Friday, July 6, 2007

فيتنام ، شهادات واقعية عن قصة اكتملت فصولها ، الطليعة أغسطس 1975

لم يكد شهر أبريل من عام 1975 يوشك على الانتهاء ، إلاّ وكان النظام العميل فى فيتنام الجنوبية قد سقط تماما .
بعد أن فشلت كل عمليات " الحقن الخارجى " الأمريكى فى أن تُبقى على نبضة حياة فى جسد النظام العميل الذى
أنهكته تماما ضربات الثوار من جهة ، وأمراضه الداخلية " السرطانية " من جهة أخرى . على أن سقوط " سايجون"
لم يكن يعنى مجرد هزيمة لنظام سياسى عميل لا سند له على مستوى الشرعية أو الشعبية ، وإنما كان يعنى - فى الأساس -
هزيمة للإمبريالية الأمريكية ، أشرس إمبرياليات العصر . بل وكان يعنى هزيمة سياسية وعسكرية للولايات
المتحدة على السواء . كان هزيمة لكل نظريات " الحرب المحدودة " و " فتنمة الحرب" و " الحرب المضادة
للعصابات " . الخ . ويخطئ كل من يظن أنه كان فى مقدور الولايات المتحدة إنقاذ النظام العميل إلا أنها لم تفعل .
فالواقع أنه لم يكن فى مقدورها إلاّ التسليم بالهزيمة : بسقوط " سايجون" و إعلان " هوشى منه". ولعلنا لا نبالغ
إذا قلنا أن فجر أول مايو الذى رأى " شهادة دفن " النظام العميل ، و " ميلاد " النظام الثورى الجديد ، كان أيضا
بمثابة إعلان بداية " الخروج الأمريكى " من آسيا ، تحت وطأة آثار وآفاق انتصار " فيتنام " الذى سبقه انتصار
" كمبوديا ". لقد أتمّ شعب " فيتنام " البطل إنجازه التاريخى بتحرير بلاده ، ليؤكد حقيقة أن الشعوب - أيا كان
حجمها العددى أو الاقتصادى - قادرة على إنزال الهزيمة بأعتى وأشرس أنواع الاستعمار ، وأيا كان حجمه
السياسى أو العسكرى . مع فجر أول مايو ، بدأت قصة أخرى لنضال شعب فيتنام ، مسيرة البناء والوحدة والاشتراكية .
بعد أن اكتملت فصول قصة نضاله الوطنى التى سيطر فيها على امتداد 30 عاما ، أبلغ الدروس وأجلّ التضحيات .
خاض خلالها نضالا لم يلن ضد الإمبريالية اليابانية ثم الإمبريالية الفرنسية ثم أخيرا - الإمبريالية الأمريكية .
وفى هذا العدد ، تقدّم " الطليعة " 3 شهادات واقعية :
أولا: شهادة أمريكية يقدمها الجنرال " ويستمور لاند " ، الذى تولى فى فترة من الفترات قيادة القوات الأمريكية
فى فيتنام ، وذلك فى حديث له إلى مجلية " دير شبيجل" الألمانية الغربية ، ويعكس الحديث رؤية أمريكية للحرب
الفيتنامية ، وتطوراتها وملامحها . وجدير بالذكر - هنا - أن نشير إلى أننا كنا قد نشرنا من قبل مقالا للجنرال
" ويستمور لاند" يعرض فيه نظريته عن " الحرب المضادة للعصابات".
ثانيا : شهادة فيتنامية يقدمها رجل العسكرية الفيتنامية الذائع الصيت : " الجنرال جياب" قائد انتصار " ديان بيو فو"
حيث أنزل ضربته القاصمة بالقوات الفرنسية فى عام 1954 ، وصاحب نظرية " حرب كل الشعب". وهو
يعرض رؤيته للحرب ، من خلال رسالة بعث بها إلى منظمة التحرير الفلسطينية ونشرتها مجلة " فلسطين
الثورة " . وتنشرها " الطليعة " - هنا - بترتيب خاص مع " فلسطين الثورة ".
ثالثا : شهادة مصرية ، تقدمها الكاتبة " ليلى الجبالى " - بدار الجمهورية - وكانت قد زارت فيتنام ، خلال سنوات
العدوان الأمريكى ، وخرجت من زيارتها الميدانية بعديد من الانطباعات ضمنتها كتابا يصدر قريبا. ويعد الفصل
الذى تنشره - باتفاق معها - شهادة تعكس رؤيتها للواقع الفيتنامى خلال الحرب . والشهادة جزء من كتاب تصدره
قريبا دار القاهرة للثقافة العربية بعنوان " وانتصرت فيتنام".

شبيجل : سيدى الجنرال ، لماذا خسرت أمريكا الحرب فى فيتنام .
الجنرال : هذا سؤال معقد، إلاّ أن الإجابة بسيطة ، لقد كان هدفنا من الحرب ومن الاستراتيجية التى وُضعت
بعد الحرب العالمية الثانية هو الحد من العدوان الشيوعى . وللوصول إلى هذا الهدف كان علينا أن نستعمل
الكثير من وسائل القوة لأن الوسائل السياسية ، لم تكن قادرة على ذلك.
شبيجل : ولكنكم
الجنرال : دعنى أشير إلى أن هدفنا كان مثاليا غير واقعى وغير أنانى ، ولكى نفهم ذلك ، يجب علينا أن نرجع
بالذاكرة إلى الخطبة التى ألقاها الرئيس كيندى بمناسبة تقلده للرياسة التى ألقاها :" علينا أن ندفع كل ثمن
وأن نتحمل كل عبء وأن نواجه كل صعوبة لمساعدة كل صديق ، ونقاوم كل عدوان فى سبيل الإبقاء على
الحرية وحمايتها".
شبيجل: تقولون بأنه كان يجب على أمريكا أن تتدخل بشكل أشد . إلا أنه كان تحت تصرفكم أكثر من نصف
مليون جندى ، أى أكثر من الجيش الألمانى فى سنة 1939 ، ولقد ألقيتم من القنابل ثلاثة أضعاف ونصف
ضعف ، مما أًُلقى فى الحرب العالمية الثانية . وأحرقتم الأدغال ، ولكن فى النهاية عندما انسحبت الولايات
المتحدة ، كان الرجال القصار الذين يلبسون البيجامات السوداء - كما وصفهم الرئيس جونسون - موجودين
وأقوى مما كانوا من قبل ، فكيف تفسّرون ذلك من الوجهة العسكرية .
الجنرال : إننى أعارضكم فى قولكم بأن الرجال القصار لابسى البيجامات السوداء كانوا بعد انسحابنا أقوى
مما كانوا من قبل .
شبيجل : إنهم يهاجمون الآن " سايجون" كما لم يفعلوا من قبل .
الجنرال : ليس هؤلاء هم الرجال القصار الذين يلبسون البيجامات . إنه جيش فيتنام الشمالية الذى يدخل
" سايجون". إنها قوات من جيش فيتنام الشمالية التى انتصرت وشتت قوات فيتنام الجنوبية ، إنهم رجال
طوال يلبسون الثياب العسكرية ، إنهم قوات عسكرية مجهّزة بأحدث الأسلحة .
شبيجل : دعنى ألقى سؤال بشكل آخر ، كانت فيتنام الشماية البلد الصغير تقف فى جانب ، وفى الجانب الآخر
كانت تقف الولايات المتحدة ، الدولة العظمى بآلاتها الحربية الجبّارة . ومع ذلك فلم نتمكن من طرد الشيوعيين
فكيف تفسّرون ذلك .
الجنرال : يفسّر ذلك قوة الهجوم بالنسبة لقوة الدفاع .
شبيجل : ولكن أنتم أيضا تحوّلتم إلى الهجوم .
الجنرال : كلا ، لم نفعل ذلك ، لأن استراتيجيتنا كانت دائما دفاعية . صحيح لقد كنّا نقوم بغارات جوية و مكثّفة
ولكن فى كل مرة كانت تصل فيها هذه الغارات إلى النقطة التى تؤثّر فى الخصم ، كان الموقف السياسى والعاطفى
لبعض طبقات الشعب الأمريكى يضطرنا إلى التوقف والتقهقر.
شبيجل: السبب الرئيسى لعدم فعالية استراتيجيتكم هو
الجنرال : كان السبب الرئيسى لعدم فعالية استراتيجيتنا هو أننا لم نُلق بكامل قوتنا.
شبيجل : هل كنتم تشعرون فى مثل هذه اللحظات التى تتخذ فيها واشنطن هذه القرارات ، بأنها قد تخلّت عنكم .
الجنرال : هذا عمل مثبّط للعزم بالنسبة لجندى . وهذه هى أول مرة فى تاريخ الحروب تُعرض فيها قرارات
حاسمة يوما بعد يوم . على أعلا هيئة فى البلاد . وجميع البناء القيادى يفتقر إلى الحزم .
س : وكيف كنتم تنتظرون إذن أن تهزموا هذا الخصم فى ميدان القتال .
ج: لقد أنزلنا بقواته خسائر فادحة فى فيتنام الجنوبية ، ولكن لم يسمح لنا بدخول " لاوس" أو " كمبوديا "
طالما كنت أنا محتفظا بالقيادة .
س: ولكنكم دخلتم فعلا.
ج: ولكن تقدّمنا كان مصحوبا بقيود فيما يختص بالمدة والبعد عن الحدود . لقد تقدّمت بعض الوحدات الأمريكية
فى جزء من كمبوديا . إلاّ أن بعض قوات فيتنام الجنوبية البرية هى التى تقدمت فى " لاوس".
س: ولكن كقائد وحدة مجرب فى الحرب العالمية الثانية ، كان يمكنكم أن تروا هذا الوضع المعقد منذ البداية
بماذا نصحتم الرئيس جونسون فى سنة 1964 ، هل بالدخول ، وهذا ما يمكننا تفهمه .
ج: لقد وضعنا سياسة وقف الزحف الشيوعى قبل ذلك بعدّة سنوات وإننى لا أتذكر أننا خلال السنوات الأربع
والنصف التى قضيتها فى " سايجون" قد ناقشنا مسألة التخلّى عن التزاماتنا فى فيتنام. لقد كانت استراتيجيتنا
هى محاولة إقناع " هانوى" إنها لن تكسب، ولذلك كان عليها أن ترضى بتقسيم فيتنام ، ولكن محاولتنا
أخفقت.
س: إذن ألم يكن من الأصوب لو أن الرئيس جونسون ، تمسّك بنصحية الجنرال " ماك آرثر" ، فقد حذّره
أثناء تواجده فى المستشفى قائلا " أعمل يا بنى على ألاّ تنزلق إلى حرب فى آسيا".
ج : لقد كان الجنرال " ماك آرثر" صديقا حميما لى . وقبل تعيينى قائدا عاما للقوات الأمريكية فى فيتنام
توجّهت لزيارته . وأعتقد أن تصوّره قد نُقل مشوّها . فمن ناحية فقد خاض " ماك آرثر" نفسه حربا برية
فى آسيا : فى كوريا . ومن ناحية أخرى كان شعاره " ليس للنصر بديل". و فى حديث لى معه ، ألحّ على
وجوب أن نُشرك دولا أخرى فى الشرق الأقصى فى الحرب.
س: أية دول يقصد.
ج: كان يريد قبل كل شئ استخدام قوات " تشانج كاى شيك".
س : لو أنكم استخدمتم قوات " فورموزا " لهبّ " ماوتسى تونج " إلى الميدان .
س: إننى أوافقك على ذلك . ولقد نوقش فعلا استخدام قوات الصين الوطنية ، طوال حرب فيتنام ، وأنا شخصيا
لم أؤيد ذلك . وكان هذا أيضا موقف حكومتنا طبعا.
س : بالطبع لأنكم خشيتم أن تصدموا بقوات " ماوتسى تونج".
ج: نعم ، قد يكون ذلك من أهم الأسباب .
س: عندما جئتم إلى فيتنام ، فى سنة 1964 ، ألم تدركوا أنكم تخوضون حربا لم تعدّ لها قواتكم .
ج: فى الواقع ، كانت حربا جديدة علينا أن نقاتل للمرة الأولى منذ قتالنا مع الهنود الحمر ، مع أعداء غير
تقليديين . كنّا نقاتل فى أراض جد شائكة ، ومن ناحية أخرى ، ليس صحيحا ، أن استعدادنا كان سيئا . ففى
سنة 1950 ، أنشأنا مركزا فى شمال كارولينا للتدريب على حرب العصابات . لقد أرسلنا قوات خاصة من
جيشنا إلى الجبهة . إلاّ أن هذه القوات قاتلت ضمت قوات نظامية من " هانوى" تتكوّن من عدّة فرق مجهّزة
بأحدث الأسلحة السوفيتية .
س: ولكن كانت الحرب ، حرب عصابات منذ البداية .
ج: ولكن الخطر ، كان موجودا لأننا قد نواجه قوات تقليدية ، وهذا ما حدث فعلا، فلو أننا كنا نظّمنا جيش
فيتنام الجنوبية ، القوات مضادة لرجال العصابات ، فما كان فى استطاعة هذه القوات أن تقاتل طالما أن " هانوى"
كانت مصمّمة على استخدام قواتها النظامية .
س: هل كان هذا هو السبب، فى أن ترسل الولايات المتحدة قوات تقليدية فقط.
ج: هذا صحيح ، وبسبب قوة تحركاتنا وقوة مميزاتنا ، لم تكن قوات فيتنام الشمالية النظامية خصما ذا قيمة
تذكر فى ميدان القتال.
س: لقد كانوا يهربون من احدى المعارك ، ثم يعودون للقتال مرة أخرى . ألم تكن هذه استراتيجية الجنرال " جياب".
ج: كانوا دائما - إذا واجهناهم - نهزمهم أو يعودون إلى " لاوس " أو " كمبوديا " . وكان هذا خارج حدودنا .
أو كانوا ينسحبون إلى الجبال أو المستنقعات أو الأدغال .
س: هل كنتم تتوقعون أن تكون الحرب على هذه الصورة .
ج: كلا ، ليس بهذا المقياس الكبير ، فعندما وصلت إلى فيتنام ، وأتيحت لى الفرصة لأدرس الوضع دراسة
دقيقة وصفته بأنه " برميل بدون قاع".
س: هل قرأتم الكتب التى كتبها كل من " ماوتسى تونج" و " جياب" عن الطرق التى يديران بها الحرب.
ج: لقد درست كتاب " ماوتسى تونج" وتجد منه نسخة على منضدة بجانب سريرى دائما .
س: وهل قرأتم كتاب " جياب" أيضا .
ج: إننى أعرف مبادئه بدقة . وقرأت له أيضا.
س: وما الذى استخلصتموه من كتبهما .
ج: أن هذه الحرب ستطول وتمتد ، والذى يقلقنى بوصفى قائدا عاما ، هو هذا السؤال : هل سيستطيع الرأى
العام الصبر لمدة طويلة نقوم فيها بالتزاماتنا إلى أن ننجح فى النهاية .
س : هل كنتم قلقين ايضا آنذاك.
ج: لقد كان هذا أكثر ما يقلقنى فى ذلك الوقت ، لقد اتخذت فى تلك بعض الإجراءات لاستخدام الجنود الأمريكيين
مدة سنة . وقد بدا لى أن هذا الإجراء سيطيل صبر الرأى العام الأمريكى .
س: مع هذه العقبات لابد وأنكم قد شعرتم بأنكم كُلفتم بمهمة لا يمكن إنهاؤها بنجاح .
ج: هذا حق، ولقد كانت شكوك كثيرة تساورنى ، وإذا استرجعنا ذلك لوجدنا أن الصورة كلها لم تكن استراتيجية
واقعية . ولكن برغم كل ذلك ، فقد كانت هذه هى استراتيجية تلك الأيام .
س: لقد قلتم آنذاك أنكم تواجهون حرب استنزاف ، وأن " الفيتكونج" سوف يخسرونها . ولكن تبيّن أن
قتل رجل واحد منهم ، كان يكلّف الولايات المتحدة 350 ألف دولار. ألاّ يبيّن هذا الرقم بوضوح أن هذه الحرب
الاستنزافية لا يمكن كسبها بأية حال من الأحوال.
ج: لقد استخدمت هذا اللفظ لكى أصف نوع هذه الحرب، التى يجب على العسكريين خوضها ، وهذ1 يعنى
أن تكون الحرب من جانبنا حربا دفاعية ، بحيث تجتذب العدو إلينا ، لمنعه من الزحف إلى فيتنام الجنوبية .
س: هل اقترحتم أنتم وضع هذه الاستراتيجية .
ج: لم تكن هذه الاستراتيجية من عملى . لقد وُضعت لمراعاة أسباب سياسية . ولكن بالتأكيد لم أنصح أنا
بوصفى أحد الضباط العسكريين ولا هيئة أركان الحرب فى واشنطون بشنّ هذه الحرب الاستنزافية .
س: وما هو نوع الحرب الذى كنتم تقترحونه لو أن الرئيس طلب منكم ذلك .
ج: كان يمكننا دخول " لاوس" ، وكان علينا أن نقطع الطريق المسمّى " بطريق هوتشى منه". وكان فى
إمكاننا إخلاء المنطقة ، التى يحتمون فيها ، إلاّ أن هذا كان يتطلّب استخدام 750 ألف رجل أو أكثر . وكان
هذا أكثر مما يتحمّله النظام السياسى .
س: ألم تزعموا أن 350 ألف جندى ، كانت تكفى لكسب الحرب .
ج: كلا ، إننى لم أدل بأى بيان خلال الوقت الذى كنت أدير فيه الحرب على فيتنام ، عن عدد القوات التى
نحتاج إليها لإنهاء الحرب نهاية ناجحة .
س : أما كنتم تصرّحون دائما عند وجودكم فى فيتنام بأنكم متفائلون ، ألم تقولوا فى سنة 1966 ، مثلا "
قبل ستة شهور" لم أكن متأكد أما الآن فأعرف تماما ، أننا سننتصر فى فيتنام خلال وقت قصير .
ج: لقد نُقل هذا التصريح مزيّفا ، إننى لم أعتقد أبدا أننا سنكسب الحرب فى وقت قصير . بل بالعكس ، كنت
أعتقد أن أحرج مرحلة فى سيْر الحرب ، كانت سنة 1967 ، ففى هذه السنة تقدمنا بخطوات وساعة ، فقد
حرّرنا فيها جميع الطرق تقريبا من الوجهة العملية ، واتسعت المناطق التى كنّا نُشرف عليها ، ونمت اقتصاديا
وكانت إنجازات قوات فيتنام الجنوبية أحسن كثيرا . وفى ذلك الوقت تقدّمت بمطلبين ، أحدهما التقوية بحد
أدنى للصمود ، والثانى التقوية بحد أعلى للتقدم . كان الاتجاه السائد آنذاك هو المبالغة فى انتصارات العدو.
س: وأى المطلبين ووفق عليه .
ج: مطلب التقوية بحد أدنى .
س: ولماذا طالبتم بتقوية أخرى ، طالما أنكم نجحتم فى التقدم فى سنة 1967.
ج: فى سنة 1967 ، طلبت المزيد من القوات لإدارة الحرب فى سنة 1968 ، للتمهيد للنجاح والإسراع
فى تقدمنا ، وكانت هناك دلائل تشير إلى أن " هجوم تيت " سيبدأ فى آواخر 1967 .
س : هل كنتم تتوقعون " تيت ".
ج : نعم ، كنّا نتوقعه ، وفور ذلك ، فقد قام العدو بهجومه على جبهة أوسع بكثير مما كنا نتصور . ولم يكن
واضحا لنا أنهم كانوا ينوون الاستيلاء على المدن . وبعد " هجوم تيت " أننا نصاب بنكسات من وقت إلى
آخر، ولكنها كانت هزيمة كبيرة للعدو ، فقد كان يدفع دائما ثمنا غاليا ، واحتاج إلى سنتين لاستعادة قواه .
س: ربما كانت هزيمة العدو . ولكن ألم يكن واضحا لكم آنذاك أيضا أن ذلك كان تحوّلا فى موقعة فيتنام .
فقد كتب " كيسنجر" بعد ذلك يقول :" فى حرب العصابات ، ليس التفوق العسكرى هو العامل الحاسم ، فهناك
عوامل أخرى سيكولوجية وسياسية لها وزنها الثقيل." ، وعلى هذا المستوى كان هجوم " تيت" نصرا
حاسما للعدو.
ج: كان انتصارا سيكولوجيا ، بالنسبة للعدو فى دوائر الولايات المتحدة ، لأن الصحافة كانت جد متشائمة
وكان الاتجاه السائد هو المبالغة فى انتصارات العدو .
س: لقد أدت صدمة " هجوم تيت" إلى فقدان الثقة فى سياسة الرئيس ، وقال السناتور " روبرت كيندى " :
لقد أزفت ساعة ذكر الحقيقة ".
ج: صحيح كانت نتيجة " لهجوم تيت " أنها أثّرت تأثيرا سيكولوجيا فى الولايات المتحدة ، و " كيسنجر "
كان على حق فى هذا الصدد .
س: وكان للعدو أن يفرح عندما نفض الرئيس " جونسون " يده من هذه القضية ، وذلك عندما أعلن تنازله
عن ترشيح نفسه للرياسة مرة أخرى .
ج: من رأيى أن " هجوم تيت" لم يكن العالم الرئيسى لتنازل الرئيس " جونسون" عن ترشيح نفسه للرئاسة
مرة أخرى . لقد كان ذلك عندما قابلت الرئيس " جونسون" عندما عدت فى احدى المرات إلى الولايات المتحدة
ولم يكن هناك تفكير فى " هجوم تيت " . لقد أشار لى الرئيس " جونسون " أنه لا ينوى ترشيح نفسه للرياسة
مرة أخرى . ولقد قال لى الرئيس ، إنه لا يريد ترشيح نفسه مرة أخرى لأنه لا يريد أن يفعل شيئا قد يؤثّر
فى روح القوات المعنوية فى فيتنام ، وقد أرجع عدم ترشيحه إلى اسباب صحية .
س: ولكنه صرّح فى خطاب ألقاه فى 17 مارس سنة 1968 ، بقوله :" إننا سنكسب ، وليتأكد كل واحد
من ذلك ". ولكن بعد بضعة أيام فقط ، بعد أن أفاق الرأى العام الأمريكى من تأثير الصدمة التى أصابته بسبب
" هجوم تيت " ، لعلّ الرئيس قد أدرك أنه لا يمكنه مواصلة الحكم ، ولا شك أن هذا الهجوم كان من بين
الأسباب التى دفعت الرئيس " جونسون " إلى التنازل عن ترشيح نفسه .
ج : لاشك فى هذا .
س : لقد قلتم يا سيدى الجنرال ، آنذاك أن قوة العدو أخذت تضعف.
ج: لقد كان ذلك حقيقة لا شك فيها ، وعندما أدليت بهذا التصريح ، كنت أقصد بذلك المعركة التى كانت تدور
فى ذلك ، وليس الحرب كلها .
س: لقد كشف أحد المتحدّثين باسم هيئة أركان الحرب الأمريكية بعد سنوات فى تصريح له بأنكم وأركان
حربكم كانت لديكم خطط لغزو فيتنام الشمالية عن طريق البحر والجو ، وأنكم عرضتموها على الرئيس " جونسون"
على أنها " الإمكانية الوحيدة لكسب الحرب". فهل هذا صحيح ، وألم يكن هذا ليؤدى إلى تصادم عسكرى
مباشر مع الصين .
ج : كان لدينا عدة خطط للطوارئ : التقدم فى " لاوس " لقد طريق " هوتشى منه" ، وخطط لغزو فيتنام
الشمالية بالقوات الجوية والبرية والبرمائية عند المنطقة المنزوعة السلاح . وقد أخذ الرئيس علما بهذه
الخطة ، ولكن لم يسمح لنا أبدا بتنفيذ هذه الخطة .
س : وهل استبعد تنفيذ هذه الخطة كلية .
ج: نعم ، أما مسألة انزلاق الصين إلى الحرب لهذا السبب ، فهذا ما كنت أستبعده . ولكننى لم أكن أستبعد
أن الصين قد تتورّط فيها . وكان هذا شعورى فى ذلك الوقت ، وكنت أعتقد أن الصين لن تتحرك إلاّ إذا شعرت
بأن حدودها مهدّدة .
س: وهل أسقطتم درس كوريا من اعتباركم .
ج : تجربة كوريا تؤيد وجهة نظرى .
س : كيف ذلك .
ج : لأن الصين تدخلت أولا عند قذفنا ببعض قواتنا على ضفة نهر بالو ، وعلى الضفة الأخرى تقع حدود
منشوريا .
س : وهل كنتم تعتقدون بأنكم بغزوكم لفيتنام الشمالية لن تتعرضوا للاشتباك مع الصينيين لأن قوات الغزو
الأمريكية
ج : ستنزل إلى البر فى منطقة تبعد كثيرا عن الحدود الصينية ، والقول الفصل فى ذلك هو ألاّ تشعر الصين
بأنها مهدّدة . وبالطبع أيضا كان استخدام قوات صينية ، فى ذلك الوقت عملية صعبة من ناحية الإمدادات
الضخمة ، التى تحتاج إليها هذه القوات. ثم لا تنسى أن الصين فى ذلك الوقت كانت تواجه متاعب داخلية
بسبب قوات الحرس الأحمر ، كما لا تنسى أنه كان للروس آنذاك قوات ضخمة على حدود منشوريا ، وكان
ذلك بداية زحفهم فى محازاة الحدود .
س : وهل كان هذا ما أدخلتموه فى حسابكم .
ج: كان من رأيى فى تلك الأيام أن عملية برمائية شمالى المنطقة المنزوعة السلاح ، لا تهدّد الصين ، وأن
الصين لا تستصوب استخدام قواتها .
س : وهل كنتم تعتقدون أن مثل هذه العملية ستكون عملية حاسمة .
ج : من وجهة النظر العسكرية ، كانت هذه العملية ناجحة ، ولكنها ما كانت لتنهى الحرب ، بل ستضعفه فقط.
س : ألم يصرّح الرئيس " جونسون " بشئ عن ذلك .
ج : إننى لم أتحدث ابدا مع الرئيس " جونسون " عن هذا الأمر ، باستثناء مرة واحدة ، وذلك عندما تقابلنا
فى البيت الأبيض فى سنة 1967 .
س : وهل أدخلتم فى حسابكم آنذاك احتمال استخدام الأسلحة الذرية أو القنبلة الذرية .
ج : أجل ، ولكن ليس بشكل جدى . لقد استبعدنا هذا الاحتمال من قبل ، وأنا من جانبى لم أنصح أبدا باستخدام
أى نوع من الأسلحة النووية .
س ، وبماذا نصحتم بدلا من ذلك ، ففى السنوات الأخيرة وحتى إلى بضعة أسابيع ، قمتم بغارات جوية أشد
على فيتنام الشمالية ، برغم أنكم صرّحتم عند بداية الحرب بأن " الغارات الجوية على فيتنام الشمالية لن تُنهى الحرب".
ج : كل شئ يتحرك ، حتى ميدان الحرب ، فعندما حضرت إلى فيتنام فى سنة 1964 ، كنت بصراحة متخوّفا
من أن يدفع الفيتناميون بجميع قواتهم النظامية إلى ميدان القتال ، إذا نحن بدأنا بالقيام بغارات جوية ، وكان
فى إمكاننا الاستيلاء على البلاد بسهولة ، ولكن عندما أتممنا عمليات الإمدادات بدرجة كافية تؤمّن مؤخرة
جيشنا ، كانت لدينا قوات كافية ، غيّرت رأيى ، وأيّدت القيام بغارات جوية . إذ أن الغارات الجوية من الناحية
العسكرية هى الوسيلة الوحيدة لقطع خطوط إمدادات العدو .
س : برغم أن الجنرال " ريدجواى " القائد العام للقوات الأمريكية فى كوريا قد قال : " لقد علّمتنا حرب
كوريا أنه من المستحيل قطع خطوط الإمدادات لجيش آسيوى ، عن طريق القصف الجوى ".
ج : إننى أوافق على ذلك ، ولكن فى إمكاننا أن ندمّر خطوط إمدادات العدو بدرجة تكبده خسائر فادحة . وكانت
استراتيجيتنا تهدف إلى جعل العدو مستعدا لمفاوضتنا . وبعد ذلك تحوّلت استراتيجيتنا فى سنة 1969 ، إلى
استراتيجية الانسحاب ، وأن يضطعل الفيتناميون الجنوبيون بإدارة المعركة .
س : ونحن اليوم نعيش هذه المعركة بعد استقالة الرئيس " تيو " ، ونرى كيف يهرب جنود فيتنام الجنوبية
فى فزع ويلقون بأسلحتهم دون أن يحتكوا بأعدائهم .
ج : الانسحاب بالنسبة للخصم هو أصعب المناورات العسكرية وحساس للغاية ، من الوجهة النفسية ، والمطلوب
هو التخطيط الدقيق ، وعندما صدر الأمر بالانسحاب لم تُتخذ الاستعدادات اللازمة له ، مما أدى إلى انتشار
الرعب والفزع ، بين السكان الذين ملأوا الشوارع والطرق.
س : لقد حاربت القوات الأمريكية فى فيتنام أطول مما حاربت فى الحربين العالميتين ، فما تأثير هذه الحرب عليها .
ج : لقد كان التأثير مفسدا بسبب طول هذه الحرب . فقد كان هناك شغب فى أرض الوطن ، ومظاهرات فى
الجامعات وشعور الجنود بأن الوطن لا يساعدهم ، كل هذا كان له تأثير فى إضعاف المعنويات ، كما أثّر على
الانضباط فى الوحدات .
س : هل خلقت هذه الحرب عقدة فيتنامية ، بسبب عدم الاستمرار فى آداء المهمة حتى النهاية .
ج : مؤكد . إننى كضابط أشعر بالحزن والتعاسة وأنا أرى حليفا يُمنى بهذه الهزيمة الشنيعة . وأن هذا يحدث
لأول مرة فى تاريخنا الطويل ، ولا شك أننا لم نؤد مهمتنا فى فيتنام الجنوبية ، ولا يمكننا عزاء أننا أخّرنا
استيلاء الشيوعيين على الحكم فيها عشر سنوات ، وأملى كبير ، فى أن تكون بلادنا قد تعلمّت الكثير من
هذه التجارب المأساوية التى مرّت بها لتكون لها عبرة فى المستقبل .
س : ماذا تعلمتم من الفيتناميين الشماليين الذين كنتم تصفونهم دائما ببروسيى الشرق.
ج : كل ما قصدنا من هذا الوصف ، الحط من قدر الفيتناميين الشماليين . ويجب علينا فى المستقبل ألاّ نرسل
جنودنا إلى حرب ، ما لم نكن متأكدين من كسبها . وذلك بأن تضمن وحداتنا المحاربة أن تسير عملياتها الحاسمة
بدقة وأن منحها تأييدنا الكامل وان نقدم لها جميع المساعدات ، التى تحتاج إليها حتى يمكنها أن تخوض
الحرب إلى النهاية .
س : وما هو رأيكم فى تكتيك القتال .
ج : لقد غيّرنا الكثير فى كتبنا لنتمشى مع التجارب التى حصلنا عليها ، فى جنوب شرق آسيا ، فقد غيّرنا
طرق تدريب الجنود ، وإن لم يكن ذلك على مدى واسع ، ولا شك أن ما تعلمناه من هذه التجارب ، سيكون
قدوتنا فى أى حرب مقبلة .
س : هل تتفقون فى الرأى مع الخبراء العسكريين الأوربيين على أن الجنود المشاة لفيتنام الشمالية أحسن
جنود فى العالم ، فى الوقت الحاضر.
ج : إننى لا أتفق مهم فى ذلك . إنهم ولا شك يمثلون قوات منظمة منضبطة ، لأنهم يخضعون لإشراف شيوعى
قاسى بجانب تعصبهم الشديد .
س : وما هو حكمكم على الجنرال " جياب" خصمكم فى هذه الحرب .
ج : لقد نجح الجنرال " جياب" نجاحا كبيرا ، فى موقعة " بيان فو " . ولا أظن أنه يستحق التقدير وحده
فهناك أيضا الجنرال " فان تين دونج" أحد تلاميذه . وأقصد بذلك أن مهارة الجنرال " جياب " قد بُولغ فيها
كثيرا ، إننى أقول ذلك لأنه تكبّد خسائر لو تكبّدها قائد غربى لأُعفى من الخدمة .
س : إنكم تكتبون الآن مذكراتكم . وكيف سيكون شعوركم إذا عشتم هذه السنوات الأربع مرة أخرى .
ج : ستكون سنوات ينقطع فيها قلب الجندى .
س : لقد قلتم عندما جئتم إلى فيتنام فى سنة 1964 :" هذا هو المكان الذى يكتب فيه التاريخ ، ففيه سيُغامر
بهيبة الولايات المتحدة وجيها ". ، لو قد كُتب هذا التاريخ الآن ، لقد حدثت دون شك هزيمة للولايات المتحدة
أضاع بهيبتها .
ج : لا ، ليس هذا صحيحا ، لقد كانت فيتنام تجربة جارحة بالنسبة إلينا .
شبيجل : سيدى الجنرال ، إننا نشكركم على هذا الحديث .

يقدمها الجنرال جياب :
أحييكم بحرارة ، وأود قبل كل شئ أن أهنئكم على الانتصار العظيم الذى أحرزته الثورة الفلسطينية مؤخرا فى
مؤتمر الرباط وفى الأمم المتحدة ، إن هذه الانتصارات تشير إلى أن الشعب الفلسطينى سينتصر . كما أود أن
أنتهز هذه المناسبة لأطلب منكم أن تتكرموا بنقل مشاعرى الشخصية ومشاعر الشعب الفيتنامى للرئيس " عرفات".
عرفنا من الرفيق "تان" أنكم قد رضيتم تماما عن زيارتكم لفيتنام ومع ذلك فإن قلوبنا تفيض بالحب لكم ، لكن
خروجنا من ظروف الحرب ، أدى إلى ارتكابنا بعض التقصير . ولكننا عملنا ما بوسعنا لنقل خبرتنا لكم . ونؤكد
بأنه لا توجد أسرار نحجبها عنكم ، ويسرنا أن يكون فيما قدمناه بعض الفائدة لكم . نستطيع أن نقول إن عدد
القنابل التى قصفت بها الإمبريالية بلدان الهند الصينية ، " لاوس" ، " كمبوديا " ، و " فيتنام" ، تفوق بثلاث
مرات مجموع ما استخدمته أمريكا فى كل جبهات القتال خلال الحرب العالمية الثانية ، وعلى ضوء المعلومات
التى اعترف بها رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الثلاث " كيندى " و " جونسون " و " ونيكسون" . فقد
اختاروا فيتنام كحقل تجارب لكل أنواع الأسلحة غير الذرية ، وذلك ليس فط من أجل هزيمة الشعب الفيتامى ،
بل أيضا لاستعراض مدى قوة أمريكا تجاه دول المعسكر الاشتراكى . لهذا السبب ، أرسلت الملايين من جنودها
إلى فيتنام ، وأنفقت مئات البلايين من الدولارات ، واستخدمت لتدمير طريق" هوشى منه" الأسلحة المتطورة
والعصرية ومختلف الوسائل الإليكترونية ، وقد جنّّّّّدوا 40 فى المائة من مراكز الأبحاث لخدمة القتال فى فيتنام .
ولهذا كانوا واثقين من نصرهم فى الحرب ، وخاصة بعد أن استخدموا طائرات البى 52 لقصف " هانوى " فى
عام 1973 . وقد حصلنا على معلومات من الطيارين ، وخاصة طيارى البى 52 ، حيث كان رؤساؤهم يبلغونهم
بأنه ليس لدينا مضادات بالرغم من أنهم كانوا على معرفة بتسليحنا ، لقد كانوا يفعلون ذلك ليطمئنوا الطيارين
بسلامة العودة ، ومع ذلك هُزموا . وهذا يعنى أنه لا توجد القوة القادرة على أن تضرب شعب مصمّم على نيل
استقلاله . لقد انتصر الشعب الفيتنامى ، ونحن واثقون من أن الشعب الفلسطينى سينتصر كما انتصر شعب
فيتنام . ونحن واثقون من أنكم ستحققون انتصارات " كرامة " جديدة ، ومعارك كرامة أكبر وانتصارات
سياسية أكبر . ولا توجد قوة تستطيع أن تمنع الشعب الفلسطينى من بناء وطنه . نحن معجبون جدا بشعبكم ،
إن نضال الشعب الفلسطينى مثال ساطع على البطولة والانتصار. إن العالم الغربى ظن أنكم لن تحقّقوا أى نصر
سياسى فى مؤتمر الرباط ، ونخبركم الحقيقة ، إنه عندما تتبعنا الموقف لم نعتقد أن تحقيق ذلك أمر سهل، ولكن
أخبار انتصار الشعب الفلسطينى أبهجت قلوبنا . منذ عام ، ناهيك عن عشرة أعوام مضت ، لم يكن يظن الأمريكيون
أنكم ستحقّقون أى انتصار. وهذا يدلّل على أن تاريخ الإنسانية اليوم يختلف عمّا كان عليه فى السابق . لقد ثارت
الشعوب ، ورايات الحرية والاستقلال عالية فى كل القارات . والإنسانية اليوم تتقدّم نحو الحرية والاستقلال
بدون عوائق . إن التاريخ يتقدم اليوم بسرعة أكبر مما كان عليه تقدمه فى السابق. لقد ظلت فيتنام خلال
عصر الإقطاع محتلّة من قبل الأجانب لمدة ألف عام . غير أننا فى النهاية نلنا استقلالنا ، المغول الذين انتصروا
شرقا وغربا ، هاجموا " هانوى " ثلاث مرات وهزمناهم فى المرات الثلاث وحصلنا بعدها على استقلالنا الذى
استمر مائة عام هزمنا خلالها كل الغزاة . وفى القرن التاسع عشر ، جاء الإمبرياليون إلى أرضنا ، وكانت لديهم
قوة عسكرية وقوة اقتصادية ضخمة ، واستمر تحكمهم فى بلادنا ثمانين عاما . ومنذ أن ترأس العم " هو " الحزب ،
الذى مضى على تأسيسه أربعة وأربعون عاما ، خضنا خلالها نضالا مستمرا . خضنا فى ثلاثين منها حرب
تحرير شعبية ، هزم شعبنا فيها الإمبرياليين الفرنسيين واليابانيين ومن ثم الأمريكيين . وكثيرا ما قلنا بيننا
وبين أنفسنا أن ثلاثين سنة من النضال تعد فترة طويلة ، لكننا خلالها استطعنا أن نهزم ثلاث قوى إمبريالية :
اليابانيين من آسيا ، الفرنسيين من أوروبا ، والقوة الثالثة وهى الأكبر كانت الولايات المتحدة من أمريكا . وبذلك
لا تكون ثلاثون سنة طويلة جدا . ولهذا السبب كنا واثقين من أن الشعب الفيتنامى سيحقق النصر النهائى
وكنا واثقين من أن فيتنام وطن الآباء سيوحّد بنجاح . إن شعبنا يؤمن بذلك ، وكذلك الصحافة الغربية ، وهذا
يؤكد بأن هذا العصر يختلف عن العصر الذى سبقه ، ونحن كلما نسترجع ذكريات انتصاراتنا كلما ازدادت ثقتنا
بحتمية انتصار شعبكم . إن حقيقة أن الرئيس " عرفات " والشعب الفلسطينى قد أعدوا أنفسهم لخوض نضال
طويل ، أمر جيد . إذ يجب أن نكون مستعدين لنضال طويل ومرير وقوى . ومن وجهة نظرى الشخصية ، فإن
إنتصار الشعب الفلسطينى أقرب مما نتصوّر ، شخصيا أؤمن بذلك . كثيرا ما سألنا الأصدقاء الذين زاروا
فيتنام ، كيف استطاع شعبنا أن يحرز الانتصار ، نستطيع أن نمضى أياما طويلة فى الحديث عن النظريات .
ولكننا نستطيع أن نلخّص الأسباب فى ثلاث فقط وهى :
أولا : خط سياسى صحيح ، وخط عسكرى صحيح .
ثانيا : الشعب الفيتنامى شعب بطل .
ثالثا : دعم ومساندة الأصدقاء فى العالم أجمع .
ولأننا نعلم أنكم تملكون هذه الشروط الثلاث ، فنحن على ثقة بأن الشعب الفلسطينى سينتصر بكل تأكيد .
عندما
بدأنا النضال ضد اليابانيين ، كنا قد أعددنا لانتفاضة مسلّحة ، ولم نكن نملك سوى القليل من البنادق والقنابل .
عندما صدرت لى التعليمات بقيادة أول فرقة دعاية مسلحة اضطررت أن أستعين بقاموس فرنسى لأعرف معنى
" قنبلة يدوية ". ولكن الشعب الفيتنامى فى النهاية ، هزم الإمبرياليين الأمريكيين ، وذلك لأننا نملك الخط
السياسى والعسكرى الصحيح . فالشعب فى كل المناطق انتفض وثار ، وكان الظرف الدولى مواتيا لنا ، فاليابانيون
هُزموا ، وكسب الاتحاد السوفيتى الحرب . عندما عاد الفرنسيون إلى بلادنا ، عادوا بجيش كبير مزوّد بالدبابات
والمدافع والطائرات . ولم يكن لدينا فى ذلك الحين أى دبابة أو طائرة . وقد علّق العم " هو " بعد انتصارنا مازحا :
" لم نخسر فى هذه الحرب ولا طائرة واحدة ". لم تكن قواتنا المسلّحة هى التى تحارب العدو فقط ، بل كان
الشعب كله يحاربه . لقد حصلنا على دعم الأصدقاء فى جميع أنحاء العالم . ولكن كان علينا أن نعتمد فى الأساس
على قواتنا الذاتية ، 70 فى المائة من الأسلحة التى حاربنا فيها العدو الفرنسى ، كانت من الأسلحة التى صنعناها
محلّيا . وعندما تدخّلت القوات الأمريكية رفعنا شعار " علينا أن نناضل بقوة ضد الأمريكيين " . ولكن كانت
هناك قضية لم نواجهها من قبل ، وهى أن الإمبريالية الأمريكية أقوى من الفرنسيين . وشكت كثير من الدول
الصديقة على قدرة شعبنا فى مواجهتها . وعرضت بعضها إرسال متطوّعين لدعمنا . ولكن العم " هو " والحزب
قال إن بمقدورنا أن نهزمهم . ولكن الحرب ستكون طويلة الأجل . واعتقد الأمريكيون أننا لن نستطيع أن نقاتل
لمدة طويلة . والحقيقة إن الشعب الفيتنامى انتصر على الأمريكيين . لقد انسحبوا بعد أن هزمنا أسلحتهم الاستراتيجية .
وهذا يشير إلى قوة الخط الصحيح . تلك القوة التى تفوق حد التصوّر ، فهى قوة الشعب الذى ثار وهب ، هبّة
رجل واحد . بالإضافة إلى قوة التضامن العالمى التى ليس لها حدود . الدعم العالمى خلال مرحلة النضال
ضد العدو الأمريكى كان أكبر بكثير مما كان عليه أيام نضالنا ضد الفرنسيين . لكن الأسلحة الأمريكية أكثر
عصرية . ومع ذلك فالأمر الأساسى هو نضال الشعب الفيتنامى . كما أن أصدقاءنا لم يكونوا يعتقدون بإمكانية
إحرازنا للانتصار ، ولهذا فقد أذهلهم حجم انتصارنا . لهذا السبب ، نحن نؤمن بالانتصار النهائى للثورة
الفيتنامية . ولنفس الأسباب نؤمن بأن الشعب الفلسطينى سينتصر . إنى أقابلكم بروحية مقاتل . وأرحّب
بكم كصديق وثيق للشعب الفلسطينى ، وكصديق وثيق للمقاتلين الفلسطينيين . لهذا السبب أود أن أقول لكم ثلاث
حقائق هى :
أولا : فيما يتعلّق بالاستراتيجية : ليست هناك استراتيجية عسكرية بحتة ، إن الاستراتيجية الصحيحة يجب أن
تكون استراتيجية كلية الجوانب . والاستراتيجية العسكرية تنتصر فقط ، عندما تكون جزء من استراتيجية عامة .
لهذا السبب ، فالاستراتيجية السياسية مهمة جدا . وعندما نخوض النضال ، يجب أن نخوضه فى كل المجالات
السياسية ، والعسكرية ، والديبلوماسية ، وبالطبع النضال الديبلوماسى ليس هو الشكل الأساسى للنضال.
ثانيا :
والقضية الثانية تتعلّق بمنهج قتال العدو : إن الإنسان هو العامل الحاسم فى القتال . صحيح إنه من الضرورى
أن يكون لدينا أسلحة وهى مهمة ، ولكنها ليست العامل الحاسم . ولهذا فإن القضية الأساسية هى بناء الإنسان
المؤمن بالحرية والاستقلال ليقاتل بشجاعة وبطولة . إن البطولة والشجاعة لا تكفيان ، إذ يجب أن يتحلّى المقاتل
بالذكاء والإبداع . أعتقد أنكم فى معركة " الكرامة 1 " كنتم أبطالا ، وكنتم مبدعين .
ثالثا :
إننا نحتاج إلى قوات مسلحة تكون من قوات العصابات والقوات النظامية : ولكننا بالإضافة إلى ذلك نحتاج
إلى الشعب . ولهذا السبب قال العم " هو " ( الوحدة ، وحدة عظيمة ، وحدة أعظم ) . ، و ( انتصار ، انتصار
عظيم ، انتصار أعظم ). من بين الأساطير الفيتنامية ، هناك أسطورة تقول بأنه كان هناك عملاق ضخم بحجم
الذعر ، وقع قتال بينه وبين حيوان صغير ، وقد تمكّن الحيوان الصغير من قتل العملاق ، وأحضر الحيوان الصغير
عشرة سجاجيد كبيرة لتغطية العملاق ، ولم تغط سوى جزء صغير من يده . بهذه الروحية قاتلنا الأمريكيين .
قال لنا " كينسجر" :" لو كنتم مجرّد أبطال فقط لهزمناكم ، لكنكم كنتم أذكياء جدا ". أرجو أن تكون لهذه النقاط
التى ذكرتها فائدة لكم . فيما يتعلّق بخط الحزب ، يجب أن يكون صحيح وخلاّق ومستقل. فما دمنا نناضل من
أجل الاستقلال ، يجب أن يكون خطنا الحزبى مستقلا . ويجب بالطبع أن نكسب أصدقاء عديدين . لقد مدحتم
خبرة الشعب الفيتنامى . إننى أعتقد إن هذه الخبرة ستكون ذات فائدة لكم ، ولكن بالرغم من وجود نقاط
تشابه بيننا وبينكم ، تبقى هناك بعض نقاط الاختلاف ، لهذا أرجو ان تطبّقوا خبرتنا وق خطكم المستقلّ .
فى هذه المرة زرتم بلدنا كبعثة عسكرية مهمة ، ومن بينكم رفاق مارسوا القتال بالأسلحة . أود أن تنقلوا
مشاعرى وتحياتى للرئيس " عرفات " ، كما أرجو أن تصافحوا مقاتلى الشعب الفلسطينى عنا . وبعد ، إن قدمت
لنا البعثة العسكرية الفلسطينية خارطة فلسطين النحاسية ، قال الرفيق " جياب" :" إن أرض فلسطين عزيزة
علىّ ، كما هى عزيزة عليكم ، إننى أتأثر كثيرا عندما أنظر إلى هذه الخارطة ."

زارت الكاتبة " ليلى الجبالى " ، بدار الجمهورية

فيتنام خلال سنوات العدوان الأمريكى . وقد

خرجت من زيارتها الميدانية بعديد من الانطباعات ضمنتها

كتابها الذى يصدر قريبا . وبعد هذا الفصل ، الذى ننشره

- باتفاق معها - " شهادة " لكاتبة مصرية ،

سجّلت فيه رؤيتها للواقع الفيتنامى خلال الحرب .

قبل أن نحكى قصة النضال الطويل الذى خاضه شعب فيتنام البطل على مدى خمسة عشر عاما ضد الولايات

المتحدة حتى حقّق النصر النهائى فجر يوم 30 إبريل سنة 1975 ، لابد أن نجيب أولا على سؤال هام قد يسأله

المواطن البسيط ى كل مكان : لماذا قتلت الولايات المتحدة الأمريكية ( 56000 ألف أمريكى ) . فى حربها

العدوانية ضد الشعب الفيتنامى ، فضلا عن ( 250000ألف ) جريح . ولماذا أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية

( 150 مليار دولار) منذ تورطها العسكرى فى فيتنام بداية من عام 1961 . ولماذا خسرت الولايات المتحدة

الأمريكية خلال حربها فى فيتنام ( 4900 طائرة هليكوبتر ، و 2700 طائرة نفّاثة ، وذات محركات ثابتة

من الطائرات العسكرية ).

ليس ثمة شك أن الولايات المتحدة ما كانت لتضحى بكل هذه الخسائر فى الأرواح والأسلحة والمعدات ، دون

أن يكون لها أهداف كبرى أرادت تحقيقها لخدمة نظامها الرأسمالى الإمبريالى . فما هى إذن تلك الأهداف الإمبريالية

فى جنوب شرقى آسيا . وبالتحديد فى جنوب فيتنام . يقول " بيترسون " مدير البنك الأمريكى فى عهد حكومة

الرئيس السابق " نيكسون " ، وكان واحدا من مستشارى " نيكسون " الخصوصيين :" ليس هناك منطقة فى

العالم أوسع وأغنى فى الموارد الطبيعية والنمو التجارى أكثر من هذه المنطقة ، ونحن رجال الأعمال فى

كاليفورنيا نستطيع أن نلعب دورا أكثر حيوية لتنمية التجارة فى منطقة الباسيفيك . وسوف يكون لدينا اسواق

ضخمة لمنتجاتنا ، وأرباح عظيمة لشركاتنا ." أما الوكالة الأمريكية " ستاتفورد للأبحاث " فقد جاء فى أحد

تقاريرها :" إن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تستهدف امتداد نشاطاتها فى ذلك الجزء من العالم

لأهميته ، وبهدف السيطرة على جنوب شرقى آسيا واليابان ، داخل الفلك الغربى ، وضمها إلى السوق الاقتصادى

الذى تسيطر عليه الولايات المتحدة . والعمود الفقرى لهذه الاستراتيجية هى الدول الصناعية المتقدمة (الولايات المتحدة ،

اليابان ) ، ثم الدول الأقل تقدما وهى ( استراليا ، وكندا ، ونيوزيلاندا). " . وجاء فى بيان " مجلس الأمن

القومى الأمريكى " فى بداية عام 1952 :" إن منطقة جنوب شرقى آسيا هى المصدر الرئيسى للثروة الطبيعية

من المطاط ، والقصدير ، والبترول ، وغيرها من المنتجات الاستراتيجية فى العالم ." . وتكتب مجلة " الشئون

الخارجية الأمريكية " فى عددها الصادر فى أكتوبر عام 1967 ، نقلا عن الرئيس الأمريكى السابق " ريتشارد

نيكسون " :" إن الولايات المتحدة هى دولة باسيفيكية تجر كل مصالحنا وأفكارنا غربا نحو الباسيفيك ". تلك

مجرد فقرات قصيرة وسريعة لبعض المسئولين الأمريكيين ، ورجال الأعمال والنشرات الرسمية الأمريكية تشير

إلى الأهداف الأمريكية فى ذلك الجزء من العالم . وقبل أن نتحدث عن وسائل التدخل الأمريكى الذى لخّصها

" جون فوستر دالاس" وزير الخارجية الأمريكى الأسبق بقوله :" هناك طريقان لهزيمة أى دولة أجنبية ، الأول ،

التحكم فى شعب هذه الدولة بالقوة العسكرية المسلّحة ، والثانى ، التحكم فى اقتصاده بالوسائل المالية ." .

أقول قبل أن نتحدث عن هذين الطريقين اللذين تستخدمهما الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل فى شئون الدول

الصغيرة ذات الموارد الطبيعية الغنية ، مثل فيتنام " موضوع كتابنا " ، ينبغى علينا أولا أن نُلقى الضوء على

ما تتمتع به فيتنام من ثروات طبيعية واقتصادية كانت وراء المطامع الاستعمارية للولايات المتحدة الأمريكية

فى ذلك الجزء الاستراتيجى الهام من جنوب شرقى آسيا . منذ اتساع التواجد الأمريكى فى جنوب فيتنام بعد خرق

اتفاقيات جنيف ، وخلق نظام عميل للولايات المتحدة فى " سايجون". بدأ الخبراء الاقتصاديون الأمريكيون إرسال

بعثات الاستكشاف إلى جنوب فيتنام ، للبحث عن مصادر الثروة الطبيعية هناك . وقد عادت تلك البعثات بتقارير

على جانب كبير من الأهمية ، جاء فى تقرير بعثة " ريتشلسون" :" إن السهول الواسعة فى فيتنام الجنوبية

ذات المناخ الحار ، والمياه الوفيرة ، والتربة الخصبة ، تسمح بنمو كل أنواع المحاصيل طوال العام ، كما

تشكل دلتا نهر الميكونج أفضل مناطق العالم فى إنتاج الأرز ". أما " كارتر جودريتش" فقد كتب فى تقريره

يقول :" إن هذا البلد يتمتع بظروف مناخية لزراعة أشجار المطاط التى لا تقدر بثمن ." . و بالنسبة للثروات

المعدنية الكامنة فى باطن الأرض ، فقد تعرضت لها وكالة " اليونايتدبرس " الأمريكية بتاريخ 13 مارس عام 1970 ،

نقلا عن أحد الخبراء الأمريكيين ، فكتبت تقول :" هناك مناجم ذات قيمة عظيمة تركها الفرنسيون ، مناجم

ذاخرة بالفحم والحديد ، والذهب والقصدير ، واليورانيوم ، فى المناطق الجبلية ، كما يوجد بالتأكيد البترول

فى المناطق الساحلية ". وبالفعل ، اكتشف الجيولوجيون ، والجيوفيزيون ، وخبراء المحيطات الأمريكية

بعد عدة سنوات من البحث ، حقول بترول تمتد من الهند الصينية إلى شمال استراليا على مسافة ( 490 كيلو متر عرضا ).

و ( 6400 كيلو متر طولا )، مع وجود احتياطى من مخزون البترول يبلغ ثلاثة أرباع حقول البترول التى اكتفشت فى

العالم كله . وفى هذا الصدد يؤكد " جيمس جونت " الجيولوجى الأمريكى ، الذى كان على رأس من توقعوا وجود البترول

فى بحار الجنوب عام 1955 ، أكد أنه بعد خمس سنوات من التنقيب ، سوف تنتج حقول البترول فى ( تايلاند ،

كمبوديا ، ماليزيا ، جنوب فيتنام ، إندونيسيا ) 400 مليون برميل من البترول يوميا . وقدر " دافيد روكفلر"

مدير بنك تشيس مانهاتن فى مقال كتبه يوم 8 مارس عام 1971 فى جريدة " نيش" الأمريكية :" إن استخراج

البترول من منطقة غرب الباسيفيك تحتاج إلى ( 35 بليون دولار ) خلال السنوات العشر القادمة ". بالإضافة

أيضا إلى الثروة البترولية ، من المفيد أن نشير إلى ثروة القوى البشرية التى تعيش فى جنوب فيتنام ، وعدد العمال

المهرة الذين يتقاضون أجورا منخفضة للغاية ( إذ يبلغ أجر العامل الفيتنامى خمس ما يحصل عليه العامل الأمريكى ).

ومع تسلل العناصر التى تتجه إليها المطامع الأمريكية الإمبريالية فى جنوب فيتنام ، نجد أن هذا الجزء من العالم يشكل بالنسبة

للولايات المتحدة ، سوقا هامة فى جنوب شرقى آسيا ، فهى تقع على أهم الطرق البحرية الدولية ، فضلا عن كونها

احدى مفارق الطرق الرئيسية بين الباسيفيك ، ودول آسيا الجنوبية . وحول هذا الموقع الهام لجنوب فيتنام ،

كتبت " النيويورك تايمز الأمريكية " عام 1952 ، تقول :" إن جنوب فيتنام يستطيع أن يصدر ، القصدير

، والمنجنيز ، والفحم ، والحديد والمطاط والتوابل والجلود ، وهذه المنتجات أدخلت للخزانة الفرنسية ( 300 مليون دولار سنويا ) ،

فيما قبل الحرب العالمية الثانية ". ونستطيع أن نتصور كيف تضاعفت أسعار تلك المنتجات عشرات المرات

خلال السنوات الخمسة عشر من الوجود الأمريكى فى فيتنام . وآلاف الملايين من الدولارات التى دخلت

الخزانة الأمريكية بدلا من الخزانة الفرنسية . فى الوقت الذى ظل الدخل القومى لشعب جنوب فيتنام طوال

فترة الوجود الأمريكى دون أى زيادة . إذن هى الأهمية الاستراتيجية لجنوب فيتنام ، والثروات الطبيعية الهائلة

التى تتمتع بها ، كانت أهم أسباب التمسك الأمريكى بهذه المنطقة ، وهى نفسها محل الأطماع الاستعمارية فى دول

العالم الثالث الغنية بمواردها ، ومع زيادة اكتشاف مصادر الطاقة والثروة ، ترسم الولايات المتحدة استراتيجيتها

بهدف استغلال هذه الثروات لصالح احتكاراتها العالمية ، تلك الاحتكارات التى تهيمن على الحكومة الأمريكية

وأعضاء الكونجرس الأمريكى . ونخص بالذكر الاحتكارات العسكرية . وكما يقول بيير جالى :" إن اقتصاد

دول العالم الثالث ، تهتز دعائمها تحت سطوة الاستغلال الإمبريالى . وليس أمام شعوب هذا العالم أى حل

آخر سوى النضال من أجل وضع حد لهذا الاستغلال الإمبريالى الاقتصادى ، فى نفس الوقت الذى لا تجد فيه

الإمبريالية أى بديل سوى تمزيق هذه الدول لإخضاعها لإرادتها ".

الاستعمار الجديد ، كيف

وكما قال " جون فوستر دالاس" فيما سبق ذكره عن الطريقتين الأمريكيتين لهزيمة الشعوب ، فقد استخدمت

الولايات المتحدة كليهما للسيطرة على شعب جنوب فيتنام من خلال الحكومات الموالية لها التى خلقتها فى الجنوب

منذ أول حكومة عميلة برئاسة " نجويين دييم ". وسوف نتحدث عن التدخل العسكرى الأمريكى فى الفصل الخاص بحرب

التحرير الفيتنامية . أما الطريق الثانى للسيطرة الأمريكية على جنوب فيتنام فهو ما يهمنا التعرض له تفصيلا فى

الصفحات القادمة . لنبدأ إذن بنظرة الولايات المتحدة لحكومة " سايجون" ولجمهورية جنوب فيتنام كما جاء

على لسان " جون كيندى " الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية فى خطاب ألقاه فى أول يونيو ، عام 1956 ،

فى " جمعية أصدقاء فيتنام فى أمريكا " ، قال " جون كيندى ":" إن جمهورية فيتنام الجنوبية هى من خلق

الأمريكيين ، وإذا لم نكن بمثابة الوالدين بالنسبة لفيتنام الصغيرة ، فنحن إذن بمثابة أجدادها ، لأننا حضرنا

ميلادها ، وقدمنا لها المساعدات من أجل حياتها ، كما أننا ساعدنا فى وضع شكل لمستقبلها ". من هذا المنطلق

، نستطيع أن نفهم أسلوب التدخل الأمريكى بهدف السيطرة على اقتصاد أى دولة تعتبر نفسها مستقلة ذات سيادة

من حيث الشكل فقط ، بينما هى فى واقع الأمر تابعة تبعية كاملة للدولة التى فرضت وجودها ، خرقا لكل الاتفاقيات

الدولية ، كما حدث فى فيتنام الجنوبية عقب اتفاقيات جنيف . كان أول هدف اقتصادى أمريكى فى جنوب فيتنام

هو السيطرة الكاملة على المؤسسات النقدية والمصرفية ، ذلك انضمت حكومة " سايجون " إلى صندوق النقد

الدولى ، بعدها ربطت عملتها النقدية بالدولار الأمريكى ، فأصبح الدولار يساوى 35 قرشا فيتناميا . وفقا لاتفاقية

عقدتها الولايات المتحدة مع حكومة " سايجون " عام 1956 ، وقد قبلت الولايات المتحدة هذه القيمة نظرا لأن

مساعداتها لحكومة فيتنام أصبحت أكثر إلحاحا . ولم يكن خافيا على حكومة " سايجون " لماذا وقعت الولايات المتحدة

معها تلك الاتفاقية لأسباب سياسية واقتصادية ، لا تستهدف استقرار السياسة النقدية لجنوب فيتنام ، أو من أجل التنمية

الاقتصادية ، وإنما لدعم سياسة التبادل بين الحكومتين . وبهذا استطاعت الحكومة الأمريكية أن تضرب عصفورين

بحجر واحد ،الأول - ربط القرش الفيتنامى بالدولار الأمريكى ، ليكون لها السيطرة على النشاط الاقتصادى والمالى

فى جنوب فيتنام ، وكذلك سيطرتها على المستوى الدولى أيضا ، ومن ثم تتم كل العمليات النقدية الفيتنامية تحت

المظلة الأمريكية بشكل عملى من خلال الوارادات . أما الثانى ، فهو تدعيم مركز الدولار فى جنوب شرقى ىسيا

ليتم له التسلل بصورة كاملة تؤدى إلى إحلال المصالح الأمريكية محل المصالح الفرنسية . ومن المهم أن نذكر هنا

كيف تفرض الولايات المتحدة شروطها فى كل الاتفاقيات الاقتصادية التى توقعها مع الحكومة التابعة لها بهدف

إخضاع اقتصادها إخضاعا كاملا للسيطرة الأمريكية . فعلى سبيل المثال : تنص الاتفاقية التى وقعتها الولايات

المتحدة فى 18 ديسمبر عام 1956 ، مع حكومة " سايجون " فى - المادة الثالثة - منها على الآتى :" يجب على

حكومة فيتنام تقديم المعلومات الضرورية لحكومة الولايات المتحدة حتى تتأكد من تنفيذ بنود الاتفاقية ، على

أن تقدم تقريرا كل ثلاثة شهور حول الاستفادة من الاعتمادات المقدمة ، والبضائع والخدمات التى تتلقاها بالإضافة

إلى أية معلومات أخرى تحتاجها الولايات المتحدة لدراسة طبيعة واتساع العمليات المطلوبة ، ولتقييم تأثير

المساعدات الظاهرة وغير الظاهرة ." . وفى المادة الخامسة منها ، نصت الاتفاقية على ما يأتى :" يجوز إلغاء

الاتفاقية بعد مذكرة كتابية من جانب الولايات المتحدة قبل ثلاثة شهور من تاريخ الإلغاء .". نلاحظ هنا كيف

تهدد الحكومة الأمريكية الطرف الآخر الموقع معها على الاتفاقية رغم ما تقدمه له من المساعدات ، ولاغم ولائه

الكامل لها ، كأسلوب من أساليب الضغط الاقتصادى لفرض كل الشروط . والمساعدات الأمريكية الشهيرة ، تنقسم

عادة إلى ثلاثة أقسام : مساعدات عسكرية ، ومساعدات اقتصادية ومالية ، ومساعدات ثقافية . ومن أهم

تلك المساعدات ، المساعدات العسكرية التى بلغت ( 7250 مليون دولار حتى عام 1970 ) مقسّمة على المراحل التالية :

أولا : ( 463 مليون دولار) للفترة من عام 1955 - 1960 ، وهى الفترة التى تم بناء جيش حكومة " سايجون".

ثانيا : ( 1187 مليون دولار) للفترة من عام 1961 - 1965 ، وهى فترة " الحرب الخاصة " .

ثالثا : ( 5600 مليون دولار ) للفترة من عام 1966 - 1970 وهى فترة " الحرب المحدودة ".

رابعا : ( 1000 مليون دولار) لعام 1968 .

خامسا : ( 1250 مليون دولار ) لعام 1969 .

سادسا : ( 1900 مليون دولار) لعام 1970 وهى فترة " فتنمة الحرب".

وجدير بالذكر ، إن كل تلك المساعدات كانت تنفق تحت إشراف منظمة عسكرية خاصة تمثّل وزارة الدفاع الأمريكية

، وهى التى عُرفت باسم " مجموعة المساعدين ، والاستشاريين العسكريين الأمريكيين أو MAAG " . ولا يفوتنا

هنا أن نشير إلى أن هذه اللجنة العسكرية الأمريكية كان يجب عليها مغادرة " سايجون " بعد اتفاقيات جنيف ،

لعام 1954 ، وفقا للمادة 16 من الاتفاقية الدولية التى وقعت عليها الولايات المتحدة نفسها ،وهى المادة التى تقضى

بمنع دخول أى قوات أجنبية جديدة أو افراد عسكريين إلى فيتنام . لكن الولايات المتحدة الأمريكية ضربت بهذه المادة

وغيرها من نصوص اتفاقيات جنيف عرض الحائط . لتبدأ عهدها الاستعمارى الجديد فى فيتنام . و " المساعدات

الأمريكية " هى أول ورقة فى لعبة التدخل الاستعمارى الأمريكى . وكما سبق أن ذكرت ، كيف بدأت الولايات

المتحدة تقديم مساعدتها فى الفترة ما بين عام 1950 ، 1954 ، أى قبل وجود شئ اسمه حكومة " سايجون" .

أو حكومة جمهورية فيتنام الجنوبية ، عندما منحت الولايات المتحدة القوات المحتلة الفرنسية فى جنوب فيتنام

( 2600 مليون دولار) أى حوالى 80 فى المائة من مجموع نفقات الحرب فى الهند الصينية . ومنذ ذلك التاريخ

استمرت المساعدات الأمريكية لجنوب فيتنام ، وتحددت الأهداف الأمريكية على لسان " فروريك بانبتنج" رئيس

قسم الشئون الآسيوية فى لجنة المساعدات الأمريكية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية فى ذلك الوقت ، عندما

ركز على المشاكل التى تعمل المساعدات الأمريكية على حلها فى جنوب فيتنام ، وقد لخّصها فى النقط الأساسية التالية :

أولا: إعادة وتدعيم السلام فى الداخل.

ثانيا : مساعدة الفيتناميين الشماليين .

ثالثا : تدعيم الاستقرار الاقتصادى .

رابعا : تقوية القدرة الإدارية لحكومة " سايجون".

الاستعمار الجديد ، والطبقات الحليفة :

قبل أن تقدّم الولايات المتحدة مساعدتها إلى بلد ما ، تكون قد قامت بدراسة شاملة للموقف الاجتماعى ، والاقتصادى

للدولة التى تنوى التدخل فى شئونها لتحقيق أهدافها الاقتصادية . ولكى تمهّد الأرض لغزوها الاقتصادى ، تكون

قد شقت القنوات التى تجرى من خلالها مياهها الاستعمارية . ولا تستطيع دولة لها استقلالها الفعلى ، وحريتها الاقتصادية

أن تقبل الشروط التى تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية ، مقابل ما تقدمه من مساعدات . أما الحكومات التى

تقبل تلك الشروط هى عادة حكومات تلعب الحكومة الأمريكية دورها الجوهرى فى وجودها . تماما كما وضعت

" نجوين دييم " أول عميل لها على رأس حكومة جنوب فيتنام بهدف تقسيم الشعب الفيتنامى ، كما قسّمت من قبله

شعب "كوريا " . وشعب " لاوس ، " ، وكما فعلت أيضا فى " كمبوديا ". وكما تدرس الولايات المتحدة الموقف الاجتماعى

جيدا ، لكى تعرف مسبقا من هى الفئات التى سوف تتعامل معها ، ومن هم " الدمى " الذين تستطيع أن تمسك

بخيوطهم ، تحرّكهم لتنفيذ سياستها ، يهمنا نحن أيضا أن نتعرّض لهذه الفئات لكى نفهم بدورنا الأسلوب الأمريكى

المتكرّر للتدخل فى أى منطقة من العالم ، لها فيها أهدافها الاستراتيجية الاستعمارية ، ونركز هنا على ما يُعرف

" بالاستعمار الجديد ". أو الاستعمار الذى يتم من خلال حكومات عميلة تضعها الولايات المتحدة لخدمة وتنفيذ

سياستها فى هذا البلد أو ذاك. وليس بعيدا عنا ما فعلته أمريكا فى " شيلى " للقضاء على حكم الرئيس الوطنى

" الليندى" ، وكثير من حكومات أمريكا اللاتينية التى جاءت إلى الحكم بعد انقلابات عسكرية دبرتها

وكالات

المخابرات المركزية الأمريكية ، فضلا فضلا عن كل الانقلابات التى دبرتها فى بعض دول آسيا وإفريقيا . بعد

تقسيم شعب فيتنام إلى قسمين نتيجة لخرق الولايات المتحدة لاتفاقيات جنيف الدولية لعام 1954 ، نزحت

الطبقة البرجوازية " الرأسمالية " الطفيلية " الكومبرادور" من الشمال إلى الجنوب لتنضم مع أمثالها

من أعمدة البرجوازية فى الجنوب ، ومنذ أول يوم للوجود الأمريكى ، كانت هذه الطبقة على استعداد كامل

للتعاون مع النظام العميل للولايات المتحدة ، لتحقيق أرباحها الطائلة من وراء عمالتها للولايات المتحدة .

وكما هو معروف فى كل الدول النامية التى كانت مستعمرات سابقة ، مثل فيتنام ، إن هذه الطبقة مقسّمة كالآتى :

أولا: طبقة كبار الرأسماليين : وهم الذين يوقّعون عقودا للاستيراد والتصدير مع الشركات الاجنبية التابعة للمستعمر.

ويدخلون برؤوس أموالهم فى مشروعات مشتركة باتجاهات سياسية رجعية واضحة .

ثانيا : الطبقة الطفيلية : وهى التى تربح أرباحا هائلة من الصفقات دون أن تقوم بأى عمل إنتاجى من أمثال

تجار السوق السوداء ، ومقاولى الباطن ، والسماسرة ، والوسطاء الخ .

وقد أدى تدفق الدولار الأمريكى عبر قنوات المساعدة الأمريكية لحكومة " سايجون" ، ووجود نصف مليون

جندى أمريكى على الأرض الفيتنامية ، أدى إلى خلق طبقة اجتماعية جديدة مرتبطة بسياسة " البيت الأبيض".

وتحولت طبقة السماسرة وكبار الملاك ، إلى مغامرين وسياسيين متعنتين ، انتقلوا بعد فترة إلى فئة كبار

الرأسماليين . وعلى سبيل المثال، احتكر " نجو" شقيق " نجويين دييم " رئيس حكومة " سايجون " الأسبق

كل تجارة الأرز، واحتكرت أخته " كالى " التجارة ووسائل النقل بين جنوب فيتنام ووسطها . أما زوجة أخيه

" تران لى اكسوان " فقد أشرفت على توزيع الاعتمادات الأمريكية ، والودائع النقدية فى البنوك الأجنبية ، وأصبح

نظام الحكم فى " سايجون " فى ذلك الوقت يُعرف باسم " نظام عائلة دييم ". أما وكالة المخابرات المركزية CIA

فقد ساعدت على خلق أحزاب ومنظمات موالية للولايات المتحدة تحت أسماء عديدة ، وتحمل واجهات ديموقراطية

وأحيانا اشتراكية . كما كانت تجبر الجنرالات العسكرية فى الحكومة الموالية لها على إشراك عدد من هؤلاء

السياسين الموالين لها فى الحكم . وبالفعل ، تم للولايات المتحدة ما أرادته فى فيتنام الجنوبية تماما ، فقد نجحت

فى السيطرة على كل المجالات ،وكانت السياسة الخارجية والداخلية لحكومة " سايجون" توضع فى واشنطن .

وفى واشنطن أيضا وضع كل الخطط التى يقوم بتنفيذها فى " سايجون". المستشارون الأمريكيون المنتشرون فى

كل المواقع من وزارات وإدارات . أما الجيش التابع لحكومة " سايجون " فهو خاضع تماما لمجموعة المساعدين

الأمريكيين الMAAG.

وعلى أية حال ، فعندما بدأ نظام " نجوين دييم " ينهار تحت وطأة التذمر الشعبى ، ومع ازدياد حجم الفساد والرشوة

والتدهور الاقتصادى ، كانت الحكومة الأمريكية قد قررت تصفية هذا النظام حتى تستطيع مواصلة تنفيذ خططها

الاستعمارية فى جنوب فيتنام على يد أداة حكومية أخرى أكثر قدرة من نظام " دييم ". ومن المعروف أن الولايات

المتحدة عندما تريد التخلص من أحد عملائها ، فالأمر بالنسبة له لا يحتاج إلى جهد كبير ، لأن رجالها موجودون

فى كل مكان ، وعملاءها منتشروت ، ووسائل التنفيذ متقدمة وميسّرة . ولنقرأ هذه الوثيقة السرية التى نشرتها

جريدة " النيويورك تايمز " لنفهم منها ، كيف تستطيع الولايات المتحدة تغيير الحكومة الموالية لها ، بنفس السهولة

التى تفرضها بها : ( " بعثت وزارة الخارجية الأمريكية يوم 24 أغسطس 1963 ، رسالة إلى "كابوت لودج"

سفيرها فى " سايجون" جاء فيها : إن الحكومة الإمريكية لا تستطيع أن تقبل تركيز السلطة فى أيدى "نو"

شقيق " دييم " . وينبغى أن يعطى " نجوين دييم " نفسه فرصة ليتخلص من " نو" وجماعته ، وأن يستبدلهم

بشخصيات سياسية وعسكرية قادرة . أما إذا رفض " دييم " هذا الاقتراح فما عليه إلا أن يذهب . أما أنت - تخاطب

السفير الأمريكى - ومعك فريق الحكومة الأمريكية ، فيجب عليكم أن تعدو التفاصيل اللازمة لنقوم بعملية

إحلال محل " دييم " إذا ما اقتضت الضرورة ذلك ".) . والأحداث التى تلت هذه الرسالة معروفة ، عندما قُصف

القصر الجمهورى فى " سايجون" وقُتل رئيس الحكومة " دييم " ومعه شقيقه " نو" وهما داخل عربة مسلّحة .

وبعد اغتيال " دييم " حدث 13 انقلابا خلال 23 شهرا ، وتغيّرت 9 حكومات ، وحدث أربع تعديلات فى الدستور

وكان على السفير الأمريكى أن يضع حدا لعدم الاستقرار الحكومى هذا . وبالفعل ، قام " ماكسويل تيلور" بعملية

فرز فى عام 1964 بين مجموعة من الضباط الفيتناميين ، قرر بعدها أنه ليس هناك احد أفضل من " نجوين فان ثيو "

يصلح رئيسا لحكومة " سايجون". وكما نشرت جريدة " النيويورك تايمز الأمريكية " فى 14 يونيو سنة 1971 ،

نقلا عن صحيفة "النباجون" إن التعليمات قد صدرت من واشنطن إلى " فان ثيو " الرئيس الثانى والأخير لحكومة

"سايجون" العميلة ليتضح لنا كيف كانت واشنطن تحكم " ما كان يسمّى بجمهورية فيتنام الجنوبية"، قبل أن يحقق

الشعب الفيتنامى انتصاره النهائى فجر يوم 30 أبريل عام 1975 . فقد أصدر " ماكسويل تيلور" السفير الأمريكى

فى " سايجون" تعليماته إلى "فان ثيو " يقول فيها :" نحن الأمريكيين قد تعبنا من الانقلابات ، وها أنا أضعها

أمامك واضحة فأقول : إن خططنا العسكرية التى أعلم أنك تسعد بتنفيذها ، يجب أن تعتمد على حكومة مستقرّة ". وفى 11 يونيو عام 1965 ، كانت مجموعة من أقصى الجنرالات الفيتناميين رجعية وعلى رأسهم

" نجوين فان ثيو" قد سخّروا أنفسهم لخدمة وتنفيذ الاستراتيجية الجديدة فى فيتنام ، وهى استراتيجية "الحرب المحدودة"

التى حلّت محل استراتيجية " الحرب الخاصة". هكذا يتم تشكيل الأداة الحكومية فى الأنظمة التابعة للولايات

المتحدة ، مع ملاحظة أنه ليس ثمة اختلاف كبير بين العناصر التى كانت تتعاون مع الاستعمار الفرنسى ، وتلك

التى تعاونت مع الاستعمار الأمريكى ، جميعهم يشتركون فى صفة واحدة تجمعهم ، هى " العمالة" وخيانة مصالح

شعوبهم . وجدير بالملاحظة أن ولاء هؤلاء العملاء الكامل للولايات المتحدة واعتمادهم على تدعيمها العسكرى والمادى

لا يحميهم من السقوط على أيدى الإرادة الشعبية الحاسمة . والغريب أن هذه الحقيقة لم تكن غائبة على الولايات

المتحدة واعتمادهم على تدعيمها العسكرى ، قال " روبرت كيندى " ذات مرة :" نحن أصبحنا حلفاء لنظام

وطبقة منحناها أكثر من فرصة لتغيّر أسلوبها ، ولكنها لم تُظهر الإرادة ولا القدرة على مقابلة احتياجات شعبها ".

وفى مرة أخرى ، نقل " روبرت كيندى " رأى " جون فيربانكس" الذى قال " نحن ننام على نفس الفراش

الذى نامت فيه فرنسا حتى ولو كنا نحلم أحلاما مختلفة ، إن وجودنا فى فيتنام ، قادنا إلى الاعتماد على نفس

المجموعات بل نفس الأفراد الذين اعتمدت عليهم فرنسا ". ومع ذلك ، ورغم اختلاف الأحلام الأمريكية عن

الأحلام الفرنسية ، فقد سقط الفراش الذى نامت عليه الولايات المتحدة خمسة عشر عاما ، كما سقط من قبله الفراش

الذى نامت عليه فرنسا تسع سنوات . غير أن انهيار الفراش الأمريكى كسلفه الفرنسى ، قد ترك تحته من الأنقاض

"الجنرال

العظيم " نجوين جياب" حين قال :" الإنسان هو الترسانة النووية للشعوب الصغيرة والمستعمرة ".

"انتهى الموضوع "

No comments: