما يتشاجر شخصان أو يتنازعان على شئ ما ، كان يقنعهما بحل المشاكل بطريقة ودية بدلا من اللجوء إلى


المحاكم ، وكان إذا شعر بأن أحد زبائنه لم يكن على صواب أو يطالب بشئ غير الحق ، كان يمتنع على الفور


عن الدفاع عنه ، وكان لا يحصل من الزبائن إلا على أجر عادل ليس فيه إجحاف بحقوقهم . وعندما كان الناس


يتحدثون عنه أو يلوكون سيرته طيلة هذه السنوات ، كانت أقوالهم لا تخرج عن الأقوال التالية : يا له من شخص


طويل ، قوى العضلات ، سريع الحركة ، غير أنيق فى ملبسه أو فى ملامحه . كم هو قادر على ذكر القصص


الطريفة التى تسرّ السامع ، وكم هو رحيم وطيب القلب . إنه يشعر بحزن عميق ويلزم الصمت فى بعض الأحيان .


إنه يتطلع دائما لأية فرصة يتعلم فيها شيئا جديدا . كما هو مستعد دائما لمعاونة أى صديق وأى غريب بل وأى


حيوان أعجم .


وفى تلك الأثناء ، كان قاضى المحكمة ، يتنقل بمحكمته من قرية إلى قرية ، ومن مدينة صغيرة إلى مدينة


صغيرة أخرى ، وكان المحامون - ومن بينهم - لينكولن - يتتبعون هذه المحكمة أينما ذهبت أو تنقلت


ولذلك ، فقد ذاع صيته واتسعت افاق شهرته .


براءة بدلا من الإعدام


وفى يوم ما ، ترك "لينكولن" كل أعماله وسافر ليواسى أرملة صديقه القديم "جاك أرمسترونج" بعد موته بأيام


قليلة ، وهناك علم أن "داف" ابن أرمسترونج ، قد وقع فى مأزق خطير ، حيث وُجهت إليه تهمة القتل ، وهى جريمة


عقوبتها الإعدام . وكانت وقائع تلك التهمة تتلخّص فى أن "داف" ورجلا آخر قد شربا كثيرا من الخمر حتى


سكرا ، ثم بدآ فى الشجار والعراك ، حيث وجّه "داف" ضربة قوية نحو رأس غريمه ، فسقط على الأرض وبعد


خمسة أيام مات الرجل . وبالرغم من أن "لينكولن " يعرف الكثير عن أسرة أرمسترونج ، ويعرف أن "داف"


الابن كان طائشا ، إلا انه كان مقتنعا بأن "داف" مهما كان مسيئا ، إلا أنه لا يمكن أن يُقدم على قتل إنسان ، أو يجعل


القتل أحد أهدافه ، لذلك أصرّ "لينكولن " على الدفاع عنه وتبرئته وإنقاذه من حبل المشنقة . وكان الشاهد الوحيد


يعمل نقاشا اسمه "آلين" ، وكان قد شهد بأنه رأى المشاجرة التى حدثت بين الرجلين ، ورأى "داف" يوجّه


الضربة القاتلة إلى رأس غريمه ، وكانت شهادته على النحو التالى :


س : متى حدثت المشاجرة .


ج : بين الساعة العاشرة والحادية عشرة مساء .


س : وهل كان هناك ضوء كاف يمكّنك من رؤية كل تفاصيل العراك .


ج: كان القمر بدرا كاملا ، وكان يتخذ فى السماء موضعا مثل موضع الشمس فى الساعة العاشرة صباحا .


وقدّم "لينكولن " إلى المحكمة ، كتابا علميا يثبت أن القمر قد غرب فى منتصف الليلة التى حدث فيها العراك


وأنه لذلك يكون ماثلا تماما نحو الغرب ، فيما بين الساعة العاشرة والحادية عشرة من تلك الليلة ، وبالتالى


يكون القمر خافت الضوء بطريقة لا يمكن معها رؤية تفاصيل العراك بوضوح ، وبما أن هذا الشاهد قد كذب


فى موضوع ضوء القمر ، فمن المحتمل أن يكون قد كذب أيضا فى موضوع تلك الضربة القاتلة . وترافع


لينكولن أمام المحلّفين الاثنى عشر الذين سيقرّرون ما إذا كان "داف" مدانا أم بريئا ، أوضح لهم أنه يعرف أسرة


أرمسترونج منذ مدة طويلة ، ويعرف أنها أسرة عادية ، قد تكون قد ارتكبت أخطاء عادية مثل الأسر الأخر ولكنها


لم تكن أبدا أسرة شريرة . وأوضح لهم أيضا أن الابن "داف" قد يكون شابا متهوّرا أو طائشا مثل الكثيرين من قرنائه


من الشباب ، وأن هذا الدرس الذى تلقاه من هذه التجربة المريرة سيجعله ملتزما بسلوك أفضل بين الناس ولذلك


فإن من الظلم أن يُحكم عليه بالإعدام لجريمة لم يرتكبها . وهكذا حكمت المحكمة ببراءة " داف" ، وعندما أطلق


سراحه ، قال له " لينكولن " نصيحة غالية :" فلتذهب الآن يا داف إلى بيتك ، ولتكن شابا صالحا ، وإياك أن


تضع نفسك مرة أخرى فى مشاكل جديدة ".


مسألة العبيد


وخلال عمل "لينكولن " بمهنة المحاماة ، فإنه لم يتخل تماما عن دوره الحكومى ، فقد اتسعت اهتماماته وشملت


موضوعات كثيرة كان أهمها موضوع العبيد. وكانت مسألة العبيد تشغل بال الكثير من الأمريكيين فى تلك الفترة ،


فقد كان المهاجرون يتدفقون فى أعداد كبيرة نحو الغرب ، وأخذوا يهيئون الأراضى للزراعة على نطاق واسع


وينشئون العديد من القرى والمدن والولايات الجديدة . وكان نظام استخدام العبيد مسموحا به فى الولايات الجنوبية


وغير مسموح به فى الولايات الشمالية ، ولكن ماذا عن الولايات الجديدة التى بدأت تنشأ فى الغرب ، هل


يُسمح فيها بتطبيق نظام استخدام العبيد ، أم يُحرم فيها هذا النظام كما هو الحال بالنسبة للولايات الشمالية .


انقسم الناس فى هذا الأمر واختلفوا ، بعض الناس يقولون نعم ، وبعضهم يقولون لا ، وآخرون يقولون أن حسم


هذا الموضوع يجب أن يُترك لسكان هذه الولايات الغربية الجديدة ليقرّروا بأنفسهم النظام الذى يرغبون فى تطبيقه


كان الموضوع شائكا وعويصا ، ولكنه كان على قدر كبير من الأهمية . وكان " ستيفن دوجلاس" يعتبر فى تلك


الفترة أحد القادة الكبار فى الولايات المتحدة الأمريكية ، وكان شخصا ذكيا ، يتمتع بشخصية قوية وبقدرة فائقة


على الخطابة ، وكان محل إعجاب الجماهير الأمريكية ، وكان يرغب فى ترشيح نفسه ليصبح رئيسا للولايات


المتحدة الأمريكية . لذلك فقد كان يحاول إرضاء سكان الولايات الجنوبية والشمالية فى نفس الوقت ، ولكنه لم ينجح


فى إرضاء هؤلاء ولا أولئك . أما "إبراهاما لينكولن " فقد كان لا يرى وجوب تحرير العبيد مرة واحدة أو إلغاء


هذا النظام هكذا بجرّة قلم ، ولكنه كان يؤمن تماما بأن نظام العبودية نظام كريه وغير إنسانى ، وبالتالى فقد كان


لا يريد تطبيق هذا النظام أو السماح به فى الولايات الغربية الجديدة ، وكان يقول فى هذا الشأن :" عندما يحكم


الرجل الأبيض نفسه بنفسه ، فهذه هى الحكومة الذاتية ، ولكن عندما يريد الرجل الأبيض أن يتحكم فى غيره


من الملوّنين فهذا هو الاستبداد والطغيان ، ولا يجب إطلاقا أن يتحكم الإنسان فى أخيه الإنسان دون رغبة


هذا الأخير أو موافقته ". وهكذا بدأت معركة الحرية وتحرير الإنسان من قيود العبودية ، وما أن شرع "لينكولن "


فى أول خطواته فى تلك المعركة ، حتى قرّر أن يواصل جهوده حتى النهاية ، وكتب لأحد أصدقائه خطابا يقول فيه :"


إنى أؤمن بوجود الله ، وأعرف أن الله لا يقبل الظلم ولا يرضى بأن يستعبد الإنسان أخاه الإنسان ، وإنى أرى


أن العاصفة قادمة لا محالة ، وأعرف أن الله معى ، وأنا مستعد أن أبذل كل جهدى وحياتى لتحقيق الحق ،


فأنا لا شئ على الإطلاق ، أما الحق والعدل فهما كل شئ ".


لينكولن ودوجلاس


سافر لينكولن ودوجلاس إلى جميع أنحاء ولاية "اللينوى" ، وعقدا عدة اجتماعات حضرها آلاف من الناس وفى


كل اجتماع من هذه الاجتماعات كان كل منهما يخطب فى جماهير الحضول لعرض افكاره ومبادئه ومعتقداته .


وكانت الجماهير تصغى إلى كل منهما بدهشة وانبهار ، فقد كان دوجلاس خطيبا بارعا مفوّها ، كما كان لينكولن


خطيبا بسيطا وقويا فى نفس الوقت وكلامه يدخل إلى القلب مباشرة ، وانقسم الناس حيال هذين الخطيبين ، فكان


بعضهم يؤيد أفكار دوجلاس، وبعضهم يؤيد أفكار لينكولن ، وربما كانت هذه الخطب التى ألقاها لينكولن هى التى


أذاعت شهرته فى أوسع الآفاق كما أن الأفكار التى نادى بها فى تلك الخطب أكسبته المزيد من التأييد والاحترام .


وقد أجريت انتخابات الرئاسة سنة 1860 ، وعندما أعلنت نتيجة الانتخابات ، علت الدهشة وجه لينكولن ، ووجوه


كل أصدقائه ومؤيديه ، لقد أصبح " إبراهام لينكولن " ذلك المحامى الريفى البسيط الذى لم يكن معروفا منذ سنوات


قليلة ، رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية .


فى البيت الأبيض


وفى 11 فبراير 1861 ، غادر لينكولن بلدته سبرنج فيلد ، ليبدأ رحلته الطويلة إلى واشنطن ، مصطحبا معه


زوجته وأبناءه الثلاثة الصغار ، وقبل أن يبدأ القطار مغادرة المحطة ، رفع لينكولن قبعته تحية لمودعيه من الأصدقاء


والجيران وترقرقت فى عينيه الدموع وهو يلقى فيهم خطبة قصيرة قال فيها :" أصدقائى ، إنى مدين لهذا المكان


وأهل هذا المكان بكل شئ ، لقد عشت بينكم هنا أيها الناس الطيبون ، عشت بينكم كل صباى وشبابى ، وفى هذا المكان


أيضا وُلد أبنائى ، وفيه أيضا دُفن أحد أبنائى ، وانا أترككم الآن دون أن أعرف متى أعود إليكم بل ودون أن أعرف


إن كنت سأعود إليكم أم لا ، ولكن الله سيكون معى هناك فى واشنطن وسيكون معكم أيضا فى نفس الوقت ، فثقوا


فى الله كما أثق فيه ، ولندعوه جميعا أن يُلهمنا القدرة على فعل الخير والعمل الصالح ".


وهكذا بدأ


لينكولن عمله الصعب وهويثق فى الله . وفى واشنطن ، تقلّد منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فى جو


تكتنفه أصعب الظروف . كانت هناك سبع ولايات جنوبية أعلنت انفصالها عن الاتحاد ، واختارت لنفسها رئيسا


آخر ، لأن هذه الولايات كانت تعتمد على نظام استخدام العبيد ، وهو نظام كانت تعارضه الولايات الشمالية .


وكانت الولايات الشمالية نفسها نعانى من بعض الاضطرابات وكان معنى السماح بانفصال الولايات الجنوبية


أن الدولة كلها ستنهار ولن تكون هناك أمة أمريكية موحّدة ، فما العمل . كان على الرئيس لينكولن أن يحدّد الإجابة


على هذا السؤال ، كان عليه أن يجد حلا لكل هذه المشاكل الشائكة البالغة الصعوبة والتعقيد ، وذلك بالرغم من أنه


كان قليل الخبرة بمثل هذا النوع من المشاكل المعقدة ، وبالرغم من أنه كان محاطا بمجموعة من المستشارين


الضعاف ، بينهم مستشار كان يظن فى نفسه القدرة على حل كل تلك المشاكل ، وكان يرغب فى أن يترك له


الرئيس حرية التصرف فى كل شئ .


وبدأت الحرب الأهلية


وتلاحقت الأحداث بسرعة شديدة ، كانت هناك قلعة اسمها "فورت سومتر" تقع فى احدى الولايات الجنوبية


وكان يشغلها جنود تابعون للولايات الشمالية ، وطلب جنود الجنوب من جنود الشمال أن يسلّموا القلعة لهم ويرحلوا .


رفض جنود الشمال هذا الطلب ، فهجم جنود الجنوب على القلعة لمدة يومين متواصلين حتى سقطت القلعة فى


أيديهم ، وهكذا بدأت الحرب الأهلية الكبرى بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية ، واستنفر الرئيس لينكولن


جيش الشمال ، كما أعدت الولايات الجنوبية جيشها وجهزته للحرب ، وسرعان ما نشبت المعارك بين الفريقين .


استمرت هذه الحرب الأهلية الكبرى على مدار سنوات أربع طويلة ، سقط فيها مئات الآلاف من القتلى من شباب


الفريقين ، ولم يعد هناك سوى الحزن العميق والمعاناة الشديدة وأخبار الموت فى كل هذه الولايات المتحاربة .


وازداد الأمر سواء حين انقسمت الأسر على نفسها وأصبح بعض أفراد الأسرة الواحدة يؤيدون الشمال وبعضهم


يؤيدون الجنوب ، وكان كل فريق منهما ينضم إلى الجيش الذى يؤيده ، وهكذا أصبحت الأسرة الواحدة تحارب


بعضها بعضا كما أصبح الأخ يحارب أخاه . وكانت الولايات الشمالية سيئة الحظ فى بدء الحرب ، خصوصا


بالنسبة لسوء اختيار الضباط الذين كانوا يتولون قيادة الوحدات المحاربة ، كما كان الجنود فى جيش الجنوب


يحاربون بشجاعة وحماس زائد . ودارت المعارك الحربية فى الشمال وفى الجنوب وفى الغرب ، وكان كل من


الفريقين يتعرض للهزيمة أو يحوز النصر حسب أحوال كل معركة ، وجاء وقت أوشك فيه جيش الجنوب أن


يصبح قريبا من واشنطن نفسها ، ولكنه سرعان ما أجبر على التقهقر، وهكذا استمرت المعارك تدور وتشتد


بين الجنوب والشمال حتى أصبح الكثيرون يظنونها حربا بلا نهاية . وكان الرئيس لينكولن ، يدير الأمور


من مقره فى البيت الأبيض وقلبه مفعم بالحزن العميق ولكنه كان ثابت الجأش ، يثق تماما فى أن السلام سيعود


مرة أخرى إلى الولايات الأمريكية ، وستعود الولايات المتحدة الأمريكية دولة موحّدة . كان كثيرون يشتكون


من تصرفاته وآوامره ولكنه كان يستمع إليهم بهدوء وصدر رحب وكان البعض يقفون ضده علانية ولكنه لم


يتخذ ضدهم أى إجراء غاضب ، كان قلبه الكبير يتسع لكل لك المتاعب والمشاق ، و، وازداد تمسكه بأن تصل الأمور
إلى نهايتها المحتومة ، وهى إقرار السلام وعودة الأمور إلى نطاقها السليم . ورويدا رويدا ، بدأ الناس البسطاء
العاديون فى كل الولايات يشعرون بأن الرئيس الجالس فى البيت الأبيض رئيس عظيم ، ورجل من أعظم
الرجال الأمريكيين المخلصين ، ولكن لينكولن ، كان له عيب خطير ووحيد ، كان يسبّب قلقا لدى معظم ضباط
الجيش ، فقد كان يحب الناس حبا جما ، وكان يقدّر الضعف الإنسانى الذى قد يصيب أى واحد من البشر
ولذلك فقد كان يعفو عن الأخطاء التى قد يرتكبها أى إنسان ، ويحاول فى الوقت نفسه أن يعيد هذا الإنسان
المخطئ إلى سواء السبيل . كان لينكولن ، يعارض مثلا فى منح وحدات الجيش حق إنشاء محاكم ميدانية لمحاكمة
الجنود الذين يفرون من المعركة أو الذين يُضبطون نائمين أثناء نوبتهم فى الحراسة ، وإصدار الأحكام بإعدامهم .
وكان يقول دائما يجب العفو عنهم وإعطائهم فرصة أخرى . ولكن ضباط الجيش كانوا لا يفضلون مثل هذه الطريقة
الرحيمة فى معالجة مثل هذه الأخطاء العسكرية التى كانوا يعتبرونها من الجرائم الخطيرة التى تستحق عقوبة الإعدام .
كذلك ، فقد كان يستجيب لرغبة أم ، تذرف الدموع مطالبة بالعفو عن ابنها ، أو يستجيب لنصيحة غلام صغير
يتوسل مطالبا بالعفو عن أبيه ،كانت مثل هذه الأشياء تمس شغاف قلبه .
لينكولن والجندى
والقصة التالية تعتبر نموذجا لما سماه البعض "ضعف الرئيس" ، ففى أحد الأيام وصل ضابط برتبة كابتن ومعه
بعض الجنود إلى البيت الأبيض ليعرض على الرئيس موضوع أحد الجنود الشبان الذى ضُبط نائما أثناء نوبة
الحراسة وقرّر قادة الوحدة العسكرية التى يتبعها هذا الجندى الحكم بإعدامه رميا بالرصاص . واستعطف الكابتن
الرئيس لكى يتدخل فى الأمر لإنقاذ هذا الجندى من الإعدام . وبعد بضع ساعات قليلة ، اندهش هذا الجندى
المحبوس تحت الحراسة فى احدى الخيام عندما رأى الرئيس أمامه ، وكان الرئيس فى الوقت نفسه يعتبر
قائدا أعلى لجيش الولايات الشمالية . سأل الرئيس الجندى عن بيته واسرته ومزرعة الأسرة ، وشاهد صورة
الأم التى يحتفظ بها الجندى ، وقال له الرئيس : لقد نشأن أنا نفسى فى مزرعة مثل مزرعة أسرتك ، وإذا قررت
أن أعفو عنك وأطلق سراحك فإن عليك أن تدفع ثمنا غاليا نظير ذلك .
تهلّل وجه الجندى بالبشر والفرح وقال :
إنى متأكد يا سيدى أن أبى سيفرح لذلك وأنه على استعداد أن يبيع جزءا من أرض المزرعة ليدفع الثمن المطلوب.
وقال الرئيس لينكولن : لا ، ليس هذا كافيا ، إن عليك وحدك أن تسدد هذا الثمن ، وهو أن تثبت أنك جندى
شجاع مخلص لجيش الاتحاد .
ووضع لينكولن يده على رأس الجندى حين أقسم الجندى بأنه سيكون مخلصا للجيش وسيكون محلا لثقة الرئيس
وسيحارب بكل ما يملك من شجاعة ودفع هذا الجندى الثمن فيما بعد ، فقد أثبت شجاعة فائقة فى الحرب وبينما
كانت المعركة مع العدو على أشدها ، قفز هذا الجندى إلى النهر لينقذ بعض الجرحى من زملائه الجنود ، وظل
يقوم بهذه العملية إلى أن أصيب برصاص العدو إصابة بالغة ، وحين كان يحتضر ويلفظ آخر أنفاسه ، كان يشكر
الرئيس لينكولن الذى أتاح له هذه الفرصة لكى يستشهد بشجاعة فى سبيل وطنه .
تحرير العبيد
كان "إبراهام لينكولن " يكره نظام العبودية إلى أقصى حد ، ولكنه كان يدرك عدم إمكان إطلاق حريات كافة
العبيد دفعة واحدة ودون أن يتم تعويض ملاّك العبيد ، وكان يعرف جيدا أن مثل هذا القرار سيُغضب الولايات
الجنوبية . وكان الهدف الأول أمامه هو إعادة توحيد الأمة ، وعدم تجزئة الولايات الأمريكية ، وكتب فى هذا
الشأن يقول :" إن أهم أهداف هذه الحرب الأهلية هو إعادة توحيد الأمة ، ولو كان فى استطاعتى أن أحقق
هذا الهدف دون تحرير العبيد ، لفعلت ، ولو كان فى استطاعتى أن أحقق هذا الهدف مع تحرير العبيد فى
نفس الوقت لفعلت ذلك على الفور ، وكل ما سوف أفعله نحو العبيد والملونين بصفة عامة هو فى صالح
الاتحاد ".
وبينما كانت الحرب مستمرة ، كان لينكولن يقول دائما إنه من المستحيل أن تكون هناك دولة موحّدة ، نصفها
من العبيد ، ونصفها الآخر من الأحرار ، ويجب أن يُلغى نظام العبودية . وكان عليه أن يتخذ قرارا شجاعا :
فبينما كانت الحرب دائرة ، وقّع "إبراهام لينكولن " على وثيقة فى غاية الأهمية ، أعلن فيها تحرير جميع
العبيد فى الولايات المنفصلة التى أعلنت الحرب على الاتحاد ، وكان معنى هذا القرار هو إعلان تحرير نحو
ثلاثة أو أربعة ملايين من العبيد عند انتهاء الحرب لصالح الاتحاد .
خطبة جتيسبورج
وقعت أشرس معارك هذه الحرب فى منطقة جتيسبورج ، ففى هذه المعركة اندحر جيش الجنوب وانهزم هزيمة
ساحقة ، وانسحبت فلوله عائدة إلى الولايات الجنوبية ، وقد سقط فى هذه المعركة عدة آلاف من الجنود والضباط
من الجيشين المتحاربين ، وقد دفن هؤلاء القتلى جميعا حيث سقطوا فى ميدان المعركة . وقد نظم عقد اجتماع
كبير فى نفس المكان الذى دارت فيه تلك المعركة الكبيرة ، وذلك لتكريم الجنود الشجعان الذين قتلوا من الجانبين
المتحاربين ، وحضر الاجتماع عدة آلاف من الناس من كافة المناطق المجاورة ، وذلك للاستماع إلى الخطب
التى سوف يلقيها " مستر ايفريت " ممثل الجنوب ، و" إبراهام لينكولن " رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، وكان
مستر "ايفريت " عميدا لاحدى الكليات وعلى علم واسع ،وخبرة لا حد لها نتيجة أسفاره إلى الخارج مرات عديدة
وبالإضافة إلى ذلك ، فقد كان متمكنا من فن الخطابة وله قدرة فائقة على الإقناع . ووقت مستر "أيفريت " وألقى
خطبة جاوزت الساعتين ، ولم يكن أمام "لينكولن " كثير من الوقت ليعد خطبته لدرجة أنه انتهى من كتابة
هذه الخطبة قبل أن يشرع فى التوجه إلى جتيسبورج بدقائق قليلة ، وقف لينكولن ، أمام كل هذا الجمع الحافل
بجسمه الطويل النحيف ، ووجه الذى ترتسم عليه كل ملامح الحزن بسبب هذه الحرب ، ظل صامتا لحظة
ثم بدأ يتكلم كما لو كان لا يرى كل هذا الجمهور أمامه ، تكلم ببطء ولكن بصوت مرتفع لمدة ثلاث دقائق
ثم جلس على مقعده . وعندئذ التفت أحد الرجال الجالسين جوار مستر "إيفريت" وقال له :" يبدو أنه فشل
فى الرد على خطبتك ، إنى آسف له أشد الأسف ". ولكن لينكولن قدم إليهم الخطبة المكتوبة وما أن قرأوها حتى
تبين لهم ولجمهور الحاضرين نبل المعانى التى تتضمنها هذه الخطبة ، كانت مكتوبة بلغة إنجليزية رفيعة المستوى
تحفل بمعانى النبل والعفو عند المقدرة ،وقد اعتبرت هذه الخطبة واحدة من أعظم الخطب السياسية والوطنية
فى العالم ، وقد اشتهرت خاتمتها التى تقول :" ستشهد هذه الأمة برعاية الله مولدا جديدا للحرية ، وإن الحكومة
التى أوجدها الشعب الطيب لصالح الشعب لن تختفى من على وجه الأرض".

نهاية الحرب الأهلية

وفى سنة 1864 ، أعيد انتخاب لينكولن مرة ثانية رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ، وكان له أعداء كثيرون

كانوا يعملون على إسقاطه ، ولكن الأغلبية من الناس العاديين كانوا يثقون فيه وفى قدراته على قيادة الاتحاد فى هذا

الوقت العصيب ، وفى بداية فترة رئاسته الثانية ، كانت هناك بوادر تؤكد قرب انتهاء الحرب ، فقد أصبح جيش

الشمال أكثر قوة ومقدرة ، كما أصبح قادته أفضل مما كانوا عليه من قبل ، كذلك فقد بدأ جيش الجنوب يتقهقر

ببطء بعد أن مُنى بهزائم متوالية . وعندما أدرك لينكولن أن الحرب أصبحت وشيكة بالانتهاء بنصر حاسم لجيش

الشمال ، بدأ يضع خطط ما بعد الحرب ، كان عليه أن يقرّر كيفية إعادة السلام بين الولايات الشمالية و الولايات

الجنوبية ، وبين هؤلاء الذين كانوا يكرهون بعضهم بعضا ويقتلون بعضهم بعضا ، كان عليه أن يزيل كل تلك

الكراهية ليحل محلها السلام والوئام ، ليعيش الجميع كأمة واحدة فى تناغم واحد .

الموت

ولكن كانت هناك تيارات لا تريد لكل تلك الأحلام أن تتحقق ، ولم تترك بالتالى فرصة للرئيس أن يحقق آماله

وأحلامه لصالح الأمة ، وكان هناك شاب جنوبى يدعى "جون بوث" ، كان يكره الشماليين كلهم بما فيهم الرئيس

وقد وضع هذا الشاب خطة لقتل الرئيس منذ مدة ، ولكن الانتصارات الحاسمة التى حققها الشماليون جعلت هذا

الشاب يعجّل بتنفيذ خطته . وفى مساء 14 إبريل 1865 ، ذهب الرئيس لينكولن ومعه زوجته إلى أحد المسارح

فى واشنطن ، وكان "جون بوت" مستعدا لارتكاب جريمته وأعد جميع الخطوات بعناية ودقة ، وتسلل "بوث"
بهدوء إلى المقصورة التى يجلس بها الرئيس وحرمه وصوّب مسدسه إلى رأس الرئيس من جهة الخلف ، وأطلق

النار ، ثم ضرب أحد الرجال الذين أسرعوا لمحاولة القبض عليه ، ولكنه استطاع أن يفلت منهم ، ثم قفز إلى خشبة

المسرح بين الممثلين وانطلق إلى حصان كان ينتظره عند الباب الخلفى للمسرح ، ونُقل الرئيس لينكولن إلى بيت

قريب عبر الشارع واسرع إليه الأطباء لإسعافه ولكنه لفظ آخر أنفاسه فى صباح اليوم التالى ، ولا يمكن وصف

مشاعر الناس فى كل الولايات المتحدة الأمريكية حين وصلتهم أنباء مصرع رئيسهم المحبوب ، لقد بكاه الرجال

بالدموع وحتى الجنوبيين أنفسهم حزنوا عليه حزنا شديدا لأنهم أدركوا أنهم قد فقدوا صديقا ذا قلب رحيم ، ونقلت

جثته فى قطار حملها إلى مدينة سبرنج فيلد بولاية "اللينوى" ، وفى كل ولاية وفى كل مدينة كبيرة أو صغيرة

وفى كل قرية ، وقف الناس صامتين حدادا وحزنا واحتراما لهذا الرجل العظيم الذى بدأ حياته فى كوخ فقير مشيّد

بجذوع الأشجار ، وما زالت ذكراه موضع الاحترام والتبجيل لدى الشعب الأمريكى وفى جميع الولايات المتحدة

الأمريكية .

"انتهى عرْض شخصية إبراهام لينكولن من الكتاب"

وتبقى لنا كلمة

حركة وطنية أمريكية لمواجهة اللوبى الصهيونى

إن الفكر الأمريكى المعاصر الذى استباح حرمات الشعوب فى فيتنام وكوبا وكوريا ، والآن فى أفغانسان والعراق

وفلسطين ، والتحرشات بسوريا وإيران ، والوقيعة فى الصومال والسودان ، وغيرها من بلدان العالم ، هذا الفكر

الأمريكى المعاصر الذى يسعى لاستعباد الشعوب ويرتكب من الفظائع والآثام والجرائم ما يند له جبين الإنسانية .

ورغم الهزائم والمستنقعات التى يقع فيها الأمريكيون المعاصرون من مواجهات دامية وشجاعة مع أهل هذه البلدان

إلا أنهم للأسف لا يتعلمون من أخطائهم ، حيث تعتمد نظرية أمريكا فى حماية نفسها - كما تعتقد - بإضعاف

الشعوب من حولها ، بدلا من أن تعتمد على تقوية نفسها ، وتعزيز مكانتها الدولية بالحق والعدل . وحيث يُعد

نموذج الرئيس "إبراهام لينكولن " ، نموذج حديث يمكن للأمريكيين المعاصرين استلهامه فى تسيير شئون حياتهم

المعاصرة والمستقبلة ، وحيث يجب أن تنهض حركة وطنية أمريكية مخلصة للشعب الأمريكى تعمل على عدة

محاور:

أولا :

مواجهة اللوبى الصهيونى الذى يسيطر على أمريكا ، ويجعلها تعمل على عكس مصالحها ، فلقد أصبحت

أمريكا بلدا يكرهه الجميع بلا استثناء ، وكل ذلك بسبب هذا اللوبى الصهيونى الذى يتحكم فيها .

ثانيا :

أن يقوم رجال أعمال أمريكيون مخلصون لبلدهم وشعوبهم بإدخال مفاهيم اشتراكية فى عملهم من حيث

تقليل الأسعار ، زيادة العمال ، تحسين أوضاع العمال .

ثالثا :

مواجهة الإباحية الجنسية التى تفتك بالجسد الأمريكى والغربى عامة ، والعودة إلى الأخلاق .

وإذا بدأ

هؤلاء الآن ، ففى سنوات قادمة يتغير بها حال الولايات المتحدة الأمريكية ، و رجائى هو تعميم نموذج إبراهام لينكولن

فى الفكر الأمريكى الحديث ليكون نواة لفكر معاصر أمريكى جديد يعتمد على الحق والعدل .