Thursday, May 17, 2007

الخصوصية والعمومية فى الثورة الفلسطينية - افتتاحية بقلم لطفى الخولى 1970

الصور الثلاث مأخوذة من مجلة " العربى " مايو 2007 ، إعداد وتنفيذ الدكتور محمد محمود الصياد ، وهى تشرح قضية فلسطين بين الانتداب والانتهاب
الصورة الأولى : مشروع تقسيم عام 1937، حيث تشير المنطقة المظلّلة باللون الأخضر إلى المنطقة العربية ، وتشير المنطقة المظلّلة باللون الأصفر إلى المنطقة اليهودية ، وتشير المنطقة المظلّلة باللون الأحمر إلى منطقة تحت الانتداب البريطانى
الصورة الثانية : تقسيم فلسطين وفقا لقرار الأمم المتحدة عام 1947 ، حيث تشير المنطقة المظلّلة باللون الأخضر إلى الدولة العربية ، وتشير المنطقة المظلّلة باللون الأصفر إلى الدولة اليهودية المغتصبة " اسم فاعل" ، وتشير المنطقة المظلّلة باللون الأحمر إلى منطقة القدس المدولة
الصورة الثالثة : " نهاية المأساة" ، تشير المنطقة المظلّلة باللون الأخضر إلى ما بقى للعرب، وتشير المنطقة المظلّلة باللون الأصفر إلى الدولة اليهودية المغتصبة


المقال "الافتتاحية " بقلم : لطفى الخولى 1970
ليس معنى أن القضية الفلسطينية ، جزء لا يتجزأ من القضية العربية ، أن نغفل أو نتجاهل " خصوصية القضية الفلسطينية " بما يكتنفها من
ظروف و أوضاع ، بل وفريدة فى نوعها . ليس فقط بالقياس إلى حركة التحرّر العربى ، بل و إلى جميع تجارب حركات التحرّر فى العالم .
ولعل هذه " الخصوصية " تنبع من تناقض واقعين محدّدين : واقع الاحتلال الصهيونى الاستيطانى لأرض فلسطين وتشريده لغالبية شعبها
طوال اثنين وعشرين عاما. وواقع هذا الشعب المشرّد الذى راح يكثف جهوده ويبلور قواه ويجمع شتاته فى حركة تحرير وطنية مسلّحة ، وذلك
منذ ثلاثة أعوام فحسب. و " خصوصية " القضية الفلسطينية ، لا تعنى انفصالها عن " عمومية " القضية العربية . أو بتعبير آخر عن السمات
المشتركة لحركة التحرّر العربى والتى يمكن أن تتحدّد فى نضالها ضد الإمبريالية والاستعمار القديم والجديد ، والتخلّف الاقتصادى والاجتماعى
والتكنولوجى ، والتفتّت القومى . وإنما يعنى أن حركة التحرّر الفلسطينية وهى تحمل كل هذه السمات العامة ، تنطلق من أرضية ذات ظروف
واعتبارات مختلفة عن أرضية حركة التحرّر فى مصر أو سوريا أو العراق أو الجزائر أو السودان أو ليبيا الخ . وهى ، لا تنفرد وحدها بالخصوصية .
بل إن كل حركة تحرير وبناء سياسى واجتماعى فى كل بلد عربى لها أيضا خصوصيتها ، التى بدون اعتبارها تورّط مسيرتها فى حسابات خاطئة .
يمكن مثلا أن نلمس جانبا من جوانب خصوصية قضية ليبيا فى ضخامة المساحة الجغرافية التى تصل إلى حوالى ثلاثة ملايين كيلو مترات مربعة
وذلك بالقياس إلى ضآلة حجم السكان الذى يقل عن مليونى نسمة . وهو وضع يختلف عن أوضاع كل من سوريا ومصر والجزائر. ويمكن أيضا
أن نلمس وجها من وجوه الخصوصية للقضية العراقية فى تكوّن الشعب من قوميتين : عربية وكردية ، وهو وضع لا نجده مثلا فى القضية المصرية .
وقد يحدث أن تتشابه - بدرجات متفاوتة - خصوصية الحركة الثورية بين بعض البلاد العربية ، مثل واقع الأقليات القومية ( العراق والسودان)
بيد أن خصوصية القضية الفلسطينية تنفرد بواقع محدّد وحاد ، لا نجد له مثيلا أو شبيها فى جميع حركات التحرّر العربية على الإطلاق. ونقصد
بهذا الواقع ، أن حركة الثورة الفلسطينية تتبلور أساسا من خلال شتات الشعب الفلسطينى فى كل أرجاء الوطن العربى وأجزاء متناثرة من العالم
لتحرّر وطنا وقع بكامله فى قبضة الاحتلال الصهيونى . وبوضوح ليس هناك حركة تحرير عربية أو غير عربية فى التاريخ واجهت مثل هذه
التجربة القاسية والفريدة . صحيح أن حركة التحرير الجزائرية واجهت أيضا الاحتلال الفرنسى الاستيطانى ، ولكنها مارست تجربتها مع
شعبها فوق أرض الوطن. ودفعت، مع ذلك ، سبع سنوات ونصف من عمرها النضالى ، وأكثر من مليون شهيد حتى أمكنها أن تحرز النصر
وعدم رصْد و تحليل واستيعاب خصوصية واقع الحركة الثورية فى كل بلد عربى ، لا يؤدى فحسب إلى افتقاد الأرضية الموضوعية للثورة
فيه ، ويعرضها لخطر الوقوع فى هوة المغامرة أو اليسارية الطفولية ، بل يفقد عمومية الثورة العربية ذاتها ، المنابع الحقيقية لقواها ، وثرائها
من خلال تعدّد وتنوّع التجارب الثورية المحلية المتفاعلة مع واقعها . وتغدو عمومية أو شمول الثورة العربية مجرّد شعارات جوفاء تتلاعب
بكلمات حماسية ، أو مجرّد تصوّرات وشطحات ذهنية ، تحاول فرْض قواعد، و " صفات " للكفاح والنضال ، لا يستجيب لها الواقع الحىّ
ومن هنا ، " فالخصوصية " لا تعارض " العمومية " ، بل هى السبيل الصحيح نحو عمومية صحيحة وحقيقية . " فالكل" لا ينفى الجزء ، والأجزاء
فى علاقاتها الديناميكية ، هى التى تبنى " كلا" سليم الجسد، والعقل والإرادة . والعلاقات الديناميكية تحمى أجزاء الجسد الثورى من أمراض :
وصاية بعضها على بعض، وقتل مبادراتها الخاصة النابعة عن الواقع ، ونقل التجارب من واقع إلى واقع آخر نقلا حرفيا دون ما اعتبار
للظروف الخاصة ، وفوضى النقد غير المسئول.
والحق أن " خصوصية " حركة التحرير الفلسطينى هى التى أغنت النضال العربى الشامل، بطاقة إيجابية جديدة ، ظلّت حبيسة السلبية - لأسباب مختلفة - ،
من بينها الوصاية العربية . حتى فجّرتها الطلائع الوطنية الفلسطينية منذ عام 1965 ، وحين هبط الظلام على الوطن العربى ، مع هزيمة يونيو 1967
كانت هى التى بادرت إلى العمل، معبّرة عن إرادة الشعب العربى كله ، وجماع حركته التحريرية ، وأول شعلة ضوء تحدّت ظلمات يونيو الكئيبة
ورغم هذه المبادرة التاريخية لحركة المقاومة الفلسطينية ، فإنها لم تدّع يوما أنها مبعوثة العناية الإلهية لإنقاذ أو تصحيح مسار حركة التحرّر
فى كل قطر عربى ، وإنما اعتبرت أن ذلك هو ، أولا و أخيرا ، جوهر مسئولية القوى الوطنية الثورية فى هذا القطر أو ذاك . وركّزت كل جهدها
- من مواقع متعدّدة خلال فتح والتنظيمات الأخرى التى تبعتها إلى الساحة - على تعبئة وتنظيم قوى الشتات ، لتحوّلها من مجموعات لاجئين ومنفيين
ولاهثين - فرادى - خلف لقمة العيش، إلى شعب واع ، ومقاتل، يعيد اكتشاف ذاته وهويته وتراثه وقدراته اكتشافا جديدا وثوريا . ويُغنى حركة
التحرّر العربى المعاصرة بنموذج نضالى ، يصحّح -محليا وعربيا ودوليا - وضْع القضية الفلسطينية . فلم تعد -فى خصوصيتها - صراعا
بين طرف معتد محدّد هو الاحتلال الصهيونى الإسرائيلى ، وطرف غير محدّد هو الدول العربية تشيع بينها المسئوليات حتى لتبهت و تتجمّد وتغدو
الموضوع المفضّل للمزايدات. وإنما أثبتت المقاومة ، من جديد ، الطرف الأصيل والضرورى فى الصراع ، وهو الشعب الفلسطينى ذاته .وبعد
هذا كله ، وقبل هذا كله ، فإن المقاومة الفلسطينية ، بمنابعها الشعبية ، قد حرّرت القضية - كمصدر قومى - من أضابير ومؤتمرات الدول العربية
لتصبح جوْهر العمل الشعبى فى الوطن العربى كله ، وتنمّى بالتالى وعىّ الجماهير السياسى ، وقدراتها على النضال والصمود والعطاء. على
هذا الأساس الموضوعى للخصوصية والعمومية فى القضية الفلسطينية ، ليس من حق أحد - فى هذا القطر أو ذاك - أن يعطى لنفسه دور الوصىّ
أو الاستاذ الذى يلقن المقاومة الفلسطينية - بمختلف فصائلها - دروسا فى كيفية حلّ مشاكلها الداخلية ، وبناء قواها وتحديد مسار نضالها . وليس
معنى هذا أننا نطالب بقداسة خاصة للمقاومة الفلسطينية ، أو أنها مبرّ أة من الأخطاء والنواقص . لا . إنها تعمل، ومنْ يعمل يخطى ويصيب
وهى ككل عمل إنسانى نضالى تحريرى ، لا قداسة فيه إلاّ للهدف الاستراتيجى ، وللشهداء الذين يسقطون فى سبيله . وبالتالى فإن من حق
كل مواطن عربى أو قوة عربية تقدمية أن تولى عميق اهتمامها لمشاكل وقضايا المقاومة ، بل وأن تسهم إيجابيا فى حلّها ، وإلاّ وقعنا أسرى لخصوصية
ميكانيكية تتجاهل عمومية حركة التحرّر العربى . بيد أن هذه المساهمة وذلك الاهتمام ، يضلاّن طريقهما ، إذا وقعنا بأسلوب الوصاية وتلقين
الدروس والعظات من عل، أو بطريقة نشر غسيل المقاومة ، وجعله مادة للإثارة الصحفية . وإنما يجب أن يمارسا بأسلوب نضالى مسئول ينبع
من الاقتناع بموضوعية حركة المقاومة كتعبير عن إرادة شعب ينطلق إلى العمل بعد سنوات طويلة وقاسية من التشريد والتشتيت والإنهاك، والوصايا
التى صادرت مبادراته . بمعنى أن قوى التحرّر الوطنى فى جميع البلاد العربية مطالبة أساسا - خلال تعاملها مع حركة المقاومة الفلسطينية - أن تتطهّر
من عقدة الوصاية الأبوية ، وتقف من المقاومة موقف الند للند. ومن أرضية هذا الموقف ، عليها أن تتعرّف إلى واقع المقاومة وإمكانياتها وظروفها
ومشاكلها ، إلى خصوصيتها ، كما هى ، لا كما تحب أن تتصوّرها . فالواقع هو مادة الحياة والحركة لا التصورات. وأن تعتبر مساندتها لحركة
المقاومة واجب تفرضه عمومية حركة التحرّر العربى ، وضروراتها ، وليست عبئا تفرضه اعتبارات خاصة أو تمليه ظروف طارئة ، وتستلزم
بالمقابل ثمنا معيّنا . ذلك أن المقاومة فى مواجهتها اليومية الدامية مع الاحتلال الصهيونى - الإمبريالى ، لا تحقّق مصالح الشعب الفلسطينى وحده
بل ومصالح الشعوب العربية جميعا فى سعيّها للتحرّر والاشتراكية والوحدة . إنها فى نفس الوقت خط الدفاع الشعبى الأول عن الوطن العربى
وقوة الصدام الشعبية المباشرة للحركة العربية كلها ، وتتحمّل نتيجة لهذا - وبالقياس إلى تعداد وإمكانيات الشعب الفلسطينى - أفدح ثمن . والمقاومة
- كما هو معروف - لها كيانات تنظيمية مسئولة بمستويات مختلفة ، هناك قيادات كل منظمة ، ومنظمة تحرير فلسطين التى تكوّن إطار الجبهة
السياسى ، والقيادة الموحّدة ، هذه الكيانات هى التى يجب أن نتوجه إليها من خلال - اتصالات جماعية أو فردية - بنقدنا وملاحظاتنا واقتراحاتنا
لعلاج ما نراه من نواقص أو أخطاء. ونفتح بذلك قنوات ومنابر تنظيمية للحوار والمناقشة ، وهنا تطرح فكرة بناء جبهة شعبية عربية من حول
المقاومة نفسها ، كضرورة موضوعية فى هذا المجال، لتنظيم الحوار والأخذ والعطاء بين تجارب وأفكار حركة التحرّر العربى والمقاومة
الفلسطينية تنظيما مسئولا. والواقع أن انتهاج أى أسلوب آخر غير هذا الأسلوب النضالى المسئول - على الأقل فى الظروف الراهنة - يعرّض
القضية الفلسطينية ، وبل والقضية العربية معا للخطر ، فهو يكرّس الانفصام ضد الوحدة ، ويشجّع القوى الرجعية فى الوطن العربى على التطاول
ضد المقاومة ، ويفتح أمام المقاومة أبواب معارك فرعية وجانبية تسهلك جهدها ، ذلك فضلا عن أنه فى النهاية لا يؤتى ثماره ، بسبب أنه لا يوضع
موْضع الحوار الجاد المسئول. لا تجعلوا " الوحدة " شمّاعة نعلّق عليها تحفظاتنا تجاه حركة المقاومة . الواقع الفلسطينى الحىّ يؤكد لنا أن الحد
الأدنى من الوحدة الوطنية بين فصائل المقاومة متحقّق بالفعل ، سواء فى إطار "القيادة الموحّدة " أو فى إطار " منظمة التحرير الفلسطينية ".
وهذا الحد لا يقل - كما ونوعا - عن الحد الخاص بالثورة الفيتنامية أو بالمقاومة الفرنسية ضد النازى خلال الحرب العالمية الثانية . إن عدد
المنظمات الفدائية الفلسطينية . وقد مرّت بمراحل متعدّدة وشاقة - عبر التنسيق والعمليات المشتركة - إلى الوحدة الوطنية فى إطار الجبهة . وعندما
نتحدّث عن وحدة المقاومة الفلسطينية ، يجب أن نحذر التجريد الذى يبسّط الأمور ويضللنا عن رؤية الحقيقة النامية تاريخيا بالفعل . إن الحديث
عن الوحدة - والتى هى مطلب صحيح وشرعى - يجب أن يضع فى اعتباره أن الثورة الفلسطينية ما برحت عامها الثالث فحسب ، وأنها تتفجّر
وسط ظروف قاسية وشديدة التعقيد ، وأنها تتّجه باستمرار نحو مزيد من التلاحم فى أشكال وكيانات متطوّرة دوما ، وبعد ذلك فإن الوحدة الوطنية
الحقيقية لن تقوم بلمسة من عصا سحرية وإنما من خلال لهيب المعركة وضروراتها الحتمية فى كل من الميدانين السياسى والعسكرى . فلندع
مشاكل المقاومة الداخلية للمقاومين أنفسهم ، ولنكف عن إثارة الغبار حولها من الخارج . ولنسأل أنفسنا عندما نكتب أو نصرّح بشئ عن المقاومة
: هل هذا يدعمها أو يضعفها ، فأولى الأولويات هى أن تبقى المقاومة وتقوى . وحتى لا نتورّط، ولو بحسن نيّة ، فى القيام بدور " يهوذا " مع المقاومة
الفلسطينية ، علينا أن نتصوّر، ولو للحظة واحدة : ماذا كان يمكن أن يكون عليه وطننا العربى ، لو لم " يقم " الشعب الفلسطينى من جديد ، وتشرق
شمس مقاومته الباسلة على ظلمات يونيو
لطفى الخولى






No comments: