Thursday, May 17, 2007

الخصوصية والعمومية فى الثورة الفلسطينية - افتتاحية بقلم لطفى الخولى 1970

الصور الثلاث مأخوذة من مجلة " العربى " مايو 2007 ، إعداد وتنفيذ الدكتور محمد محمود الصياد ، وهى تشرح قضية فلسطين بين الانتداب والانتهاب
الصورة الأولى : مشروع تقسيم عام 1937، حيث تشير المنطقة المظلّلة باللون الأخضر إلى المنطقة العربية ، وتشير المنطقة المظلّلة باللون الأصفر إلى المنطقة اليهودية ، وتشير المنطقة المظلّلة باللون الأحمر إلى منطقة تحت الانتداب البريطانى
الصورة الثانية : تقسيم فلسطين وفقا لقرار الأمم المتحدة عام 1947 ، حيث تشير المنطقة المظلّلة باللون الأخضر إلى الدولة العربية ، وتشير المنطقة المظلّلة باللون الأصفر إلى الدولة اليهودية المغتصبة " اسم فاعل" ، وتشير المنطقة المظلّلة باللون الأحمر إلى منطقة القدس المدولة
الصورة الثالثة : " نهاية المأساة" ، تشير المنطقة المظلّلة باللون الأخضر إلى ما بقى للعرب، وتشير المنطقة المظلّلة باللون الأصفر إلى الدولة اليهودية المغتصبة


المقال "الافتتاحية " بقلم : لطفى الخولى 1970
ليس معنى أن القضية الفلسطينية ، جزء لا يتجزأ من القضية العربية ، أن نغفل أو نتجاهل " خصوصية القضية الفلسطينية " بما يكتنفها من
ظروف و أوضاع ، بل وفريدة فى نوعها . ليس فقط بالقياس إلى حركة التحرّر العربى ، بل و إلى جميع تجارب حركات التحرّر فى العالم .
ولعل هذه " الخصوصية " تنبع من تناقض واقعين محدّدين : واقع الاحتلال الصهيونى الاستيطانى لأرض فلسطين وتشريده لغالبية شعبها
طوال اثنين وعشرين عاما. وواقع هذا الشعب المشرّد الذى راح يكثف جهوده ويبلور قواه ويجمع شتاته فى حركة تحرير وطنية مسلّحة ، وذلك
منذ ثلاثة أعوام فحسب. و " خصوصية " القضية الفلسطينية ، لا تعنى انفصالها عن " عمومية " القضية العربية . أو بتعبير آخر عن السمات
المشتركة لحركة التحرّر العربى والتى يمكن أن تتحدّد فى نضالها ضد الإمبريالية والاستعمار القديم والجديد ، والتخلّف الاقتصادى والاجتماعى
والتكنولوجى ، والتفتّت القومى . وإنما يعنى أن حركة التحرّر الفلسطينية وهى تحمل كل هذه السمات العامة ، تنطلق من أرضية ذات ظروف
واعتبارات مختلفة عن أرضية حركة التحرّر فى مصر أو سوريا أو العراق أو الجزائر أو السودان أو ليبيا الخ . وهى ، لا تنفرد وحدها بالخصوصية .
بل إن كل حركة تحرير وبناء سياسى واجتماعى فى كل بلد عربى لها أيضا خصوصيتها ، التى بدون اعتبارها تورّط مسيرتها فى حسابات خاطئة .
يمكن مثلا أن نلمس جانبا من جوانب خصوصية قضية ليبيا فى ضخامة المساحة الجغرافية التى تصل إلى حوالى ثلاثة ملايين كيلو مترات مربعة
وذلك بالقياس إلى ضآلة حجم السكان الذى يقل عن مليونى نسمة . وهو وضع يختلف عن أوضاع كل من سوريا ومصر والجزائر. ويمكن أيضا
أن نلمس وجها من وجوه الخصوصية للقضية العراقية فى تكوّن الشعب من قوميتين : عربية وكردية ، وهو وضع لا نجده مثلا فى القضية المصرية .
وقد يحدث أن تتشابه - بدرجات متفاوتة - خصوصية الحركة الثورية بين بعض البلاد العربية ، مثل واقع الأقليات القومية ( العراق والسودان)
بيد أن خصوصية القضية الفلسطينية تنفرد بواقع محدّد وحاد ، لا نجد له مثيلا أو شبيها فى جميع حركات التحرّر العربية على الإطلاق. ونقصد
بهذا الواقع ، أن حركة الثورة الفلسطينية تتبلور أساسا من خلال شتات الشعب الفلسطينى فى كل أرجاء الوطن العربى وأجزاء متناثرة من العالم
لتحرّر وطنا وقع بكامله فى قبضة الاحتلال الصهيونى . وبوضوح ليس هناك حركة تحرير عربية أو غير عربية فى التاريخ واجهت مثل هذه
التجربة القاسية والفريدة . صحيح أن حركة التحرير الجزائرية واجهت أيضا الاحتلال الفرنسى الاستيطانى ، ولكنها مارست تجربتها مع
شعبها فوق أرض الوطن. ودفعت، مع ذلك ، سبع سنوات ونصف من عمرها النضالى ، وأكثر من مليون شهيد حتى أمكنها أن تحرز النصر
وعدم رصْد و تحليل واستيعاب خصوصية واقع الحركة الثورية فى كل بلد عربى ، لا يؤدى فحسب إلى افتقاد الأرضية الموضوعية للثورة
فيه ، ويعرضها لخطر الوقوع فى هوة المغامرة أو اليسارية الطفولية ، بل يفقد عمومية الثورة العربية ذاتها ، المنابع الحقيقية لقواها ، وثرائها
من خلال تعدّد وتنوّع التجارب الثورية المحلية المتفاعلة مع واقعها . وتغدو عمومية أو شمول الثورة العربية مجرّد شعارات جوفاء تتلاعب
بكلمات حماسية ، أو مجرّد تصوّرات وشطحات ذهنية ، تحاول فرْض قواعد، و " صفات " للكفاح والنضال ، لا يستجيب لها الواقع الحىّ
ومن هنا ، " فالخصوصية " لا تعارض " العمومية " ، بل هى السبيل الصحيح نحو عمومية صحيحة وحقيقية . " فالكل" لا ينفى الجزء ، والأجزاء
فى علاقاتها الديناميكية ، هى التى تبنى " كلا" سليم الجسد، والعقل والإرادة . والعلاقات الديناميكية تحمى أجزاء الجسد الثورى من أمراض :
وصاية بعضها على بعض، وقتل مبادراتها الخاصة النابعة عن الواقع ، ونقل التجارب من واقع إلى واقع آخر نقلا حرفيا دون ما اعتبار
للظروف الخاصة ، وفوضى النقد غير المسئول.
والحق أن " خصوصية " حركة التحرير الفلسطينى هى التى أغنت النضال العربى الشامل، بطاقة إيجابية جديدة ، ظلّت حبيسة السلبية - لأسباب مختلفة - ،
من بينها الوصاية العربية . حتى فجّرتها الطلائع الوطنية الفلسطينية منذ عام 1965 ، وحين هبط الظلام على الوطن العربى ، مع هزيمة يونيو 1967
كانت هى التى بادرت إلى العمل، معبّرة عن إرادة الشعب العربى كله ، وجماع حركته التحريرية ، وأول شعلة ضوء تحدّت ظلمات يونيو الكئيبة
ورغم هذه المبادرة التاريخية لحركة المقاومة الفلسطينية ، فإنها لم تدّع يوما أنها مبعوثة العناية الإلهية لإنقاذ أو تصحيح مسار حركة التحرّر
فى كل قطر عربى ، وإنما اعتبرت أن ذلك هو ، أولا و أخيرا ، جوهر مسئولية القوى الوطنية الثورية فى هذا القطر أو ذاك . وركّزت كل جهدها
- من مواقع متعدّدة خلال فتح والتنظيمات الأخرى التى تبعتها إلى الساحة - على تعبئة وتنظيم قوى الشتات ، لتحوّلها من مجموعات لاجئين ومنفيين
ولاهثين - فرادى - خلف لقمة العيش، إلى شعب واع ، ومقاتل، يعيد اكتشاف ذاته وهويته وتراثه وقدراته اكتشافا جديدا وثوريا . ويُغنى حركة
التحرّر العربى المعاصرة بنموذج نضالى ، يصحّح -محليا وعربيا ودوليا - وضْع القضية الفلسطينية . فلم تعد -فى خصوصيتها - صراعا
بين طرف معتد محدّد هو الاحتلال الصهيونى الإسرائيلى ، وطرف غير محدّد هو الدول العربية تشيع بينها المسئوليات حتى لتبهت و تتجمّد وتغدو
الموضوع المفضّل للمزايدات. وإنما أثبتت المقاومة ، من جديد ، الطرف الأصيل والضرورى فى الصراع ، وهو الشعب الفلسطينى ذاته .وبعد
هذا كله ، وقبل هذا كله ، فإن المقاومة الفلسطينية ، بمنابعها الشعبية ، قد حرّرت القضية - كمصدر قومى - من أضابير ومؤتمرات الدول العربية
لتصبح جوْهر العمل الشعبى فى الوطن العربى كله ، وتنمّى بالتالى وعىّ الجماهير السياسى ، وقدراتها على النضال والصمود والعطاء. على
هذا الأساس الموضوعى للخصوصية والعمومية فى القضية الفلسطينية ، ليس من حق أحد - فى هذا القطر أو ذاك - أن يعطى لنفسه دور الوصىّ
أو الاستاذ الذى يلقن المقاومة الفلسطينية - بمختلف فصائلها - دروسا فى كيفية حلّ مشاكلها الداخلية ، وبناء قواها وتحديد مسار نضالها . وليس
معنى هذا أننا نطالب بقداسة خاصة للمقاومة الفلسطينية ، أو أنها مبرّ أة من الأخطاء والنواقص . لا . إنها تعمل، ومنْ يعمل يخطى ويصيب
وهى ككل عمل إنسانى نضالى تحريرى ، لا قداسة فيه إلاّ للهدف الاستراتيجى ، وللشهداء الذين يسقطون فى سبيله . وبالتالى فإن من حق
كل مواطن عربى أو قوة عربية تقدمية أن تولى عميق اهتمامها لمشاكل وقضايا المقاومة ، بل وأن تسهم إيجابيا فى حلّها ، وإلاّ وقعنا أسرى لخصوصية
ميكانيكية تتجاهل عمومية حركة التحرّر العربى . بيد أن هذه المساهمة وذلك الاهتمام ، يضلاّن طريقهما ، إذا وقعنا بأسلوب الوصاية وتلقين
الدروس والعظات من عل، أو بطريقة نشر غسيل المقاومة ، وجعله مادة للإثارة الصحفية . وإنما يجب أن يمارسا بأسلوب نضالى مسئول ينبع
من الاقتناع بموضوعية حركة المقاومة كتعبير عن إرادة شعب ينطلق إلى العمل بعد سنوات طويلة وقاسية من التشريد والتشتيت والإنهاك، والوصايا
التى صادرت مبادراته . بمعنى أن قوى التحرّر الوطنى فى جميع البلاد العربية مطالبة أساسا - خلال تعاملها مع حركة المقاومة الفلسطينية - أن تتطهّر
من عقدة الوصاية الأبوية ، وتقف من المقاومة موقف الند للند. ومن أرضية هذا الموقف ، عليها أن تتعرّف إلى واقع المقاومة وإمكانياتها وظروفها
ومشاكلها ، إلى خصوصيتها ، كما هى ، لا كما تحب أن تتصوّرها . فالواقع هو مادة الحياة والحركة لا التصورات. وأن تعتبر مساندتها لحركة
المقاومة واجب تفرضه عمومية حركة التحرّر العربى ، وضروراتها ، وليست عبئا تفرضه اعتبارات خاصة أو تمليه ظروف طارئة ، وتستلزم
بالمقابل ثمنا معيّنا . ذلك أن المقاومة فى مواجهتها اليومية الدامية مع الاحتلال الصهيونى - الإمبريالى ، لا تحقّق مصالح الشعب الفلسطينى وحده
بل ومصالح الشعوب العربية جميعا فى سعيّها للتحرّر والاشتراكية والوحدة . إنها فى نفس الوقت خط الدفاع الشعبى الأول عن الوطن العربى
وقوة الصدام الشعبية المباشرة للحركة العربية كلها ، وتتحمّل نتيجة لهذا - وبالقياس إلى تعداد وإمكانيات الشعب الفلسطينى - أفدح ثمن . والمقاومة
- كما هو معروف - لها كيانات تنظيمية مسئولة بمستويات مختلفة ، هناك قيادات كل منظمة ، ومنظمة تحرير فلسطين التى تكوّن إطار الجبهة
السياسى ، والقيادة الموحّدة ، هذه الكيانات هى التى يجب أن نتوجه إليها من خلال - اتصالات جماعية أو فردية - بنقدنا وملاحظاتنا واقتراحاتنا
لعلاج ما نراه من نواقص أو أخطاء. ونفتح بذلك قنوات ومنابر تنظيمية للحوار والمناقشة ، وهنا تطرح فكرة بناء جبهة شعبية عربية من حول
المقاومة نفسها ، كضرورة موضوعية فى هذا المجال، لتنظيم الحوار والأخذ والعطاء بين تجارب وأفكار حركة التحرّر العربى والمقاومة
الفلسطينية تنظيما مسئولا. والواقع أن انتهاج أى أسلوب آخر غير هذا الأسلوب النضالى المسئول - على الأقل فى الظروف الراهنة - يعرّض
القضية الفلسطينية ، وبل والقضية العربية معا للخطر ، فهو يكرّس الانفصام ضد الوحدة ، ويشجّع القوى الرجعية فى الوطن العربى على التطاول
ضد المقاومة ، ويفتح أمام المقاومة أبواب معارك فرعية وجانبية تسهلك جهدها ، ذلك فضلا عن أنه فى النهاية لا يؤتى ثماره ، بسبب أنه لا يوضع
موْضع الحوار الجاد المسئول. لا تجعلوا " الوحدة " شمّاعة نعلّق عليها تحفظاتنا تجاه حركة المقاومة . الواقع الفلسطينى الحىّ يؤكد لنا أن الحد
الأدنى من الوحدة الوطنية بين فصائل المقاومة متحقّق بالفعل ، سواء فى إطار "القيادة الموحّدة " أو فى إطار " منظمة التحرير الفلسطينية ".
وهذا الحد لا يقل - كما ونوعا - عن الحد الخاص بالثورة الفيتنامية أو بالمقاومة الفرنسية ضد النازى خلال الحرب العالمية الثانية . إن عدد
المنظمات الفدائية الفلسطينية . وقد مرّت بمراحل متعدّدة وشاقة - عبر التنسيق والعمليات المشتركة - إلى الوحدة الوطنية فى إطار الجبهة . وعندما
نتحدّث عن وحدة المقاومة الفلسطينية ، يجب أن نحذر التجريد الذى يبسّط الأمور ويضللنا عن رؤية الحقيقة النامية تاريخيا بالفعل . إن الحديث
عن الوحدة - والتى هى مطلب صحيح وشرعى - يجب أن يضع فى اعتباره أن الثورة الفلسطينية ما برحت عامها الثالث فحسب ، وأنها تتفجّر
وسط ظروف قاسية وشديدة التعقيد ، وأنها تتّجه باستمرار نحو مزيد من التلاحم فى أشكال وكيانات متطوّرة دوما ، وبعد ذلك فإن الوحدة الوطنية
الحقيقية لن تقوم بلمسة من عصا سحرية وإنما من خلال لهيب المعركة وضروراتها الحتمية فى كل من الميدانين السياسى والعسكرى . فلندع
مشاكل المقاومة الداخلية للمقاومين أنفسهم ، ولنكف عن إثارة الغبار حولها من الخارج . ولنسأل أنفسنا عندما نكتب أو نصرّح بشئ عن المقاومة
: هل هذا يدعمها أو يضعفها ، فأولى الأولويات هى أن تبقى المقاومة وتقوى . وحتى لا نتورّط، ولو بحسن نيّة ، فى القيام بدور " يهوذا " مع المقاومة
الفلسطينية ، علينا أن نتصوّر، ولو للحظة واحدة : ماذا كان يمكن أن يكون عليه وطننا العربى ، لو لم " يقم " الشعب الفلسطينى من جديد ، وتشرق
شمس مقاومته الباسلة على ظلمات يونيو
لطفى الخولى






Wednesday, May 16, 2007

عيد العمال - مقال يكتبه للطليعة محمد على عامر 1970







يكتب هذا المقال للطليعة العامل " محمد على عامر" ، أحد الرواد البارزين للحركة النقابية والنضال من أجل التحرر الوطنى والاشتراكية
فى مصر


وذلك منذ عشرينيات هذا القرن. ولا يزال ، محمد على عامر، الذى تعدى الستين من عمره ، يهب كل جهده لخدمة قضايا الطبقة
العاملة والتحرر الوطنى والاشتراكية فى مصر والوطن العربى . و " الطليعة" إذ تنشر له هذا المقال بمناسبة الاحتفال بعيد أول مايو وتحيى
باعتزاز دوره التاريخى ، قوميا ونقابيا وسياسيا ، هذا الدور الذى شارك فيه بأصالة ونكران للذات زملاء له مثل " يوسف المدرك " و " محمود العسكرى "
و " سيد ترك" و " عوض الباز" و " كامل العقيلى " و " وفتحى كامل" وغيرهم من رواد الحركة النقابية

المقال
لا يزال الكثيرون من عمال مصر يتذكرون كيف كان يُقبل عليهم أول مايو فى العهد الماضى البغيض، إبان حكم " رسل باشا " وفرقة " سليم بك زكى
والمستر " ديز" ، وكيف كانت قوات البوليس والأمن تقوم عشية أول مايو من كل عام بحملة على النقابيين الذين يرفضون أن تكون نقاباتهم ملحقة
بمكاتب البوليس السياسى ، أو القلم المخصوص ، لا يزالون يتذكرون كيف كانت الاعتقالات تشمل العمال النشيطين ، وكذلك الطلبة والمثقفين
الذين ينتصرون للعمال ويعطفون على قضيتهم . كانت قوات الأمن تقبض على هؤلاء الناس الشرفاء وتحجزهم فى أقسام البوليس مع اللصوص
والمتسوّلين والنشّالين ، وكانت تبكّر بمحاصرة المصانع منذ الفجر ، ويحتلّ الجنود ذوى الخوذات والعصىّ الغليظة والدروع ، كل شبر فى مناطق
العمّال الصناعية ، وينتشر المخبرون والمرشدون حول دور النقابات حتى لا يحتفل العمّال المصريون مع زملائهم عمّال العالم بعيد أول مايو
ومع ذلك فكانت تتمّ الاحتفالات بعيد أول مايو بأشكال مختلفة ، وفى أماكن مختلفة ، كان العمّال يحتفلون بعيدهم فى الحدائق والحقول والمدافن
وحول أهرامات الجيزة بعيدا عن أنظار البوليس والعملاء، وقد تكوّنت على سبيل المثال ، النقابة العامة لعمّال النسيج الميكانيكى وملحقاته بالقاهرة
وضواحيها نتيجة لاجتماع تمّ فى مزرعة خلف نقطة بوليس المطرية يوم أول مايو سنة 1946. وعندما كانت تعود قوات البوليس والأمن إلى
مواقعها ، وتنسحب من مرابضها آخر النهار ، كانت الحركة بين العمّال لا تتوقّف. فتحدث اللقاءات بينهم فى الحوارى والمصانع ، وداخل المنازل
والمقاهى . يتبادل فيها العمّال التهانى بعيد أول مايو ، ويقدّمون لبعضهم تحيات الأخوّة والزمالة ، ويتبادلون شرب القهوة والشاى وحبات الفول
السودانى علامة على الاحتفال المشترك فيما بينهم بهذا العيد التاريخى . ولاشك أن من أبرز التطورات التى حدثت فى مجال الحركة العمّالية بعد
ثورة 1952 ، هو اعتبار يوم أول مايو عيدا للعمّال ، يحتفل به العمّال والدولة معا
الأصل التاريخى للاحتفال بأول مايو
يرتبط أول مايو تاريخيا بنضال العمّال الأمريكيين فى الولايات المتحدة ، فمع شروق شمس أول مايو سنة 1886 ، خرجت مظاهرة عارمة من
350 ألف عامل أمريكى فى شيكاغو ، أخذت تجوب الشوارع والميادين ، كان المتظاهرون يطالبون فيها بتخفيض ساعات العمل من احدى عشرة
ساعة إلى ثمانى ساعات بنفس الأجر. وكانت الهتافات تشق الفضاء وتبث الخوف والفزع فى قلوب الرأسماليين ، وبالفعل استجاب بعضهم لضغط
العمّال ، واضطروا لتخفيض ساعات العمل إلى 8 ساعات بالنسبة لـ42 ألفا من العمّال فى اليوم الأول ، إلاّ أن المظاهرات لم تتوقّف ، وخرجت
فى اليوم التالى تطالب بأن يشمل التخفيض جميع العمّال فى كافة الصناعات ، وحدث مرة أخرى تخفيض لساعات العمل بالنسبة لـ150 ألفا آخرين
واستمرت المظاهرات السلمية بنفس هدوئها السابق، وفى اليوم الثالث خرجت لتطالب بتخفيض ساعات العمل حتى تشمل جميع العمّال الباقين
وحتى يعم التخفيض كافة الصناعات وجميع العمّال الأمريكيين . ولقد حقّق العمّال على هذا النحو نصرا هائلا ، ونجحوا فى تخفيض ساعات
العمل بالنسبة لـ 192 ألف عامل عن طريق المظاهرات السلمية دون أن يُحدثوا أقل إخلال بالأمن ، فلم يكونوا يحتاجون إلى استخدام أساليب العنف
آنذاك ، وإنما الرأسماليون هم الذين كانوا يحتاجون إلى استخدام العنف لمقاومة أى محاولة من جانب العمّال لتقليل أرباحهم. فبدأ تآمر رجال الأعمال
بالاشتراك مع مدير بوليس مدينة شيكاغو الذى قام شخصيا بتنفيذ مؤامرة ضد العمّال، فحين بدأت جموع العمّال تتدفّق من الشوارع وتصب فى
ميدان شيكاغو بالقرب من مصانع شركة " ماك كورماك " لصناعة الآلات الزراعية ، انضم عمّال هذه الشركة إلى المظاهرة مع زملائهم عمّال
المصانع والشركات الأخرى ، ووقف " أوجست سبايز" أحد قادة العمّال المناضلين خطيبا بين العمّال يشرح عدالة القضية التى من أجلها اتحد
العمّال ووقفوا صفا واحدا، ويستمر فى خطابه ، ثم يعلن فى قوة فى النهاية إصرار المتظاهرين على استمرار المظاهرات حتى يشمل التخفيض
جميع عمّال أمريكا فى كافة الصناعات . وهنا تحرّكت عناصر المؤامرة ، وقام مدير البوليس بدوره فى تنفيذ الجريمة ، فدس واحدا من العملاء
المأجورين وسط جماهير العمّال المحتشدة فى الميدان ، واستغل العميل فرصة انتباه العمّال نحو الخطيب ، وألقى قنبلة يدوية كان مدير البوليس
قد زوّده بها ، على زملائه من رجال البوليس ، وبذا أصبحت الفرصة سانحة لمدير البوليس لينفّذ جريمته الوحشية ، وفى لمح البصر أصدر الآوامر
للجنود المسلّحين بالبنادق والرصاص ، بالهجوم الغادر على المؤتمر والبطش بالعمّال المسالمين ، وحدثت مذبحة بين قوّتين غير متكافئتين وسقط
القتلى والجرحى ، وامتلأت أرض الميدان بهم وبالمحتضرين ، وقبض البوليس على الفور على مجموعة من العمّال القياديين وساقوهم إلى السجون
وقدّم البوليس للمحاكمة على وجه السرعة أربعة من زعماء العمّال المكافحين هم " أوجست سبايز" و " أودلف فيشر" و " ألبرت باسونز"
و " جورج اثيل" ، وأصدرت المحكمة حكمها بإعدامهم فورا ، وتمّ تنفيذ الحكم بعد صدوره بساعات ، وقد كشف مدير البوليس نفسه عند احتضاره
أسرار هذه المؤامرة الكبيرة ضد العمّال وقادتهم ، ودوره فى تنفيذها . وفى سنة 1891 ، تشكّلت بفعل النضال العمّالى محكمة خاصة لإعادة
التحقيق فى قضية العمّال الأربعة ، وراجعت حكم الإعدام الذى صدر ونفّذ على أربعة من زعماء العمّال فى أوّل مايو سنة 1886 ، وأصدرت
المحكمة قرارا بإلغاء حكم الإعدام وحكمت ببراءة العمّال الأربعة بعد أن غطت الحشائش والأشجار قبورهم ، وأعلن حاكم ولاية " إيللينوى " قرار
المحكمة وحكمها الأخير ببراءة العمّال. وفى عام 1888 ، قرّر المؤتمر الفرنسى لنقابات العمّال المنعقد فى مدينة " بوردو" اعتبار أول مايو
عيدا للعمّال، كما قرّر اتحاد العمل الأمريكى فى اجتماعه المنعقد فى " سانت لويس" فى ديسمبر من نفس العام اعتبار أول مايو عيدا للعمال، واتخذ
مؤتمر النقابات البريطانى نفس القرار فى نفس العام . وفى عام 1899 ، انعقد مؤتمر " الدولية الثانية " للأحزاب والنقابات العمّالية فى باريس
واتخذ القرار التالى : إنه ابتداء من عام 1890 ، فى كافة بقاع العالم ، يجب أن ينتظم العمّال فى مظاهرات كبيرة فى جميع البلدان فى يوم أول
مايو ، وفى هذا اليوم ، يجب أن يحدّد العمّال كل عام مطالبهم للعام المقبل، ومنذ ذلك التاريخ صار أول مايو من كل عام عيدا للعمّال على الصعيد
العالمى ، يحتفلون فيه بالذكرى الخالدة لشهدائهم الأبطال، ويمجّدون الجسارة والشجاعة فى كل إنسان شجاع وهب حياته للكفاح من أجل مجتمع
أفضل وأعدل. وأصبح الرأسماليون على النطاق العالمى ، لا على النطاق الأمريكى فحسب يتوجّسون خيفة كلما أقبل عيد أول مايو ، وتتخذ الحكومات
الرأسمالية والحكومات العميلة إجراءات مضادة لتحركات العمّال، فتعبئ قوات الأمن والبوليس لمنع الاجتماعات ، وفضّ المظاهرات ، وتقييد
حركة القادة النقابيين الشرفاء ، والقبض على العمّال النشيطين ، بهدف نشر الرعب بين العمّال ومنعهم من الاحتفال بعيد أول مايو . أمّا الحكومات
الشعبية ، فتعتبر أول مايو يوما من أيام الأعياد الرسمية ، تشارك الدولة فيه العمّال فرحتهم بالعيد ، وتخرج مواكب الحرس الوطنى والميليشيا
الشعبية جنبا إلى جنب مع المواكب العمّالية ، وتستعرض قوات الجيش المسلّحة بحضور رجال الدولة الرسميين
واجبات العمّال فى أول مايو

إن قيمة عيد أول مايو لا تكمن فقط فى حجم المواكب والمهرجانات، واستعراض فرق الجيش أو البوليس والحرس الوطنى ، وتعدّد الاجتماعات
والمظاهرات أو عزف الموسيقى ونشر الأعلام ، إنما تكمن أهمية أوّل مايو فى أهمية المواضيع والقضايا التى تطرح للبحث فى الاجتماعات والمؤتمرات
المنعقدة فى نفس اليوم أو قبله. ولا تكمن قيمة عيد أول مايو فى مجرّد استعراض أحداث العالم خلال عام مضى ، والتعرّض لها بالبحث والتحليل
فقط ، إنما تكمن فى الدروس المستخلصة من هذه الأحداث والاستفادة منها بقدر الإمكان ، وتحديد موقف إيجابى عملى كفاحى بالنسبة لها ، إذ كان
لها تأثير على قضايا البلاد ، وأخيرا ، فإن القيمة الحقيقية لعيد أول مايو تكمن فيما يخرج به العمّال فى ذلك اليوم من قرارات وما يرفعونه من شعارات
على شرط أن يكافحوا بوعىّ من أجل تحقيقها . واليوم ، حين يتعرّض الوطن العربى كله للخطر، وتعود إسرائيل فتحتلّ أجزاء كبيرة منه بعد
أربعة عشر عاما من العدوان الثلاثى بتأييد سافر من الولايات المتحدة الأمريكية ، فما هى واجبات العمّال:
أولا: تقديم قضية المصير العامة على ما عداها من القضايا الخاصة ، بمعنى تأجيل القضايا الخاصة بشكل مؤقت ، والتركيز على إزالة آثار النكسة
ومن المؤسف جدا أن يثير الناس المشاكل ويُحدثون الأزمات حول المناصب والدرجات والعلاوات ، وكيف كان زيد أحق بها من عمرو ، وتنتهى
المناقشة بتحميل المسئولية للنظام السياسى القائم ، فى وقت يعيش فيه أغلب الشعب الفيتنامى بلا علاوات ولا درجات ولا منازل ولا كماليات
وليس بعيدا أن نتعرّض نحن أيضا لما يتعرّض له شعب " فيتنام " ما دمنا مصرّين على التمسّك بتحرير الأرض، والدفاع عن العرض ، وما دمنا
نأبى الركوع أمام جبروت الولايات المتحدة الأمريكية التى تمارس العدوان المسلّح ضد شعب " فيتنام" وغيره من الشعوب التى ترفض نير القهر
والاستعباد.
أما المشاكل اليومية العاجلة ، فمن السهل التغلّب عليها وحلها بروح التعاون من جانب جميع الأطراف ، بحيث يقدّم العامل مشكلته ، ويساعد على
الوصول إلى حل لها بتقديم المقترحات ، وكذلك يفكّر الذين ليست لهم مشاكل فى حلّ مشاكل غيرهم ، ويقدّمون الحلول والمقترحات
ثانيا : الالتزام الذاتى ، بمعنى أن يفرض العامل على نفسه فى هذه الظروف الحاسمة من تاريخ بلادنا ، واجبات سياسية إضافية يلتزم بتنفيذها
من تلقاء نفسه ، ويحاسب نفسه بنفسه على أدنى تقصير بالنسبة لها ، فى المصنع أثناء العمل ، فى الطريق العام ، فى المواصلات أثناء الانتقال
فى المنازل أثناء الزيارات ، فى أى مكان : متجر ، مقهى ، سوق ، نادى الخ. وأن يكون العامل يقظا مستعدا للنقاش والجدل السياسى والرد على
إشاعات العدو ، وكشف الاتجاهات اليمينية ، وتعرية أصحابها أمام الناس، ويتولّى العامل عندما يخلو بنفسه استعراض أحداث اليوم ومحاسبة
نفسه ، هل كان " سلبيا " أم " إيجابيا" أمام أحداث اليوم ، وهل أخطأ فى تناول الموضوع أم أصاب.
ثالثا : تنقية التنظيمات السياسية من العناصر الوصولية ، عن طريق الانتخابات ، وتنقية التنظيمات النقابية ومنظمات الشباب، ومجالس إدارات
القطاع العام بمساعدة العناصر النشطة المخلصة فى تحقيق مشروعاتها الرياضية والفنية ونقد الكسل والميوعة فى العمل السياسى . وعدم التخلّف
عن الدورات التدريبية والحرص على حضور الدورات الثقافية ، وفرز الاتجاهات المعادية للاشتراكية التى يحملها أساتذة ومثقفون لهم مصالح
خاصة من خريجى الجامعات الغربية ، وتعجّ بهم مؤسسة الثقافة العمّالية ومراكزها

دور النقابات فى المعركة
يسجّل التاريخ الحديث فى العالم ، للنقابات والاتحادات العمّالية ، أهم الأدوار فى معارك التحرّر الوطنى والاجتماعى على السواء ، فما هو دور
الاتحاد العام والنقابات فى معركة المصير
على مستوى الجمهورية العربية المتحدة " مصر وسوريا "
أولا: تعبئة العمّال وتنظيمهم استعدادا للمعركة الفاصلة
ثانيا : عقد مؤتمرات واجتماعات وعمل ندوات واسعة فى الساحات الرياضية ودور النقابات ، تُدعى فيها العناصر التقدمية لإلقاء المحاضرات
وإدارة المناقشات المفتوحة للتوعية
ثالثا : طلب أكبر عدد ممكن من أفلام المقاومة ضد النازية الألمانية والفاشية الإيطالية ، وقوات الاحتلال اليابانى ، وجميع أشكال الغزو المسلّح
فى روسيا والصين وكوريا وفيتنام ولاوس وأوروبا ، على أن تُعرض هذه الأفلام بشكل مستمر على العمّال فى هذه الظروف
رابعا : إخضاع مؤسسة الثقافة العمّالية وجميع مراكزها للاتحاد العام ، وإغلاق السوق التجارية لبيع المحاضرات الثقافية
خامسا : إعادة تنظيم المكتبات الثقافية بالوحدات الإنتاجية والمراكز الثقافية ، وتطهيرها من المؤلفات البورجوازية والنشرات والكتب الأمريكية
باختصار ، إحلال الثقافة الوطنية محل الثقافة الاستعمارية ، والتربية الاشتراكية العلمية محل التربية الرأسمالية الديماجوجية
على المستوى العربى
نجد أنه بعد مضىّ 19 عاما على قيام ثورة 23 يوليو ، وشعار " وحدة الصف العربى " ، لا يزال يتعثّر بسبب اختلاف المصالح وعدم التجانس
بين أنظمة الحكم فى البلاد العربية ، والطبقة العاملة وحدها هى التى تجمعها وحدة المصالح ، ومعاداة الاستعمار هى أولى هذه المصالح . ولا شك
أن الظروف الموضوعية للمنطقة الآن مهيأة لحقيق وحدة الطبقة العاملة على المستوى العربى . ومن الممكن أن تعلب الوحدة العمّالية دورا هاما
فى تحقيق وحدة الصف ، لأنها سوف تكون قادرة على التأثير المباشر على اتجاهات الحكومات العربية . ولدينا الآن نواة صالحة للعمل تتكوّن
من عمّال الجمهورية العربية المتحدة ، وعمّال السودان ، وعمّال الجمهورية العربية الليبية ، وسيكون أمام نقابيينا أساس صالح لبدء العملية ، هو الكفاح
المشترك تاريخيا بين عمّال مصر وعمّال السودان ، هذا الكفاح الذى كان الحكّام الرجعيون يحاربونه دائما فى البلدين .
على المستوى العالمى
مضى الزمن الذى كان يسهل فيه الخلط بين العدو و الصديق ، وأظهرت الشدة أين هو الصديق، وأين هو العدو، لقد عرفنا من خلال النكسة ، فى الاتحاد
العالمى لعمّال العالم ، واتحادات العمّال فى البلدان الاشتراكية دون استثناء، أصدق معانى الحب والتأييد والمساندة ، وذلك يدعو المنظمات النقابية
فى بلادنا إلى زيادة توثيق العلاقات الأخوية والارتباطات النقابية بيننا وبينهم
وبعد:
فلنذكر شهداءنا الأبطال فى أول مايو ، ونُقسم على أخذ الثأر للزوجات والأطفال الصغار، ونحيى جنودنا الشجعان على خط النار، كما نحيى
بفخر واعتزاز جسارة الفدائيين العرب الأمجاد، وفى عيد أول مايو يجب أن تمتلئ قلوبنا حقدا وكراهية على الولايات المتحدة الأمريكية وصنيعتها
إسرائيل، وندين التدخل الأمريكى المسلّح فى الهند الصينية ضد شعب فيتنام الأسطورى وشعب لاوس، ونشجب التحرشات الإمبريالية المجنونة
بشعوب كوريا الديموقراطية وكوبا ، ونرفع فى نفس الوقت أصواتنا احتجاجا على المؤامرات الإمبريالية ضد الحكومات الوطنية التقدمية
" انتهى المقال"
نبذة عن كاتب المقال
محمد على عامر
ولد
بمنطقة شبرا الخيمة العمّالية فى 9 نوفمبر 1908 ، بدأ العمل بالمطابع فى سن مبكرة ، وفُصل عام 1920 من مطبعة " أمين هندية " بالزيتون
وذلك بسبب قيامه بتنظيم مجموعات من زملائه صبيان المطابع للاحتجاج على أساليب المعاملة اللاإنسانية التى كانوا يُعاملون بها ، تعرّض بسبب
كفاحه النقابى والسياسى للملاحقة والطرد المتواصل من قبل السلطات الرجعية الملكية وأصحاب الأعمال : طرد من ورشة " هرنط" لخراطة
المعادن ، بالمطرية بسبب احتجاجه على عمل الصبيان بمنازل الأسطوات أيام الراحة . وفى سنة 1928 ، فصل من العمل بغابريقة " مكرونة أبو الهول"
لحثه العمّال على رفض تخفيض أجورهم . عندما ألّف حزب الوفد " المجلس الأعلى للعمل النقابى " ، وذلك لمواجهة النفوذ المتزايد للأمير عباس حليم
فى صفوف العمّال، دعّم محمد على عامر بنشاطه النقابى ، المجلس الأعلى الوفدى . كلّفته اللجنة الوطنية للطلبة والعمّال بتحريك عمّال منطقة
الزيتون والمطرية ، وقاد إضراب مصنعه يوم 21 فبراير 1946 ، ودُفع مع زميله العمّالى " نصر عوّاد نصر" إلى اشتراك المصانع الكبرى
الأخرى فى المنطقتين فى الإضراب، وفى مظاهرة جماهيرية كبرى ، اتجهت إلى ثكنات الجيش البريطانى ، اصطدمت بجنود الاحتلال وسقط
منها الجرحى والشهداء. اشترك فى أول مايو 1946 ، مع 80 عاملا من عمّال مصانع النسيج فى اجتماع سرى بالمطرية ، ولّدت فيه فكرة تكوين
نقابة عامة لعمّال النسيج الميكانيكى وملحقاته بالقاهرة ، وتحقّق هدفهم فى أول مايو 1947 . تولّى رئاسة النقابة العامة لعمّال النسيج الميكانيكى
وملحقاته بالقاهرة ، وضواحيها . اشترك فى آوائل عام 1951 مع " أحمد طه أحمد " سكرتير نقابة عمّال وموظفى شركة ماركونى ، و " سيد خليل ترك "
سكرتير نقابة السائقين المتحدين فى عقد أول اجتماع للجنة التحضيرية لتكوين الاتحاد العام لنقابات العمّال المصرية . شارك فى تكوين اللجنة
التحضيرية المصرية لأنصار السلام سنة 1951 ، وقبضت عليه السلطات الملكية الرجعية لذلك . شارك فى تكوين اللجنة الوطنية لمقاومة الاستعمار
البريطانى بالقوة المسلّحة بعد إلغاء معاهدة 1936 . اشترك وهو فى اللجنة التحضيرية للاتحاد العام التى أصبح اسمها " اللجنة التأسيسية " فى
تأييد ثورة 23 يوليو ، والوقوف بجانبها منذ قيامها
المتصفح الكريم ، سأقوم تباعا بإذن الله تعالى بعرض الموضوعات المعروضة على غلاف الطليعة خلال الأسابيع القادمة

تزايد أمركة العدوان الإسرائيلى ، ومسئولية القوى الثورية




أعلن " روبرت ماكلوسكى " المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فى واشنطن ، أن الجنسية الأمريكية لن تسقط عن العسكريين الأمريكيين

المجندين فى القوات المسلحة الإسرائيلية وأكد البيان الأمريكى أنها قاعدة عامة تسرى " على كل أمريكى يعمل ضمن قوات أجنبية لا تتعارض

مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة ، ولا تعرّض أمن الولايات المتحدة للخطر "وأثناء الزيارة الرسمية التى قامت بها " جولدا مائير" للولايات المتحدة

، أعلن " نيكسون" ترحيبه برئيسةحكومة شعب شجاع مصمّم على المحافظة على السلام فى المنطقةثم صرّحت " جولدا مائير" فى خطاب ألقته

فى حفل أقامه اليهود فى "لوس أنجلوس" أن الرئيس " نيكسون "أكد لها " إن الولايات المتحدة لن تحاول الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضى

العربية المحتلة قبل الوصول إلى سلام دائم فى الشرق الأوسط " ، فى نفس الوقت يردد فيه الرسميون الأمريكيون تعبير "الحدود الآمنة "ويؤيدون

إدخال تعديلات على حدود دول المنطقة المحيطة بإسرائيلوهناك إجماع فى الصحافة الغربية على نجاح مباحثات رئيسة وزراء إسرائيل ، التى

أعلنت " لقد شعرت لدى خروجى من البيت الأبيض بغبطة أكثر من التى كنت أشعر بها لدى دخولى "كما تؤكد مصادر الأنباء أن إسرائيل حصلت

على القروض والأسلحة المطلوبة ، ويفسّر المراقبون عدم صدور بيان مشترك بأنه يعنى أن هناكاتفاقيات لا يمكن إذاعتها فى الوقت الحالى .

وكانت قائمة المطالب تتضمن تغطية العجز فى ميزان المدفوعات المقدّر أن يبلغ فى السنوات الخمسالقادمة ، ألف مليون دولار و 150 طائرة

هليكوبتر - ثمنها 350 مليون دولار - ، 25 طائرة فانتوم ، و 50 من طراز سكاى هوكومنذ سنوات ، تتردّد التصريحات عن الأسطول السادس

باعتباره الاحتياطى الاستراتيجى لإسرائيل ، وتدور التساؤلات فى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى ، حول إلزام الولايات المتحدة

بالدفاع عن إسرائيل. وتتم زيارات مشبوهة مثل تلك اتى قام بها " ثيودور كونرى " - قائد القوات الضاربة فى الجيش الأمريكى - لإسرائيل،

واجتمع أثناءها بـ" بموشى ديان" - وزير الدفاع - و " حاييم بارليف" - رئيس أركان الحرب فى مارس الماضى وتمتد أصابع التآمر

على الجانب الآخر من خط الصراع فى حلقات مترابطة منسقة ، فيصدر البيان الأمريكى معربا عن القلق العميق إزاء أمن " لبنان" وسلامته

ويتعهد بتأمينه من الأخطار . ويبادر المسئولون اللبنانيون إلى الترحيب بالحماية ، وتكون بمثابة إشارة التحرك والهجوم على المقاومة

الفلسطينية والحركة الشعبية اللبنانية وتحتدم المعركة التى افتعلتها الرجعية ، فيتزايد " القلق " الأمريكى ، ويصرّح " نيكسون" بأن الوضع

فى الشرق الأدنى معرّض للانفجار فى أى لحظة ، وقد صحب تصريح وزارة الخارجية عن الخطر " القادم من الحدود الشرقية " ، حملة

من الشائعات عن "حشود سورية على حدودلبنان " . وهكذا يكتسب مخطط التحالف الأمريكى الصهيونى مع الرجعية اللبنانية أبعادا خطيرة

تمهيدا للامتداد إلى بلدان أخرى بالمنطقة بهدف تصفية المقاومة الفلسطينية ، وطعن الحركة الثورية العربية ، وهدم الجبهة الشرقية ، والتدخل

المباشر فى الشرق الأوسط على نمط ما قامت به عام 1958 لكن، ما الهدف من إيراد كل هذه الوقائع ، هل نحن فى حاجة إلى إثبات التواطؤ

الأمريكى الإسرائيلى ، وتسليط مزيد من الأضواء على الارتباط العضوى والتنسيق الكامل بين أمريكا وإسرائيل ، أيقتضى الأمر التأكيد

المرة تلو المرة على حقيقة مفضوحة ، لم تعد فى حاجة إلى مزيد من التأكيدالواقع ، إن هناك نقاطا ثلاثا تثيرها هذه الوقائع ، وتؤكدها التطورات

الأخيرة فى حركة الصراع بالمنطقة :أولا:


بين أنصار التسوية السلمية على النطاق العربى يسود اتجاهان : الأول: وهو الأعم والأقوى ، يستهدف التوصل إلى حل سلمى على أساس ثورى

دون تنازل أو تراجع فيما يتعلّق بقضية تصفية آثار العدوان عن كل شبر من الأرض المغتصبة ، وبلا مساس بحق الشعب الفلسطينىفى مواصلة

نضاله العادل من أجل استعادة حقوقه . ومن ثم ، فإن هذا الحل يدور فى إطار الحفاظ على المكاسب والإنجازات فى مجال الثورةالاجتماعية وهو

الاتجاه الذى ينحو إلى الاعتماد على القوى الشعبية ، والاستناد إلى حركة الجماهير العربية ، والتضامن الوثيق مع جميع الشعوبالمحبّة للسلام

وفى مقدمتها الشعوب والقوى الاشتراكيةوهناك بعض الشراذم التى مازالت تعوّل على الولايات المتحدة الأمريكية فى أن تلعب دورا إيجابيا من أجل

تسوية سلمية ، وتتصوّر إمكانية حماية أجزاء من الأرض العربية ، بمقتضى التصريحات الأمريكية ، و صكوك " الوصاية" . ورغم أن هذا الاتجاه

لا يلقى أى استجابة من جانب الجماهير ، ويمثل بأقلية محدودة العدد، إلا أنه يزاول نشاطا واسعا على النطاق العربى كلة فى مناخ موات يتسم

بتصعيد الحملة الإمبريالية المنظمة بقيادة الولايات المتحدة ، وتزايد الهجوم الدعائى والسياسى فى الآونة الأخيرة . وقوى الشعوب العربية بما تملك

من وعى ويقظة ، كفيلة بالرد على هؤلاء و دحر مساعيهم ، وبخس بضاعتهم التى يروّجون لها . هؤلاء يعملون جهارا فى وضح النهار فى تحالف

وثيق مع القوى الاستعمارية ، لكن بعض أنصار هذا الاتجاه لا يجاهرون برأيهم ، بل يعملون فى الخفاء بأساليب ملتوية ، يركزون بالدرجة الأولى

على التحرك بحذر لاحتواء السلطة ، والانفراد باتخاذ القرارات ، يلوحون لأمريكا بنبذ الثورة الاجتماعية ، واستعدادهم للانفصال عن تيار القومية

العربية ، وقبول الحلول الوسط ، يتجهون إلى دعم العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الغرب الرأسمالى على حساب صداقة الشعوب وبلدان العالم

الاشتراكى و هم يتوخون - من خلال مواقفهم - إقناع الولايات المتحدة بأنهم صمام أمن ، يمنع تسرب الفكر اليسارى " المتطرف" ، وخير

حاجز ضد انتشار الشيوعية ومن هنا تبدو الأهمية الخاصة ، لا لمجرد تحديد العدو الرئيسى تحديدا نظريا ، بل وأيضا معاملته والتصدى له فى إطار

هذه النظرة . والولايات المتحدة الأمريكية ، هى العدو الرئيسى ، ومن ثم فإن المباحثات الدائرة بينها وبين الاتحاد السوفيتى ، تدور بين

العدو الأساسى والصديق والحليفالرئيسى ، وأمريكا لا تقبل الحل الوسط ، ولا ترضى بديلا عن إخضاع المنطقة كلها ، وثرواتها للاستراتيجية

الإمبريالية ، ومصالح احتكاراتها كما أن الظروف الموضوعية لحركة الاستقطاب التاريخية ، تجعل أى موقف " بينى " مستحيلا، يتناقض

مع معطيات العصر . والاستعمارلن يرضى بديلا عن الاستسلام ، وفرض التبعية على الوطن العربى إن التسوية السلمية على أسس مبدئية

ثورية ، لا يمكن أن تتم إلا من موقع قوة ، ولا نعنى بذلك القوة العسكرية وحدها ، بل أساسا تلك الناجمة عن التعبئة السياسية الكفيلة بإيجاد

مواجهة حازمة بين حركة الثورة العربية بمضمونها الاجتماعى ، والوطنى ، وبين العدو الرئيسى الإمبريالية الأمريكية القوة المتمثلة فى عزل

العناصر والاتجاهات المتخاذلة المترددة ، التى تشيع جوا من التراخى والبلبلة . إن تعبئة الجماهير رهن باقتناعها باستمرارالثورة الاجتماعية

لا بوقفها وتجميدها . إن الصراع الرئيسى فى الوطن العربى يدور بين القوى التحررية الاشتراكية الوحدوية ، وبين القوى الإمبريالية العالمية

مازالت طبيعة الصراع لم تتغيّر ، فالمعركة مزودجة ، ترتبط فيها الأهداف الوطنية بالقضايا الاجتماعية فى نسيج واحد فالأرض التى نناضل

من أجل تحريرها من العدو الاستعمارى الصهيونى ، لا ترويها الجماهير الكادحة بدمائها لتخلصها من براثن الاستعمارالقديم والاحتلال

المباشر ، لتقدمها لقمة سائغة للاستعمار الجديد أو العدو الطبقى إن أنصار اتجاه التوصل إلى حل سلمى " من خلال" الولايات المتحدة

الأمريكية ، هم دعاة المفهوم الرأسمالى للتحالف الوطنى ، وتدعيم الروابط بالسوق الرأسمالى العالمى ، وفتح الأبواب على مصاريعها

لرؤوس الأموال الغربية - بما فى ذلك الأمريكية - و إنعاش الاقتصاد " الحر" وإطلاقعنان المبادرات الفردية لرأس المال الخاص، وحصر

نشاط القطاع العام ، و " مجال الملكية العامة ، حيث تكون القوى الإنتاجية من الضخامةبحيث يصعب على الملكية الخاصة أن تستوعبها

" ، وأنصار هذا الاتجاه ، هم الذين يعملون على الانفراد بالسلطة ، وعزل قوى الشعب العاملةعنها ، ويخشون استمرار المعركة التى تهدّد

امتيازاتهم ومصالحهم ، وهذا الترابط بين موقفهم من القضايا الداخلية ، والسياسية الخارجية ،نابع عن أصولهم الاجتماعية والمواجهة

الحازمة الفعالة للعدو الرئيسى ، تقتضى اتخاذ موقف حاسم ضد هذه الاتجاهات ، بعزلها عن مواقع السلطة والتأثير ، ولن يتأتى ذلك إلا بنقل

السلطة إلى قوى الشعب العاملة ، وإعلاء كلمة الجماهير الكادحة ، فهى مصدر الحصانة ضد التيارات المتخاذلة إن التساهل فى عزل وبتر

التيارات المتخاذلة المترددة ، يخلق المناخ الملائم لانتعاش قوى الرجعية والتآمر. وليس أكثر دلالة على ذلك من أن موقف التردد إزاء

الرجعية اللبنانية الى بدأت تسفر عن وجهها بضرب حركة المقاومة الفلسطينية منذ أبريل الماضى ، قد شجعها على التمادى فى غيها ثانيا :


تحت ستار دخان التعمية الذى تنفثه الدوائر الأمريكية بمباحثاتها حول التسوية السملية ، تقوم بأعنف هجوم سياسى ودعائى مركز ضد العالم

العربى .

وتؤازر دون تحفظ السياسة العدوانية التوسعية لإسرائيل ، عن طريق الدعم العسكرى والمالى والأدبى المكثف. وتتآمر لإحياء الحلف

الإسلامى

وتحريك القوى الرجعية . فالبيان الأخير الذى أصدرته بشأن " قلق أمريكا على استقلال لبنان ، وتعهدها بحمايته " ، الذى لقى

ترحيب

دوائر معيّنة فى القطر الشقيق، هو عودة إلى " مشروع إيزنهاور" ، وتأليب للسلطان اللبنانية ضد نضال الشعب الفلسطينى ، ترتب

عليه

كأثر مباشر تجدد الاشتباكات بين الجيش اللبنانى والمقاومة الفلسطينية . وهناك المحاولات التى تبذل لجر " الأردن" إلى اتباع سياسة

مماثلة .

والقرار الأخير الذى يقضى بالسماح للأمريكيين بالعمل فى الجيش الإسرائيلى يؤكد أن مخطط السياسة الأمريكية ، هو تعويض ما يترتب

على حرب

الإنهاك من خسائر تلحق بإسرائيل، ليس فقط بتسليحها بالعتاد الحربى والدعم المالى والأدبى ، بل والقوى البشرية أيضا ، وهى من مراكز

الضعف

الأساسية التى تزعج إسرائيل وتثير قلقها ودلالة هذه المواقف ، ومغزى تلك الإجراءات واضحة ، لا تخفى على أحد ، فأمريكا لا تسعى للسلام

بل تعد للحرب، لا تستهدف التسوية وإنما تخطط لتصعيد العدوان ورفع مستوى العنف

تصور

الاستعمار أن هزيمة يونيو 1967 العسكرية ستؤدى إلى انهيار الأنظمة الوطنية والتقدمية فى الشرق العربى ، فإذا بالنكسة تخلق نقيضها

، صحوة

ويقظة عربية شاملة ، صمود يرتفع إلى مستوى الردع ، الكيان الفلسطينى وحركة المقاومة المسلحة تبلغ آفاقا كيفية جديدة ، ثورات

فى السودان

وليبيا ، تكتسح النفوذ والمصالح الاستعمارية ، وتحولات جذرية فى جمهورية اليمن الجنوبية




ومن الطبيعى أن يكون رد الفعل من جانب التحالف الاستعمارى الصهيونى هو الانقضاض من جديد ، قبل أن تلتقط الثورات الفتية أنفاسها وتدعّم

مواقعها ، وتنتشر " عدواها" ، وتمتد آثارها فى اتجاه قلب موازين القوى وعلاقاتها ضد المصالح الإمبريالية


فى ضوء هذه المواقف الحاسمة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ، تذوى احتمالات التسوية السلمية وتذبل، وتبرز إلى المقدمة توقعات العنف

والتآمر ، مما يقتضى مزيدا من اليقظة والحرص الثورى ، وقدرا أعظم من التعبئة ، وحسما فى مواجهة كل التيارات المترددة المتخاذلة ، التى

تثير البلبلة والتراخى ، وتبث عوامل التفكك والروح الانهزامية والسلبية


ثالثا :

ومن السمات التى تنبئ بقرب احتدام المعركة ، أن القوى الرجعية بدأت تنشط بلا تحفظ ، كاشفة النقاب عن وجهها ، وتزداد جرأة فى تحدى شعوبها

وهى احدى الظواهر التى تصاحب الإعداد للانقضاض تمهيدا للأرض وتيسيرا لمهمة العدو الخارجى . لكن ، أهم ما يسعى الاستعمار إلى تحقيقه

والحلقة الرئيسية فى نشاطه ، تتركز فى العمل على فتح أخطر ثغرة فى خط الصمود العربى ، وذلك بتقويض الوحدة على النطاق القومى ، وهدم

وتخريب الجبهات الوطنية فى كل بلد عربى على حدة

والاستعمار يملك عديدا من الأسلحة ، وإمكانيات ضخمة ، سواء منها العتاد الحربى أ و الموارد المالية والتقدم الفنى .


أما الشعوب ، فإن من أمضى الأسلحة التى تمتلكها ، وأشدها فاعلية ، وحدة صفوفها وإرادة التحرير. تلك الصخرة التى تحطمت عليها أعظم أجهزة

الحرب الحديثة وأعتاها ، وهذا السلاح ملك أيدينا، يتوقف على حمايته والذود عنه مصيرنا

وقد شهدنا كيف تلتحم القوى المضادة للثورة العربية فى كيان عضوى متكامل موحد ، مما يؤكد الأهمية الخاصة لالتحام قوى الثورة فى جيش

موحّد . كما أن المستوى الجديد للعدوانية الأمريكية الصهيونية يقتضى دعم هذه الوحدة إلى أقصى حد ممكن

لا شك ، أن أقوى دوافع الالتحام ، وأكثر عناصرها إلحاحا ، هى أخوة السلاح والغداء ، ورابطة الدم والاستشهاد التى تمليها على المنظمات الفلسطينية

فى معترك كفاحها المسلح . وقد تحقق فى هذا المجال بعض التقدم وقدر من النجاح لا يمكن التهوين من أمره ، إلاّ أن الأبعاد الجديدة للمخطط الاستعمارى

الصهيونى ، وتآمر الرجعية العربية ، تجعل المهمة العاجلة الملحّة ، هى إنجاز هذه المسئولية التاريخية دون إبطاء . وإذا كان من المتعذر ، تحقيق
الاندماج الكامل فى تنظيم واحد ، تجدر المبادرة بإقامة علاقات جبهوية حول برنامج الحد الأدنى المتفق عليه . وعلى أساس نقاط اللقاء العديدة
التى لا خلاف حولها . أما فى النظم الوطنية التقدمية ، حيث تتولى احدى القوى التقدمية مقاليد السلطة أو تشارك مجموعة من القوى الثورية فى
الحكم ، تسود بعض مظاهر السلبية فى طبيعة التحالف. فاحتلال مواقع السلطة يغرى احدى فرق التحالف الثورى ، أو فئة معينة منها باتباع منهج ذاتى فى علاقتها بالقوى الحليفة ، وتسعى إلى الانفراد باتخاذ القرارات، فتسود روح الشقاق ، ويحتدم الصراع فيما بينها . وكثيرا ما يحدث
أن تبلغ التناقضات بين القوى الحليفة مستوى أعنف من التناقضات العدائية مع التحالف الرجعى، إذ تنشغل هذه القوى بالصراعات فيما بينها فتضعف
اليقظة ، ويسود التفكك، مما يتيح للثورة المضادة استغلال هذا التمزق للتحرك فى حرية وتعبئة قواها للانقضاض على القوى الحليفة المتصارعة
وقد برع الاستعماريون فى اللعب على هذه المتناقضات ، وحذقوا أساليب تأجيجها من وراء الستار، بالدفع باحدى القوى المحافظة أو الرجعية
إلى مساندة فريق ضد آخر، وعندما يسقط هذا الفريق أو ذاك ، يبدأ الهجوم الشامل لإسقاط النظام برمته ، ومن العوامل المساعدة على نجاح سياسة
التفرقة هذه ، الطبيعة الاجتماعية ، والأصول الطبقية للقيادات الثورية الجديدة ، التى تنتمى إلى البورجوازية الوطنية والرأسمالية الصغيرة والمثقفينوقد ثبت من واقع تجربتنا الخاصة فى العالم العربى ، خطأ السياسة التى تتجه إلى فرض نموذج معين ، أو صيغة ما للتحالف الثورى ، أو شكل
تنظيمى لا يناسب الأوضاع الاجتماعية أو يتمشى مع مجرى التاريخ . فإذا كانت " مصر" قد انتهجت طريق تحالف قوى الشعب العاملة ، فهذا
لا يعنى أن ينطبق هذا الوضع على كل الظروف . ففى اجتماعات مباحثات الوحدة الثلاثية فى القاهرة 19 مارس 1963 ، قدم الرئيس عبد الناصر
تقييما لتجربة الوحدة مع سوريا قائلا : " إن عملية حل كل الأحزاب فى عام 1958 ، ما كانتش صح . كان لازم اتبعنا أسلوبا آخر ، وهو حل
الأحزاب التى لا تتفق فى الهدف ، ثم تجميع الأحزاب التى تجمعها وحدة الهدف ، الأحزاب القومية وتكون هى الطلائع الثورية فى جبهة قوية "
إذن ، فإن جبهة الأحزاب ليست مشكلة مدانا ، وحلّ الأحزاب الرجعية لا يبرّر بحال من الأحوال أن يطبق نفس الأجراء بالنسبة للأحزاب الثورية
المناضلة التى ساهمت فى الكفاح البطولى ضد المنظمات المعادية ، بل هى على نقيضها ، ولها حق التواجد والعمل ، من أجل تدعيم الوحدة الوطنية
والسبيل إلى دعم الوحدة ، لن يتوفر بانفراد احدى القوى الثورية بالسلطة ، وعزل القوى الأخرى ، بل يتأتى عن طريق المشاركة فى السلطة
والممارسة المشتركة لمهام العمل الوطنى سواء على النطاق الشعبى فى المؤسسات الجماهيرية أم داخل وفى قمة الأجهزة التنفيذية والإسهام
فى تحمل مسئوليات النشاط الثورى من كل المواقع . وهو السبيل إلى حصر التناقضات السلمية فى حقل التجربة العملية ، ومن موقع المسئولية
حتى لا تنقسم القوى الثورية بين أجهزة التنفيذ فى قمة السلطة ، والمبعدين المتخصصين فى ممارسة النقد
وهناك تحالف القوى الثورية خارج السلطة . وقد حققت هذه الجبهات نجاحا أكبر نسبيا من النموذج السابق . ولكنها فى حاجة إلى المزيد من
الدعم ، إذ أنها تواجه قوى رجعية متحكمة أو قوى رجعية مهتزة متأرجحة لا تجرؤ على المجاهرة بإعلان عدائها للشعب أو اتخاذ إجراءات حاسمة
فى ضرب قواه ، إلاّ أنها تتربص بالحركة الشعبية للانقضاض عليها إذا لاحت لها أى بادرة من التفكك والضعف
وقاعدة اللقاء والالتزام ببرنامج الحد الأدنى يجب أن تسرى فيما بين الأنظمة التقدمية على الصعيد العربى . ورغم أنها وحدة تاكتيكية حول الحد
الأدنى من الأهداف ، إلاّ أنها أساسية فى معركة تصفية آثار العدوان، ومواجهة التصعيد الجديد للعنف الاستعمارى. كما أن هذه الوحدة التاكتيكية
لابد وأن تستند إلى نواة استراتيجية صلبة ، تضم كل القوى التى تتبنى الاشتراكية العلمية الطليعة