Saturday, June 9, 2007

محاضرة لـ مكسيم رودنسون : المشكلة اليهودية عبر التاريخ، مايو 1970









الصور مأخوذة من مجلة " العربى " مايو 2007 ، تحت عنوان " فلسطين بين الانتداب والانتهاب"


إعداد الدكتور " محمد محمود الصياد "


حيث ترمز إلى " الفلسطينى " ، صورة الرجل ذو الشال الفلسطينى


ملخّص المحاضرة
" المشكلة اليهودية عبر التاريخ "


سيداتى ، سادتى ، مرة أخرى سأشرع فى معالجة قضية شديدة الاتساع والتعقيد ، فى وقت محدود نسبيا ، ولذا


فمن الطبيعى أن أضطر إلى تناول بعض النقاط بسرعة ، بل إنى قد أتركها جانبا . لقد كثر الكلام عن " المشكلة اليهودية "


وراج هذا التعبير فى أوروبا فى القرن التاسع عشر ، وإذا حاولنا أن نحدّد بصفة عامة ، ما هو المقصود من هذا


التعبير ، فإن الأمر سيقودنا إلى أسئلة ثلاثة :


من هم اليهود أو من كانوا



وسأحاول أن أعرض الإجابة التى كان من الممكن تقديمها فى رأيى ، وفقا للنظرة الموضوعية العلمية التاريخية
والاجتماعية انطلاقا من مبدأ أساسى يجب ألاّ يغيب عن بالنا ، ويستحيل أن تدور أى مناقشة إذا لم يُقبل
هذا المبدأ وهو أن اليهود بشر ، لا يجوز أن نفسّر تاريخهم وأوضاعهم بناء على عوامل تختلف عن العوامل
السارية على التاريخبوجه عام، وهذا موقف أساسى بالنسبة لى ، لن أتخلى عنه . فهم ليسوا أناسا فوق
بقية الأجناس أو دونها إنهم بشر عاديون ، لهم سماتهم المميّزة لهم ، الناتجة عن تاريخهم ، وعن التكوينات
الاجتماعية التى عاشوا فيها شأنهم فى ذلك شأن كل المجموعات الإنسانية الأخرى


من هم اليهود


قبل القرن التاسع عشر ، لم تكن هناك قضية فى أوروبا ولا فى الشرق ، كان الأمر بسيطا ، فاليهود أتباع دين


معيّن من بين الأديان العديدة الموجودة فى العالم . و خلال القرن التاسع عشر فى اوروبا ، اندمج بعض اليهود إلى حد اعتناقهم

المسيحية - الدين السائد فى المجتمع - وسواء تم هذا الاعتناق عن إخلاص أو عدم إخلاص ، فهذا لا يهم لأنهم

تحوّلوا فعلا إلى مسيحيين ، وظل البعض متميّزا بالنسبة لمسألة واحدة أضحت ثانوية ، وهى انتماؤهم لدين معيّن

-" اليهودية " - ليس دين أغلبية الأوروبيين . وهذا ما يجب أن يدركه جيدا اليهود الأمريكيون والعرب أيضا

لصالح الجميع . فهناك عدد كبير من اليهود ومن سلالاتهم تحوّلوا إلى مواطنين فرنسيين وإنجليز وألمان الخ

من أصل يهودى . فإذا كان يهود أوروبا لا يكوّنون معا دينا واحدا ، فماذا يكوّنون إذا ، هل مجموع الأشخاص
الذين يمكن أن نسميهم يهودا بدرجات متفاوتة ، هل يمكن أن يكوّنوا شعبا ، لاشك أنهم سيكوّنون شعبا غريبا
حقا
شعبا غير طبيعى ، لا وطن له ويرتبط بأوطان مختلفة ، وعندئذ يمكننا أن نسأل : لكل شعب بصفة عامة ثقافته
الخاصة ، فما هى ثقافة اليهود الخاصة بهم ، والأجابة سهلة بالنسبة لأوروبا الشرقية ، ذلك أنه توجد هناك بالفعل
ثقافة يهودية خاصة ، ثقافة " لغة اليديش" ، فاليديش لغة ، ولهجة من أصل جرمانى ، وهذه الثقافة مزدحمة
باصطلاحات المثقّفين وبكلمات عبرية ، ولها لغة وأدب لا يرتبط بالضرورة بالدين اليهودى ، بل إن هناك أدب
معاد للكهنوتية ، ومعاد للدين بلغة " اليديش" . فى حين إن يهود البلاد العربية وأوروبا الغربية وإسبانيا لا يمتون
بأى صلة للغة " اليديش" ، ويتكلّمون لهجات عربية أو إسبانية أو فارسية بل وصينية أيضا .
اصطلاح " معاداة السامية "
مصطلح " معاداة السامية " اختراع ألمانى من القرن التاسع عشر ، فى وقت كان لا يعرف الألمان فيه سوى
اليهود كقوم يمكن ربطهم باللغة السامية .
الأرجنيتن ، أوغندا ، فلسطين
وكان على اليهود أن يبحثوا لهم عن وطن ، وكان هناك تردّد فى بداية الحركة الصهيونية ، حيث دار الكلام حول
" الأرجنتين " و " أوغندا " ، ومن المؤسف أن الكلام دار فى نهاية الأمر حول " فلسطين " ، وهو اختيار مشئوم
فتح الطريق لسلسلة من المآسى .
كيف نفسّر وجود اليهود وأوضاعهم
لقد تكلّم الذين أبرزوا الطابع الاستثنائى عن احتمال وجود سر دفين لوجود اليهود ، وكان المسيحيون أول من
أقدم على ذلك ، فالمسيحيون يتكلمون عن سر إسرائيل منذ وقت طويل مضى ، وأنا أقصد بإسرائيل لا الدولة
التى نحن بصددها ، ولكن الإشارة العامة إلى الشعب اليهودى الغابر " القديم " ، فقد بدأ اليهود دائما فى نظر
المسيحيين سرا خاصا ، فالمسيح كان يهوديا ، وكذلك الحواريون . وكان التلاميذ الأوائل من اليهود ، وقد دارت
مناقشات واسعة بين الجيل الأول من المسيحيين ، وبالأخص بين القديسين بطرس وبولس ويعقوب حول إمكانية
قبول المسيحيين من أصل غير يهودى ، وما شروط ذلك ، ولذا كان السؤال : لماذا لم يعتنق اليهود المسيحية
مع أن المسيح جاء إليهم ، هم بالذات ، ولماذا لم يعترفوا به . وهكذا افترض المسيحيون أن هناك سرا مقصودا
ظهرت خطوطه العريضة فى القرن الأول فى " رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية " ، وتطورت هذه الخطوط
باستفاضة فى الآداب اللاهوتية المسيحية ، وأوضحوا الطابع الغامض للتدبير الإلهى فى عدم اعتناق اليهود للمسيحية
وبالطبع ، فإن اليهود من جانبهم أحسوا بوضعهم الاستثنائى كأقلية ، وأرادوا أن يبرزوا الطابع الاستثنائى لجماعتهم
لأسباب لاهوتية فكرية ولأسباب عامة . حيث ظهر بين اليهود نوعان من التفسير : الأول : التفسير دينى وهو :
رغبة " الله " فى الإبقاء على هذا الشعب يهوديا ، باعتباره " شعب الله " بالرغم من الاضطهاد ، ولكن كان
يتعيّن على اللاهوت اليهودى أن يفسّر أيضا - تبعا للتفسير الذى قدموه لعدم اعتناقهم المسيحية - عدم اعتناق
الشعوب الأخرى للدين اليهودى . الثانى : التفسير القومى : حيث اعتمد هذا التفسير على سر غامض ، وهو
إرادة البقاء القومية ، وإرادة إثبات الكيان المشترك التى تفرض نفسها ، فاليهود يندمجون ويبتعثرون ويتجهون
أكثر فأكثر نحو اعتناق المسيحية والبوذية وغير ذلك من الأديان ، ولكن فى الوقت الذى يتصوّر فيه الناس إن
الأمر انتهى ، فى هذا الوقت بالذات تأتى دفعة عظيمة لهذه الإرادة القومية ، تلك هى النظرية القومية العليا التى
ظهرت مختلفة ، وأنا لا أحللها لكم ، فهذا لا يجدى على ما أظن ، ولكنى أكتفى بأن أقدم لكم خطوطها العريضة
وتتناسى النظرية " القومية " لليهود ، - وبالتالى ضرورة وجود وطن لها - ، تتناسى عن عمد واقعا معيّنا
وهو واضح تماما من خلال قراءة التاريخ ، فقد اندمج عدد هائل من اليهود عبر التاريخ وبالأخص فى البلاد
المسيحية والإسلامية ، وهنا أعود إلى ما قاله " بيريفيت" وصحيح أن كل التاريخ الذى نقرأه نجد به حالات كثيرة
لتحوّل يهود إلى المسيحية أو الإسلام . ومنذ مدة كنت أناقش " كلود لاتزمان " فى التليفزيون الفرنسى ، وهو
رجل ملحد تماما ، ولكنه يعلن أنه معجب بالدين اليهودى لا لشئ سوى أنه استطاع أن يحافظ على الرابطة القومية
اليهودية ، وهو يقول إنه لشئ رائع أن يرى هذا الشعب محافظا على كيانه بالرغم من كل شئ ، وبالرغم من
أعمال الاضطهاد ، لقد قلت له : إنها خدعة بصرية ، فاليهودية مصفاة . اسمحوا لى بهذا التشبيه الفج : مصفاة
فقد مرّت أعداد كبيرة من الناس باليهودية ثم تحوّلوا إلى شئ آخر .
"ماركس " وتفسير بقاء اليهودية
وفى مواجهة التفسير الدينى والقومى لبقاء اليهود ، كانت هناك محاولات تفسير أخرى ، وهو تفسير " ماركس "
وقد سبق أن قلت لكم أنى لا أكن تقديرا خاصا لمقالة " ماركس " حول المسألة اليهودية ، ولكن هناك شئ عظيم
فيه ، وهو المبدأ الذى أقره منذ البداية بوصفه أمرا طبيعيا ، فقد قال " ماركس " : إن اليهودية أو بالأحرى اليهودانية
ظلّت باقية من خلال التاريخ ، لا بالرغم من التاريخ . فاليهود ظلوا باقين لأن الاقتصاد الأوروبى كان فى حاجة
إليهم ، إذ أنهم تخصّصوا فى وظيفة معيّنة وهى تجارة المالى فى مرحلتى اقتصاد القرون الوسطى وبداية الاقتصاد
الرأسمالى ، فقد كانت هناك حاجة إلى أناس متخصّصين فى هذا المجال . ولكن نظرية " الوظيفة " تلك ، يمكن
نقدها ، لأن هناك " إبراهام ليون " وكان يهوديا بلجيكيا ، الذى أوضح أن " وظيفة " المالى والتجارة لم ينفرد
بها اليهود وحدهم . ولكن يستطرد " إبراهام ليون " موضحا بأنه يمكن إعطاء أهمية لنظرية " الوظيفة " التى
جاء بها " ماركس " كعامل من عوامل تفسير وجود اليهود.
فوظيفة المقرض ، ثم وظيفة المصرفى ، كانت من المهن التى ركّز عليها عدد من اليهود خاصة فى مرحلة
تكوين " رأس المال" ، وذلك لأسباب تاريخية واجتماعية فى القرنين الخامس والسادس عشر . وقد كوّن بعضهم
ثروات ضخمة فى هذه الفترة . وهناك شخصية أعرفها جيدا لأنه كتب عنها مؤلف كبير أخيرا ، هذه الشخصية
هى " جوزيف ماس" من أصل يهودى إسبانى ، وقد اعتنق المسيحية فى الظاهر ، والتجأ إلى هولندا ، وكان
صاحب ثروة ضخمة ، وحاول شارل الخامس أن يبقيه فى أوروبا ، وحاول هو من جانبه أن يلجأ إلى مكان يعيش
فيه فى هدوء ويمارس فيه عقيدته ، وقد انتقل سرّا إلى مكان يتوفر فيه التسامح الدينى ، فذهب إلى الإمبراطورية
العثمانية ، وقد أصبح صديقا للسلطان " يازيد بن سليمان الحكيم " الذى منحه جزيرة ، جزيرة " ناكسوس" وأنعم
عليه بلقب دوق . ونظرية " الوظيفة " لا تفسّر تماما بقاء اليهود فى أوروبا قبل الحروب الصليبية أولا ، حيث
كانوا يمارسون كل المهن الممكنة ويزاولون مهنة الإقراض ، ولكن لم يكن أغلبية اليهود فى أوروبا من رجال
المصارف ، كذلك لا تفسّر لنا النظرية وضعية اليهود فى الشرق الإسلامى حيث كان اليهود يمارسون كل المهن
على اختلاف أنواعها ، ومن الواضح أننا بحاجة إلى تفسير أعم وأشمل ، ولكنى حاولت أن أرسم فقط بعض الخطوط
مع معرفتى إلى حد ما بتاريخ اليهود ، وتمسّكى التام برفض العوامل الغيبية وفوق الطبيعية ، سواء تمثّلت فى
إرادة " الله" ، بوصفها التفسير الوحيد على الأقل ، ومرة أخرى أقول للذين يؤمنون ، إنى لا أنكر إرادة " الله "
فهم أحرار فى الإيمان بها ، ولكنى أعتمد مرة أخرى على مفهوم " العلّة الثانية " ، فإذا كان " لله " دخل ، فهذا
يتم من خلال العلل المختلفة ، ولذا يجب أن أضع ذلك بين قوسين إذا كنا نسعى للقيام بدراسة تاريخية واجتماعية
لها قيمتها . أمّا التفسير العام لبقاء اليهود ، فيتمثّل بكل بساطة فى أنه لم يُبذل أى مجهود منظّم ومدروس فى أى
من أنحاء العالم التى تواجد فيها اليهود من أجل إنهاء تميزهم .
اليهودية فى العهد الإسلامى
كان لليهودية فى العهد الإسلامى أهمية كبرى فى التاريخ اليهودى ، لأن اليهود دخلوا فى منطقة تجارية كبيرة
أوجدها الفتح الإسلامى وهى منطقة هائلة أقرب إلى السوق المشتركة ، حدث من خلالها تبادل واسع النطاق فى
القرون الوسطى ، وفى ظل ذلك الاقتصاد الديناميكى ، قام اليهود بدور كبير ، وقد تحوّلوا فى هذه الفترة بالذات
إلى سكان مدن . ولكن لا يجب أن نلجأ إلى التعميم ، فلا يزال هناك فلاحون من اليهود فى المغرب بالأخص.
ومن جهة أخرى ، كانت لهذه العناصر علاقات أيسر مع أوروبا ، إذ كان يوجد فى أوروبا أخوة لهم فى العقيدة
وقد تخصّصوا فى التجارة مع أوروبا خلال مدة بسيطة حيث حل محلهم اليونانيون والفورمانديون ابتداء من
القرن الحادى عشر.
المشكلة اليهودية نشأت فى الغرب
من جهة أخرى ، كان المجتمع الإسلامى محتفظا بطابع المجتمعات الشرقية ، وهو تعدد الجاليات ، إذ أن كل
جالية كانت تتمتّع فى ظل المجتمع المحكوم بعاهل مسلم ، كانت تتمتع باستقلالية شبه كاملة ، على أن هذه الجاليات
الخاصة كانت متأثّرة بالمجتمع السائد حولها ، أى مجتمع اللغة العربية والدين الإسلامى . أمّا المشكلة اليهودية
فى شكلها الحالى ، فقد نشأت فى أوروبا ، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن اليهود فى أوروبا كانوا قد امتزجوا
بالآخرين قبل الحروب الصليبية ، ولم تكن هناك " جيتوهات " ولا أحياء مخصّصة لهم ، فقد جاء اختراع " الجيتوهات "
فى آواخر القرون الوسطى ، فقد كان اليهود يقدّمون فرقا عسكرية ، وأملاك عقارية جنبا إلى جنب مع المسيحيين
وقد بذلت الكنيسة المسيحية بالتأكيد جهودا لفرض أنواع من التفرقة بالنسبة لبعض المسائل . ولم تبذل جهود
متواصلة وفى كل مكان فى آن واحد من أجل إجبارهم على اعتناق المسيحية ، ولم تتم مثل هذه الجهود الكبيرة
إلاّ فى إسبانيا فى ظل " الفيزيجوت" وقبل الفتح العربى فى القرنين السادس والسابع ، إذ بُذلت بالفعل جهود حقيقية
للتنصير الشامل ، أعقبتها معاداة حقيقية للسامية ، وتفرقة ضد اليهود الذين أُجبروا على اعتناق المسيحية وكان
هناك بالطبع شك فى صدقهم ، ولذا فقد استمرت ضدهم أعمال التمييز والتفرقة ، وهذا يفسّر لنا بصفة عامة
تأييد يهود إسبانيا للفتح العربى . وتغيّر الوضع فى أوروبا بعد الحروب الصليبية ، ذلك أن جهودا كبيرة بُذلت
من أجل تحقيق الوحدة الفكرية حول " البابا" ، واتجهت المعارك ضد " الكفرة " ، والمقصود بهم " المسلمون" .
ولكن المسلمين على بُعد ، واليهود أقرب منالا ، ومكافحتهم أيسر ، ومن ثم ، بدأت بعض الفرق غير المنظّمة
بقتل اليهود حيثما تواجدوا على ضفاف نهر " الراين " ، مما أدى بهذه المناسبة إلى حدوث هجرة من يهود ألمانيا
الغربية نحو أوروبا الشرقية . لكنهم لم يهاجروا كلهم بالطبع ، ذلك أن المذابح لم تعم لحسن الحظ ، وتزايدت التفرقة
وقد فُرض عليهم مثلا أن يلبسوا قبعة خاصة مخروطية ومدبّبة . ويجب أن نلاحظ أن الهبّات المعادية للسامية
واليهود فى ذلك الوقت ، هبّات شعبية ، على غرار ما يحدث حاليا فى أمريكا مثلا ، فأكثر الناس ميْلا للعنصرية
ضد الزنوج فى أمريكا ، هم من البيض المتواضعين اقتصاديا - أى ليس لهم أى ميزة سوى أنهم بيض - ، فأصحاب
الملايين لا يهمهم أن يتولّى هذا الزنجى أو ذاك منصبا ، فهم - أصحاب الملايين - أرفع شأنا على أى حال ، بل
يمكنهم أن يقبلوا أن يكون من بينهم مليونير أو اثنان من الزنوج . أما فقراء البيض الذين لا يتمتّعون بأى تفوّق
سوى بياض بشرتهم ، فإنهم أكثر عنصرية . وفى الجزائر أيضا ، كان الفرنسيون المتواضعون فى الواقع أكثر
الناس اعتراضا على المساواة مع العرب ،وقد حدث ذلك فى كثير من المجتمعات . بل إن بعض المظاهرات
المعادية لليهود فى القرون الوسطى ، كانت موجّهة ضد الامتيازات التى منحها الملوك لليهود ، وهناك قصيدة
مصرية شهيرة من عهد الفاطميين تقول ما معناه ، إذا كنت تريد أن تتقدّم ، فتتحوّل إلى اليهودية ، فالسماء نفسها
يهودية ، إنها قصيدة عربية ، فكان هناك رد فعل من جانب فقراء المسلمين الذين كان مصدر تفوقهم الوحيد
هو انتماؤهم للعقيدة الصحيحة ، وبالطبع كان هؤلاء أكثر الناس استبسالا فى المطالبة بأن تكون الأقليات محدّدة
تماما فى إطار أوضاعها كأقليات . وكان الضغط الشعبى فى أوروبا يفرض على الحكام والملوك القيام بطرْد
اليهود ، ولم تكن أعمال الطرد هذه شاملة ، وكان اليهود المطرودون من بلد ، يلجأون إلى بلد آخر ، ثم يعودون
مرة أخرى ، حينما تهدأ الأوضاع ، وكذلك زاد اضطهاد اليهود فى القرون الوسطى من أجل إجبارهم على اعتناق
المسيحية ، ولكن من جهة أخرى ، لجأ بعض اليهود لاعتناق المسيحية كرغبة فى الاندماج ومسايرة التقاليد المسيحية
العامة ، وهكذا أصبحت المعابد مهجورة ، وفجأة ، جاء يهود من روسيا وأوكرانيا بسبب الاضطهاد الذى لاقوه
لتمسّكهم بدينهم وبنظامهم الطائفى . وجاءت بعد ذلك موجة أخرى من الاضطهاد ، وقد حدث ذلك فى فرنسا أيضا .
وأمام العداء ، فإنه كانت ردود فعل اليهود ، يمكننا اختصارها إلى أربع : أولا : ردود الفعل الفردية ، بأن
يعتنق الشخص دين آخر ، وإذا لم يكف ذلك ، فإنه يندمج تماما ، بل ويتخذ لنفسه اسما آخر لكى يمحو تماما أى
أثر لأصله اليهودى . ثانيا: المشاركة فى الحركات الليبرالية أو الاشتراكية لتغيير المجتمع ، على أساس أن ذلك
التغيير سيحقق الخلاص من معاداة السامية ، ولذا فقد اختار عدد من اليهود المشاركة مع الآخرين فى تلك الحركات
الليبرالية من جانب ، والاشتراكية من جانب آخر . ثالثا : الاستقلال الثقافى ، أى أن يكون لليهود هيئة خاصة
لها حق انتخاب خاص بها ، أى يطالبون بنظام طائفى . رابعا : القومية الشاملة ، وتهدف إلى تجميع اليهود
من كل أنحاء العالم ، وخلْق " قومية يهودية " لها أرضها الخاصة ، وهذا ما يُسمى ب " الصهيونية " ،والتى
اتجهت نحو أرض " فلسطين " العربية . فالوضع هكذا غير طبيعى إذن ، وأود أن أكلمكم عن عدم جدوى وخطورة
الحلول القومية بالنسبة لليهود ، فالخطر واضح بالنسبة للعرب .
ما العمل
هناك يهود يشكون بمرارة ويقولون ، نحن فى الواقع فى أسوأ وضع ، وهذا أمر فظيع ، أعتقد أن هناك جانبا
كبيرا من الإيمان الذاتى فى هذا الخصوص ، وهذا أمر مؤسف ، وأنا أتفهمه ، فقد قتل الألمان أبى وأمى لا لسبب
سوى كونهما من أصل يهودى ، ولا أستطيع أن أدّعى أن هذا الوضع يدعو للاغتباط ، وكذلك أيضا ، فإن الوضع
الذى يفرضه الصهيونيون إزاء أصدقائى العرب لا يدعو هو أيضا للاغتباط ، إذن ، فما العمل
" انتهى تلخيص محاضرة مكسيم رودنسون مايو 1970 "
ولكن يتبقى لنا العديد من الأسئلة التى تثور ، وكذلك مقترحات لمحاولة علاج هذا الوضع
فالأسئلة :
لماذا يجب أن يكون لليهود وطن على أرض عربية إسلامية أصيلة ،
هى " فلسطين " العربية الإسلامية
لماذا يجب على العرب أن يدفعوا هم ثمن شئ لم يرتكبوه ، بل على العكس يجب أن تظهر نظريات توضح مدى تأثير المعاملة
الكريمة لليهود فى البلدان الإسلامية على وجود اليهود حتى اليوم ، فالعرب والمسلمون هم الذين يدفعون الثمن غاليا من أرضهم ودمائهم
الطائفية ، ورقة محروقة : بقلم : سليمان الحكيم ، جريدة الميدان 13 يونيو 2007
المقال
" هل كانت مصر بلدا طائفيا ، نعم ، لقد كانت ولا تزال مصر بلد " الطوائف " ولكنها لم تكن أبدا بلدا " طائفيا "
أى أن الطائفية لم تلعب دورا مؤثرا فى سياستها أو نظامها الاجتماعى فى يوم من الأيام ، والذى يقرأ تاريخ هذا
البلد يُدرك مؤكّدا أن الطائفية لم تجد مناخها المناسب لتكاثر بذورها أو نضج ثمارها . حتى اليهود الذين عاشوا
فى " مصر" لم يشعروا فى يوم من الأيام بالاضطهاد أو الانعزال عن مجتمعهم المصرى ، ولم يشعر المصريون
بالحذر منهم أو الاختلاف عنهم إلاّ بعد أن زُرعت إسرائيل على حدود مصر ، بادعاءات كاذبة ، وحجج ملفّقة
عن تميّز اليهود أو اختلافهم أو اضطهادهم فى بلاد لم تكن " مصر " من بينها ، فقد كانوا وزراء ، وفنانين ، ونجوما
فى المجتمع المصرى ، تهفو إليهم قلوب عشاقهم من الجماهير من مختلف الأديان والمذاهب ، فقد كانوا مصريين
أولا ، ومصريين أخيرا. كان " يوسف قطاوى " يهوديا ، ووزيرا للمالية ثم وزيرا للمواصلات فى حكومات
"الوفد" فى العشرينيات من القرن الماضى . وكانت أندية " المكابى " أبطال مصر فى كرة السلة ، وفى الجمباز
والملاكمة ، وكان أغلبية المشجّعين لهؤلاء اللاعبين من المصريين مسلمين أو مسيحيين ، ولم يشعر أحد من هؤلاء
المشجّعين فى يوم من الأيام ، أنه يشجّع لاعبا أو ناديا يهوديا ، بل كانوا لاعبين مصريين فى أندية مصرية تلعب
فى بطولة قومية مصرية . وقد برع اليهود المصريون فى مختلف أنواع الفنون تمثيلا وغناءا ، وكان رواد المسارح
ودور السنيما من جمهور المسلمين الذين دفعوا ثمن التذاكر ليشاهدوا أو يستمعوا لفنان مصرى ، وهو يعلم أنه
يدين باليهودية . حتى اليهود أنفسهم لم يكونوا يشعرون بالاختلاف أو التمايز فى المجتمع المصرى ، فقد حفظ
" يعقوب صنوع" القرآن الكريم حين كان صبيا ، وترجم بعض آياته إلى اللغة الإيطالية التى كان يجيدها حين
كبر ، ولقد وهبته أمه للإسلام ساعة ولادته ، ليكون من أبناء الحياة ، ذلك حين مات أخوته جميعا بعد ولادتهم
فنصحها جيرانها بأن تهب مولودها القادم للإسلام لكى يعيش ، وقد عاش بالفعل ، ولم يدخل فى الإسلام ، واختار
أن يبقى على ديانته اليهودية رغم حفظه للقرآن الكريم ، وقد تتلمذ " داوود حسنى " على يد مشايخ التلحين والطرب
من المسلمين ، ولم يبخل عليه أحد منهم بما لديه من علم ، أو رعاية بسبب ديانته اليهودية . وكانت " راقية إبراهيم "
أو " راشيل" اسمها الحقيقى ، ضمن الوفد المصرى فى مهرجات برلين السينيمائى عام 1934 ، وقد أخرج
" توجو مزراحى " معظم أفلام " أم كلثوم " بينما كان هناك مخرجون مسلمون فى ذلك الوقت ، و قامت " ليلى مراد "
بالغناء لحجّاج بيت الله الحرام فى أغنية هى الأشهر من بين جميع أغانى الحج حتى اليوم ، كما قامت بدور البطولة
فى فيلم يحكى قصة الصراع فى " فلسطين " أثناء حرب 1948 ، ومثّلت فيه دور ممرضة فى مستشفى عسكرى
يعالج الجرحى العائدين من الحرب. وكانت " نجوى سالم " تجول بفرقتها المسرحية بين جنود الجبهة بقناة
السويس للترفيه عنهم أثناء حرب الاستنزاف ، وحصلت على درع " الجهاد المقدس" من القيادة العليا للقوات
المسلّحة المصرية . وتبرّعت " نجمة إبراهيم " بدخل مسرحيتها الشهيرة " ريا وسكينة " عام 1955 ، لصالح
تسليح الجيش المصرى ، وقام " محمد أنور السادات " - عضو مجلس قيادة الثورة آنذاك - بتكريمها هى وفرقتها
على خشبة المسرح . وكان " يعقوب صنوع " واحدا من مؤسسى الحزب الوطنى مع الشيخ " محمد عبده " و " عبد الله النديم "
و " جمال الدين الأفغانى " وغيرهم من شيوخ الأزهر ، وكان مناضلا ، وتعرّض كغيره من المعارضين المصريين
لصنوف القهر والمضايقة والملاحقة والاضطهاد . لقد كان هؤلاء جميعا مصريين أولا ، تغلب الوطنية المصرية
على ديانتهم اليهودية ، فلم يختص أحد موسيقييهم بالتلحين لمطرب أو مطربة يهودية ، ولم يعتزلهم المطربون
المسلمون بسبب ديانتهم اليهودية ، وكانوا جميعا يحظون بالتشجيع والرعاية من جمهور ، يمثل المسلمون غالبيته
العظمى . أما الفنانون المسيحيون فكانوا فى المكان الذى تسمح به مواهبهم ، ولم ينزل أحدهم عن مكانة يستحقها
بسبب ديانته المسيحية ، بل إن " مصر " فتحت ذراعها للفنانين المسيحيين من لبنان وسوريا ، ليتبوأوا فيها مكانة
أعلى من مكانة بعض الفنانين المصريين المسلمين ، فجاءت " صباح " و " نور الهدى " و " ووديع صافى "
و " فيروز " و " جورج أبيض" و " دولت أبيض " و " بديعة مصابنى " ليصبحوا نجوما فى " مصر " ذات
الأغلبية المسلمية . ثم يأتى بعد ذلك كله من يحاول فرْض الطائفية على " مصر" ، أو يلعب بتلك الورقة التى
يؤكّد التاريخ والواقع أنها ورقة محروقة .
"انتهى المقال من جريدة الميدان "
الاعتبارات
أولا: لا يمكن أبدا الكف عن اعتبار " فلسطين " أرض عربية إسلامية
ثانيا : لا يمكن الكف أبدا عن اعتبار اليهود مغتصبين لأرض عربية إسلامية
ثالثا : نحن بشر ، وهم بشر ، والحياة حق لنا جميعا
رابعا : يجب أن تتحمّل كل دول العالم مسئوليتها المشتركة فى تحرير أرض عربية إسلامية محتلة تسبب احتقانا
فى منطقة الشرق الأوسط بجانب العراق وأفغانستان ، كذلك مسئوليتها فى إيواء اليهود الذين يعيشون فى إسرائيل
وتوفير مناخ اقتصادى واجتماعى وثقافى مناسب لهم
خامسا : لن يكف المسلمون أبدا عن فكرة طرْد اليهود المحتلّين ، وتحرير أرض " فلسطين " العربية الإسلامية من الاحتلال البغيض
سادسا: نحن نرفع شعارا " نحن لا نكره اليهود ، ولكن نكره الصهاينة "
" نحن لا ننكر حق اليهود فى الحياة ، ولكن ننكر سلْب حق عرب ومسلمين فى الحياة وفى الأرض"
" لسنا متعصبين ، ولكننا تحرريون"
سابعا : ليس من الكرامة أن يترك المسلم فى أى مكان بلده محتلّة
العمل
من وجهة نظر متواضعة ، أرى أنه يمكننا السير فى ثلاثة اتجاهات - حتى الآن - :
الأول: جعْل منطقة فلسطين المحلتة التى يطلقون عليها " إسرائيل " أرضا طاردة ، باستمرار المقاومة المسلّحة
الثانى : اجتماع عدد من رجال الأعمال العرب والمسلمين من أجل تقديم المساعدة من ناحية الوظيفة والسكن
لليهودى الذى يعيش فى إسرائيل ، فى دولة أوروبية ، بشرط التخلى عن الجنسية الإسرائيلية ، والتعهّد المُلزم
والمقنّن بعدم العودة إلى إسرائيل مرة أخرى ، وهناك كثير من الفقراء اليهود فى إسرائيل
الثالث : حملة أيديولو- ثقافية تنضوى تحت شعار " اليهودى الصالح " ، تهدف إلى مخاطبة الشباب اليهودى
فى كل مكان ولا سيما إسرائيل ، حيث تقدم له المعلومات الحقيقية والتاريخية عن اليهود واليهودية ، وعدم أحقيتهم
فى تلك الأرض التى يعيشون عليها ، وتحذيرهم من تعاليم " التلمود " التى تجعل سلوكهم غير إنسانى فى بعض
الأحيان ، مثل ما يُقال عن " فطيرة الدم " التى يصنعها بعض اليهود بدم المسلم أو المسيحى أو غيرهما
وكنت
أتمنى فى الحقيقة إنشاء مدونة : قبطية مسلمة - اليهودى الصالح ، باللغتين العربية والعبرية ، تحت إشراف
الدكتور " عبد الوهاب المسيرى " باعتباره باحث وصاحب موسوعة عن اليهود واليهودية ، لتوجيه رسائل
موضوعية وأمينة ونزيهة :
أولا: لكشف زيف وجود اليهود فى فلسطين وأنها أرض عربية إسلامية رغم كل المغالطات التاريخية
التى
يحاولون ترويجها ببث أغطاء مغلوطة عن تاريخ اليهود فى أرض فلسطين ، أو المغالطات العقائدية التى
يحاولون
زرعها عن طريق البحث المزعوم عن "هيكل سليمان " أسفل المسجد الأقصى
ثانيا : تأهيل اليهود ولاسيما الشباب على مقاومة الأفكار التلمودية العدائية للشعوب فى كل أنحاء العالم ، ولا مانع
من أن يكون يهوديا ، ولكن يجب أن يكون صالحا أيضا .







No comments: