Wednesday, May 16, 2007

تزايد أمركة العدوان الإسرائيلى ، ومسئولية القوى الثورية




أعلن " روبرت ماكلوسكى " المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فى واشنطن ، أن الجنسية الأمريكية لن تسقط عن العسكريين الأمريكيين

المجندين فى القوات المسلحة الإسرائيلية وأكد البيان الأمريكى أنها قاعدة عامة تسرى " على كل أمريكى يعمل ضمن قوات أجنبية لا تتعارض

مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة ، ولا تعرّض أمن الولايات المتحدة للخطر "وأثناء الزيارة الرسمية التى قامت بها " جولدا مائير" للولايات المتحدة

، أعلن " نيكسون" ترحيبه برئيسةحكومة شعب شجاع مصمّم على المحافظة على السلام فى المنطقةثم صرّحت " جولدا مائير" فى خطاب ألقته

فى حفل أقامه اليهود فى "لوس أنجلوس" أن الرئيس " نيكسون "أكد لها " إن الولايات المتحدة لن تحاول الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضى

العربية المحتلة قبل الوصول إلى سلام دائم فى الشرق الأوسط " ، فى نفس الوقت يردد فيه الرسميون الأمريكيون تعبير "الحدود الآمنة "ويؤيدون

إدخال تعديلات على حدود دول المنطقة المحيطة بإسرائيلوهناك إجماع فى الصحافة الغربية على نجاح مباحثات رئيسة وزراء إسرائيل ، التى

أعلنت " لقد شعرت لدى خروجى من البيت الأبيض بغبطة أكثر من التى كنت أشعر بها لدى دخولى "كما تؤكد مصادر الأنباء أن إسرائيل حصلت

على القروض والأسلحة المطلوبة ، ويفسّر المراقبون عدم صدور بيان مشترك بأنه يعنى أن هناكاتفاقيات لا يمكن إذاعتها فى الوقت الحالى .

وكانت قائمة المطالب تتضمن تغطية العجز فى ميزان المدفوعات المقدّر أن يبلغ فى السنوات الخمسالقادمة ، ألف مليون دولار و 150 طائرة

هليكوبتر - ثمنها 350 مليون دولار - ، 25 طائرة فانتوم ، و 50 من طراز سكاى هوكومنذ سنوات ، تتردّد التصريحات عن الأسطول السادس

باعتباره الاحتياطى الاستراتيجى لإسرائيل ، وتدور التساؤلات فى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى ، حول إلزام الولايات المتحدة

بالدفاع عن إسرائيل. وتتم زيارات مشبوهة مثل تلك اتى قام بها " ثيودور كونرى " - قائد القوات الضاربة فى الجيش الأمريكى - لإسرائيل،

واجتمع أثناءها بـ" بموشى ديان" - وزير الدفاع - و " حاييم بارليف" - رئيس أركان الحرب فى مارس الماضى وتمتد أصابع التآمر

على الجانب الآخر من خط الصراع فى حلقات مترابطة منسقة ، فيصدر البيان الأمريكى معربا عن القلق العميق إزاء أمن " لبنان" وسلامته

ويتعهد بتأمينه من الأخطار . ويبادر المسئولون اللبنانيون إلى الترحيب بالحماية ، وتكون بمثابة إشارة التحرك والهجوم على المقاومة

الفلسطينية والحركة الشعبية اللبنانية وتحتدم المعركة التى افتعلتها الرجعية ، فيتزايد " القلق " الأمريكى ، ويصرّح " نيكسون" بأن الوضع

فى الشرق الأدنى معرّض للانفجار فى أى لحظة ، وقد صحب تصريح وزارة الخارجية عن الخطر " القادم من الحدود الشرقية " ، حملة

من الشائعات عن "حشود سورية على حدودلبنان " . وهكذا يكتسب مخطط التحالف الأمريكى الصهيونى مع الرجعية اللبنانية أبعادا خطيرة

تمهيدا للامتداد إلى بلدان أخرى بالمنطقة بهدف تصفية المقاومة الفلسطينية ، وطعن الحركة الثورية العربية ، وهدم الجبهة الشرقية ، والتدخل

المباشر فى الشرق الأوسط على نمط ما قامت به عام 1958 لكن، ما الهدف من إيراد كل هذه الوقائع ، هل نحن فى حاجة إلى إثبات التواطؤ

الأمريكى الإسرائيلى ، وتسليط مزيد من الأضواء على الارتباط العضوى والتنسيق الكامل بين أمريكا وإسرائيل ، أيقتضى الأمر التأكيد

المرة تلو المرة على حقيقة مفضوحة ، لم تعد فى حاجة إلى مزيد من التأكيدالواقع ، إن هناك نقاطا ثلاثا تثيرها هذه الوقائع ، وتؤكدها التطورات

الأخيرة فى حركة الصراع بالمنطقة :أولا:


بين أنصار التسوية السلمية على النطاق العربى يسود اتجاهان : الأول: وهو الأعم والأقوى ، يستهدف التوصل إلى حل سلمى على أساس ثورى

دون تنازل أو تراجع فيما يتعلّق بقضية تصفية آثار العدوان عن كل شبر من الأرض المغتصبة ، وبلا مساس بحق الشعب الفلسطينىفى مواصلة

نضاله العادل من أجل استعادة حقوقه . ومن ثم ، فإن هذا الحل يدور فى إطار الحفاظ على المكاسب والإنجازات فى مجال الثورةالاجتماعية وهو

الاتجاه الذى ينحو إلى الاعتماد على القوى الشعبية ، والاستناد إلى حركة الجماهير العربية ، والتضامن الوثيق مع جميع الشعوبالمحبّة للسلام

وفى مقدمتها الشعوب والقوى الاشتراكيةوهناك بعض الشراذم التى مازالت تعوّل على الولايات المتحدة الأمريكية فى أن تلعب دورا إيجابيا من أجل

تسوية سلمية ، وتتصوّر إمكانية حماية أجزاء من الأرض العربية ، بمقتضى التصريحات الأمريكية ، و صكوك " الوصاية" . ورغم أن هذا الاتجاه

لا يلقى أى استجابة من جانب الجماهير ، ويمثل بأقلية محدودة العدد، إلا أنه يزاول نشاطا واسعا على النطاق العربى كلة فى مناخ موات يتسم

بتصعيد الحملة الإمبريالية المنظمة بقيادة الولايات المتحدة ، وتزايد الهجوم الدعائى والسياسى فى الآونة الأخيرة . وقوى الشعوب العربية بما تملك

من وعى ويقظة ، كفيلة بالرد على هؤلاء و دحر مساعيهم ، وبخس بضاعتهم التى يروّجون لها . هؤلاء يعملون جهارا فى وضح النهار فى تحالف

وثيق مع القوى الاستعمارية ، لكن بعض أنصار هذا الاتجاه لا يجاهرون برأيهم ، بل يعملون فى الخفاء بأساليب ملتوية ، يركزون بالدرجة الأولى

على التحرك بحذر لاحتواء السلطة ، والانفراد باتخاذ القرارات ، يلوحون لأمريكا بنبذ الثورة الاجتماعية ، واستعدادهم للانفصال عن تيار القومية

العربية ، وقبول الحلول الوسط ، يتجهون إلى دعم العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الغرب الرأسمالى على حساب صداقة الشعوب وبلدان العالم

الاشتراكى و هم يتوخون - من خلال مواقفهم - إقناع الولايات المتحدة بأنهم صمام أمن ، يمنع تسرب الفكر اليسارى " المتطرف" ، وخير

حاجز ضد انتشار الشيوعية ومن هنا تبدو الأهمية الخاصة ، لا لمجرد تحديد العدو الرئيسى تحديدا نظريا ، بل وأيضا معاملته والتصدى له فى إطار

هذه النظرة . والولايات المتحدة الأمريكية ، هى العدو الرئيسى ، ومن ثم فإن المباحثات الدائرة بينها وبين الاتحاد السوفيتى ، تدور بين

العدو الأساسى والصديق والحليفالرئيسى ، وأمريكا لا تقبل الحل الوسط ، ولا ترضى بديلا عن إخضاع المنطقة كلها ، وثرواتها للاستراتيجية

الإمبريالية ، ومصالح احتكاراتها كما أن الظروف الموضوعية لحركة الاستقطاب التاريخية ، تجعل أى موقف " بينى " مستحيلا، يتناقض

مع معطيات العصر . والاستعمارلن يرضى بديلا عن الاستسلام ، وفرض التبعية على الوطن العربى إن التسوية السلمية على أسس مبدئية

ثورية ، لا يمكن أن تتم إلا من موقع قوة ، ولا نعنى بذلك القوة العسكرية وحدها ، بل أساسا تلك الناجمة عن التعبئة السياسية الكفيلة بإيجاد

مواجهة حازمة بين حركة الثورة العربية بمضمونها الاجتماعى ، والوطنى ، وبين العدو الرئيسى الإمبريالية الأمريكية القوة المتمثلة فى عزل

العناصر والاتجاهات المتخاذلة المترددة ، التى تشيع جوا من التراخى والبلبلة . إن تعبئة الجماهير رهن باقتناعها باستمرارالثورة الاجتماعية

لا بوقفها وتجميدها . إن الصراع الرئيسى فى الوطن العربى يدور بين القوى التحررية الاشتراكية الوحدوية ، وبين القوى الإمبريالية العالمية

مازالت طبيعة الصراع لم تتغيّر ، فالمعركة مزودجة ، ترتبط فيها الأهداف الوطنية بالقضايا الاجتماعية فى نسيج واحد فالأرض التى نناضل

من أجل تحريرها من العدو الاستعمارى الصهيونى ، لا ترويها الجماهير الكادحة بدمائها لتخلصها من براثن الاستعمارالقديم والاحتلال

المباشر ، لتقدمها لقمة سائغة للاستعمار الجديد أو العدو الطبقى إن أنصار اتجاه التوصل إلى حل سلمى " من خلال" الولايات المتحدة

الأمريكية ، هم دعاة المفهوم الرأسمالى للتحالف الوطنى ، وتدعيم الروابط بالسوق الرأسمالى العالمى ، وفتح الأبواب على مصاريعها

لرؤوس الأموال الغربية - بما فى ذلك الأمريكية - و إنعاش الاقتصاد " الحر" وإطلاقعنان المبادرات الفردية لرأس المال الخاص، وحصر

نشاط القطاع العام ، و " مجال الملكية العامة ، حيث تكون القوى الإنتاجية من الضخامةبحيث يصعب على الملكية الخاصة أن تستوعبها

" ، وأنصار هذا الاتجاه ، هم الذين يعملون على الانفراد بالسلطة ، وعزل قوى الشعب العاملةعنها ، ويخشون استمرار المعركة التى تهدّد

امتيازاتهم ومصالحهم ، وهذا الترابط بين موقفهم من القضايا الداخلية ، والسياسية الخارجية ،نابع عن أصولهم الاجتماعية والمواجهة

الحازمة الفعالة للعدو الرئيسى ، تقتضى اتخاذ موقف حاسم ضد هذه الاتجاهات ، بعزلها عن مواقع السلطة والتأثير ، ولن يتأتى ذلك إلا بنقل

السلطة إلى قوى الشعب العاملة ، وإعلاء كلمة الجماهير الكادحة ، فهى مصدر الحصانة ضد التيارات المتخاذلة إن التساهل فى عزل وبتر

التيارات المتخاذلة المترددة ، يخلق المناخ الملائم لانتعاش قوى الرجعية والتآمر. وليس أكثر دلالة على ذلك من أن موقف التردد إزاء

الرجعية اللبنانية الى بدأت تسفر عن وجهها بضرب حركة المقاومة الفلسطينية منذ أبريل الماضى ، قد شجعها على التمادى فى غيها ثانيا :


تحت ستار دخان التعمية الذى تنفثه الدوائر الأمريكية بمباحثاتها حول التسوية السملية ، تقوم بأعنف هجوم سياسى ودعائى مركز ضد العالم

العربى .

وتؤازر دون تحفظ السياسة العدوانية التوسعية لإسرائيل ، عن طريق الدعم العسكرى والمالى والأدبى المكثف. وتتآمر لإحياء الحلف

الإسلامى

وتحريك القوى الرجعية . فالبيان الأخير الذى أصدرته بشأن " قلق أمريكا على استقلال لبنان ، وتعهدها بحمايته " ، الذى لقى

ترحيب

دوائر معيّنة فى القطر الشقيق، هو عودة إلى " مشروع إيزنهاور" ، وتأليب للسلطان اللبنانية ضد نضال الشعب الفلسطينى ، ترتب

عليه

كأثر مباشر تجدد الاشتباكات بين الجيش اللبنانى والمقاومة الفلسطينية . وهناك المحاولات التى تبذل لجر " الأردن" إلى اتباع سياسة

مماثلة .

والقرار الأخير الذى يقضى بالسماح للأمريكيين بالعمل فى الجيش الإسرائيلى يؤكد أن مخطط السياسة الأمريكية ، هو تعويض ما يترتب

على حرب

الإنهاك من خسائر تلحق بإسرائيل، ليس فقط بتسليحها بالعتاد الحربى والدعم المالى والأدبى ، بل والقوى البشرية أيضا ، وهى من مراكز

الضعف

الأساسية التى تزعج إسرائيل وتثير قلقها ودلالة هذه المواقف ، ومغزى تلك الإجراءات واضحة ، لا تخفى على أحد ، فأمريكا لا تسعى للسلام

بل تعد للحرب، لا تستهدف التسوية وإنما تخطط لتصعيد العدوان ورفع مستوى العنف

تصور

الاستعمار أن هزيمة يونيو 1967 العسكرية ستؤدى إلى انهيار الأنظمة الوطنية والتقدمية فى الشرق العربى ، فإذا بالنكسة تخلق نقيضها

، صحوة

ويقظة عربية شاملة ، صمود يرتفع إلى مستوى الردع ، الكيان الفلسطينى وحركة المقاومة المسلحة تبلغ آفاقا كيفية جديدة ، ثورات

فى السودان

وليبيا ، تكتسح النفوذ والمصالح الاستعمارية ، وتحولات جذرية فى جمهورية اليمن الجنوبية




ومن الطبيعى أن يكون رد الفعل من جانب التحالف الاستعمارى الصهيونى هو الانقضاض من جديد ، قبل أن تلتقط الثورات الفتية أنفاسها وتدعّم

مواقعها ، وتنتشر " عدواها" ، وتمتد آثارها فى اتجاه قلب موازين القوى وعلاقاتها ضد المصالح الإمبريالية


فى ضوء هذه المواقف الحاسمة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ، تذوى احتمالات التسوية السلمية وتذبل، وتبرز إلى المقدمة توقعات العنف

والتآمر ، مما يقتضى مزيدا من اليقظة والحرص الثورى ، وقدرا أعظم من التعبئة ، وحسما فى مواجهة كل التيارات المترددة المتخاذلة ، التى

تثير البلبلة والتراخى ، وتبث عوامل التفكك والروح الانهزامية والسلبية


ثالثا :

ومن السمات التى تنبئ بقرب احتدام المعركة ، أن القوى الرجعية بدأت تنشط بلا تحفظ ، كاشفة النقاب عن وجهها ، وتزداد جرأة فى تحدى شعوبها

وهى احدى الظواهر التى تصاحب الإعداد للانقضاض تمهيدا للأرض وتيسيرا لمهمة العدو الخارجى . لكن ، أهم ما يسعى الاستعمار إلى تحقيقه

والحلقة الرئيسية فى نشاطه ، تتركز فى العمل على فتح أخطر ثغرة فى خط الصمود العربى ، وذلك بتقويض الوحدة على النطاق القومى ، وهدم

وتخريب الجبهات الوطنية فى كل بلد عربى على حدة

والاستعمار يملك عديدا من الأسلحة ، وإمكانيات ضخمة ، سواء منها العتاد الحربى أ و الموارد المالية والتقدم الفنى .


أما الشعوب ، فإن من أمضى الأسلحة التى تمتلكها ، وأشدها فاعلية ، وحدة صفوفها وإرادة التحرير. تلك الصخرة التى تحطمت عليها أعظم أجهزة

الحرب الحديثة وأعتاها ، وهذا السلاح ملك أيدينا، يتوقف على حمايته والذود عنه مصيرنا

وقد شهدنا كيف تلتحم القوى المضادة للثورة العربية فى كيان عضوى متكامل موحد ، مما يؤكد الأهمية الخاصة لالتحام قوى الثورة فى جيش

موحّد . كما أن المستوى الجديد للعدوانية الأمريكية الصهيونية يقتضى دعم هذه الوحدة إلى أقصى حد ممكن

لا شك ، أن أقوى دوافع الالتحام ، وأكثر عناصرها إلحاحا ، هى أخوة السلاح والغداء ، ورابطة الدم والاستشهاد التى تمليها على المنظمات الفلسطينية

فى معترك كفاحها المسلح . وقد تحقق فى هذا المجال بعض التقدم وقدر من النجاح لا يمكن التهوين من أمره ، إلاّ أن الأبعاد الجديدة للمخطط الاستعمارى

الصهيونى ، وتآمر الرجعية العربية ، تجعل المهمة العاجلة الملحّة ، هى إنجاز هذه المسئولية التاريخية دون إبطاء . وإذا كان من المتعذر ، تحقيق
الاندماج الكامل فى تنظيم واحد ، تجدر المبادرة بإقامة علاقات جبهوية حول برنامج الحد الأدنى المتفق عليه . وعلى أساس نقاط اللقاء العديدة
التى لا خلاف حولها . أما فى النظم الوطنية التقدمية ، حيث تتولى احدى القوى التقدمية مقاليد السلطة أو تشارك مجموعة من القوى الثورية فى
الحكم ، تسود بعض مظاهر السلبية فى طبيعة التحالف. فاحتلال مواقع السلطة يغرى احدى فرق التحالف الثورى ، أو فئة معينة منها باتباع منهج ذاتى فى علاقتها بالقوى الحليفة ، وتسعى إلى الانفراد باتخاذ القرارات، فتسود روح الشقاق ، ويحتدم الصراع فيما بينها . وكثيرا ما يحدث
أن تبلغ التناقضات بين القوى الحليفة مستوى أعنف من التناقضات العدائية مع التحالف الرجعى، إذ تنشغل هذه القوى بالصراعات فيما بينها فتضعف
اليقظة ، ويسود التفكك، مما يتيح للثورة المضادة استغلال هذا التمزق للتحرك فى حرية وتعبئة قواها للانقضاض على القوى الحليفة المتصارعة
وقد برع الاستعماريون فى اللعب على هذه المتناقضات ، وحذقوا أساليب تأجيجها من وراء الستار، بالدفع باحدى القوى المحافظة أو الرجعية
إلى مساندة فريق ضد آخر، وعندما يسقط هذا الفريق أو ذاك ، يبدأ الهجوم الشامل لإسقاط النظام برمته ، ومن العوامل المساعدة على نجاح سياسة
التفرقة هذه ، الطبيعة الاجتماعية ، والأصول الطبقية للقيادات الثورية الجديدة ، التى تنتمى إلى البورجوازية الوطنية والرأسمالية الصغيرة والمثقفينوقد ثبت من واقع تجربتنا الخاصة فى العالم العربى ، خطأ السياسة التى تتجه إلى فرض نموذج معين ، أو صيغة ما للتحالف الثورى ، أو شكل
تنظيمى لا يناسب الأوضاع الاجتماعية أو يتمشى مع مجرى التاريخ . فإذا كانت " مصر" قد انتهجت طريق تحالف قوى الشعب العاملة ، فهذا
لا يعنى أن ينطبق هذا الوضع على كل الظروف . ففى اجتماعات مباحثات الوحدة الثلاثية فى القاهرة 19 مارس 1963 ، قدم الرئيس عبد الناصر
تقييما لتجربة الوحدة مع سوريا قائلا : " إن عملية حل كل الأحزاب فى عام 1958 ، ما كانتش صح . كان لازم اتبعنا أسلوبا آخر ، وهو حل
الأحزاب التى لا تتفق فى الهدف ، ثم تجميع الأحزاب التى تجمعها وحدة الهدف ، الأحزاب القومية وتكون هى الطلائع الثورية فى جبهة قوية "
إذن ، فإن جبهة الأحزاب ليست مشكلة مدانا ، وحلّ الأحزاب الرجعية لا يبرّر بحال من الأحوال أن يطبق نفس الأجراء بالنسبة للأحزاب الثورية
المناضلة التى ساهمت فى الكفاح البطولى ضد المنظمات المعادية ، بل هى على نقيضها ، ولها حق التواجد والعمل ، من أجل تدعيم الوحدة الوطنية
والسبيل إلى دعم الوحدة ، لن يتوفر بانفراد احدى القوى الثورية بالسلطة ، وعزل القوى الأخرى ، بل يتأتى عن طريق المشاركة فى السلطة
والممارسة المشتركة لمهام العمل الوطنى سواء على النطاق الشعبى فى المؤسسات الجماهيرية أم داخل وفى قمة الأجهزة التنفيذية والإسهام
فى تحمل مسئوليات النشاط الثورى من كل المواقع . وهو السبيل إلى حصر التناقضات السلمية فى حقل التجربة العملية ، ومن موقع المسئولية
حتى لا تنقسم القوى الثورية بين أجهزة التنفيذ فى قمة السلطة ، والمبعدين المتخصصين فى ممارسة النقد
وهناك تحالف القوى الثورية خارج السلطة . وقد حققت هذه الجبهات نجاحا أكبر نسبيا من النموذج السابق . ولكنها فى حاجة إلى المزيد من
الدعم ، إذ أنها تواجه قوى رجعية متحكمة أو قوى رجعية مهتزة متأرجحة لا تجرؤ على المجاهرة بإعلان عدائها للشعب أو اتخاذ إجراءات حاسمة
فى ضرب قواه ، إلاّ أنها تتربص بالحركة الشعبية للانقضاض عليها إذا لاحت لها أى بادرة من التفكك والضعف
وقاعدة اللقاء والالتزام ببرنامج الحد الأدنى يجب أن تسرى فيما بين الأنظمة التقدمية على الصعيد العربى . ورغم أنها وحدة تاكتيكية حول الحد
الأدنى من الأهداف ، إلاّ أنها أساسية فى معركة تصفية آثار العدوان، ومواجهة التصعيد الجديد للعنف الاستعمارى. كما أن هذه الوحدة التاكتيكية
لابد وأن تستند إلى نواة استراتيجية صلبة ، تضم كل القوى التى تتبنى الاشتراكية العلمية الطليعة

No comments: